اكتسبت نظرية المؤامرة القائلة بوفاة بن لادن أبعاداً أكبر مع صدور كتاب فى بريطانيا والولاياتالمتحدة، عنوانه «أسامة بن لادن حى أم ميت؟»، لمؤلفه ديفيد راى جريفين الأستاذ السابق فى كلية كليرمونت لعلوم اللاهوت فى كاليفورنيا. إذ يوغل جريفين بعيداً فى إيراد شواهد تذهب إلى تحقق وفاة بن لادن. ويتهم المؤلف الغرب بالتغطية على تلك «الحقيقة» لتحقيق مآرب سياسية.يقول جريفين إن زعيم «القاعدة» توفى بسبب مضاعفات فشل كلوى مزمن فى 13 كانون الأول (ديسمبر) 2001 أثناء إقامته فى كهوف تورا بورا قرب الحدود الأفغانية - الباكستانية، وأن بن لادن دفن فى غضون 24 ساعة بعد وفاته طبقاً للتقاليد الإسلامية، فى قبر بلا علامة أو شاهد. ويتمسك جريفين بأن كل الشرائط المرئية والصوتية التى نسبت إلى بن لادن بعد تاريخ وفاته الذى ذكره اختلقها الغرب ليجعل العالم يعتقد بأن زعيم «القاعدة» ما زال على قيد الحياة. والهدف من ذلك - بحسب المؤلف - تعزيز التأييد للحرب على الإرهاب فى العراق وأفغانستان. وطبقاً لتحليل جريفين، فإن الغرب أرسل آلته الحربية الضخمة لتصلى جبال تورا بورا بالقذائف والصواريخ والقنابل بعد أقل من شهر من وقوع الهجمات على واشنطنونيويورك، بدعوى ان بن لادن يختبئ فى تلك الجبال باعتباره «ضيفاً على أفغانستان». بيد أن ذلك التحرك العسكرى تجاهل حقيقة حيوية تتمثل فى أن بن لادن تمسك أربع مرات فى أربعة بيانات أصدرها تنظيم «القاعدة» بأنه لم يقم بأى دور فى هجمات العام 2001. ويشير المؤلف إلى أن بن لادن شدد فى آخر تلك البيانات الأربعة الذى صدر فى 28 أيلول (سبتمبر) 2001، بعد مضى أسبوعين على الهجمات، على القول: «لقد ذكرت سلفاً أننى لست مشاركاً (فى الهجمات)، وأننى أبذل قصارى جهدى كمسلم لأتفادى الكذب. لم يكن لى علم، ولا اعتبر قتل الأبرياء من النساء والأطفال وبقية الناس عملاً يستحق التقدير». ولاحظ جريفين أن بن لادن سارع فى غضون ساعات من بدء الغارات الأميركية على أفغانستان فى 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2001 إلى تسريب أول شريط مرئى يظهر فيه بصفته زعيماً لتنظيم «القاعدة». وكان يرتدى زياً عسكرياً ميدانياً وبجانبه بندقيته الرشاشة فى مخبأ مضاء فى شكل جيد. ومع أنه بدا شاحباً وضامراً، ووصف خصمه بوش بأنه «رأس الكفرة»، فقد حرص على أن يرفض تحمل مسؤولية الهجمات على الولاياتالمتحدة. واعتبر بن لادن فى شريطه المرئى ذاك أن الله تعالى هو الذى ضرب أميركا فى مواضعها الحساسة. وقال إنها مفعمة بالرعب من شمالها إلى جنوبها، ومن غربها إلى شرقها. وحمداً لله على ذلك. وفى 3 تشرين الثانى (نوفمبر) 2001 أصدر بن لادن شريطه المرئى الثانى الذى تضمن هجوماً لفظياً حاداً على الولاياتالمتحدة، وحض المسلمين على التهليل للهجمات. «لكنه لم يقر فى أى حال بتورطه فى تلك الفظائع». ويقول جريفين إن بن لادن التزم الصمت بعد ذلك التاريخ إلى ان وافته المنية فى 13 كانون الأول 2001. بيد أن الإدارة الأميركية أطلقت فى اليوم نفسه شريطاً مرئياً جديداً منسوباً إلى زعيم «القاعدة» ناقض فيه كل أقواله السابقة واعترف فيه بشكل مفاجئ بأنه مشارك فى هجمات ايلول. وزعمت الإدارة أن القوات الأميركية عثرت على الشريط فى غارة دهمت فيها منزلاً فى مدينة جلال أباد. وادعت أن ورقة ألصقت بالشريط تفيد بأنه سجل فى 9 تشرين الثانى (نوفمبر) 2001. ويظهر بن لادن «المزعوم» فى ذلك الشريط وهو يحادث شيخاً مسنّاً زائراً ويقول له إنه لم يكن يعرف فحسب بفظائع ايلول مسبقاً، بل خطط بمفرده تفاصيلها الدقيقة. وفى اليوم التالى صدرت صحيفة «واشنطن بوست» لتكتب ان الشريط المذكور «يقدم أكثر الأدلة إقناعاً بوجود صلة بين بن لادن وهجمات ايلول». وأدلى بوش فى اليوم نفسه بتصريح قال فيه: «لكل هؤلاء الذين شاهدوا هذا الشريط سيتضح أنه ليس مذنباً فحسب بعمليات القتل التى لا يمكن تصديقها، بل إنه شخص بلا ضمير ولا روح». وفى لندن، قال مكتب رئيس الحكومة البريطانية «إن الشريط دليل قاطع على تورطه». وقال وزير الخارجية آنذاك جاك سترو: «ليس هناك شك فى ان هذا الشريط أصلي. يمكن الناس ان يروا بن لادن يدلى بتلك الاعترافات عن ذنبه فى تدبير الفظائع التى ارتكبت فى 11 ايلول». ويقول جريفين إن ذلك الشريط «الافتراضي» يثير أسئلة أكثر مما يقدم أجوبة، ويبدأ بأن شهادة بن لادن فى هذا الشريط تختلف كلياً عن شهاداته السابقة. كما أن هيئته تختلف تماماً عن بن لادن المعروف. يبدو فى الشريط المشار إليه أشد بدانة، وتبدو لحيته سوداء ولا يغلب عليها الشيب. وتحول لون بشرته الشاحب إلى داكن. كما انه اكتسب بقدرة قادر «أنفاً» جديداً. وبدا أطيب صحة. بل إن بن لادن ظهر فى هذا الشريط وهو يكتب مذكرة بيده اليمنى، مع ان المعروف عنه انه «أعسر». وأضاف جريفين أن بن لادن الظاهر فى الشريط يطلق تصريحات عن 11 ايلول لا يمكن أن يدلى بها بن لادن الحقيقى الذى يحمل درجة جامعية فى الهندسة المدنية، والذى كوّن ثروته من العمل فى الإنشاءات فى منطقة الشرق الأوسط. ويورد مثالاً لذلك قول بن لادن إن الهجمات أسفرت عن مقتل عدد من الأشخاص أكبر مما كان يتوقع. ويضيف: «نظراً إلى خبرتى فى هذا الحقل كنت أعتقد بأن انفجار خزان وقود الطائرة سيذيب الهيكل الحديدى للمبنى فيها، الجزء الذى اصطدمت به الطائرة والطوابق التى تعلوه فقط. ذلك هو كل ما كنا نأمل فيه». وذكر جريفين ان بن لادن الحقيقى لا يمكن ان يقول مثل هذا، لأنه بصفته مقاولاً يدرك ان برجى مركز التجارة العالميين فى نيويورك تم إنشاء هيكليهما من الصلب وليس من الحديد. وزاد: «لا بد من انه يعرف جيداً ان الصلب والحديد لا يبدآن الانصهار إلا بعد تعرضهما لحرارة تصل إلى 1800 درجة فهرنايت». ويلاحظ جريفين، فى معرض تمسكه بأن كل التسجيلات التى بثت باعتبارها صادرة عن بن لادن بعد العام 2001 مزيفة، أن تلك التسجيلات كانت تظهر فى أوقات تستهدف تعزيز رئاسة بوش أو تعزيز صدقية ادعاءات حليفها الرئيسى فى الحرب على الإرهاب، وهو رئيس وزراء بريطانيا السابق تونى بلير. وزاد ان «شريط الاعتراف» ظهر تحديداً بعدما عجز بوش وبلير عن إثبات مسؤولية بن لادن عن هجمات 2001، فيما كانا يسعيان سعياً دؤوباً للفوز بتأييد العالم الإسلامى فى حملتهما المناوئة لما يمسيانه «الإرهاب الإسلامي». وأشار جريفين إلى أن الحكومات الغربية تستخدم تكنولوجيا متقدمة للغاية فى المؤثرات الفيلمية لدمج الصور والصوت من التسجيلات السابقة لبن لادن. وبالطبع، فإن كثيرين ممن لم تعجبهم «نظرية المؤامرة» التى يقول بها جريفين تساءلوا: لماذا لاذت «القاعدة» بالصمت حيال ذلك «الانتحال»؟ وماذا حدث حقاً لبن لادن «الحقيقي»؟ تقول صحيفة «ديلى ميل» البريطانية رداً على السؤال الأول إن «القاعدة» ربما آثرت الصمت لأنها كانت تريد بأى طريقة كسب معركتها الإعلامية فى وجه التأييد المنحسر لتنظيمها وأنها بحساباتها ستربح أكثر مما تخسر حين يسود لدى العامة اعتقاد بأن زعيمها ذا «الكاريزما» لا يزال حياً يرزق، وهو ما من شأنه زيادة معدلات الاستقطاب والتجنيد. أما بالنسبة إلى السؤال المتعلق بما حدث لبن لادن، فإن ما تردد عن إصابته بالفشل الكلوى ووفاته، شاع أول الأمر فى 19 كانون الثانى 2002، أى بعد أربعة أشهر فحسب من وقوع هجمات نيويوركوواشنطن. إذ إن الرئيس الباكستانى السابق برويز مشرف أدلى بمقابلة لشبكة «سى أن أن» الأميركية فى ذلك التاريخ (19-1-2002)، قال فيها: «أعتقد صراحة الآن انه (بن لادن) مات بسبب كونه مريضاً بالفشل الكلوي. إن صوره تدل على انه ضعيف للغاية». ويذهب جريفين إلى ان بن لادن عولج من التهاب فى المسالك البولية يرتبط عادة بمرض الفشل الكلوى فى المستشفى الأميركى فى دبي، فى تموز (يوليو) 2001، أى قبل نحو شهرين من وقوع هجمات ايلول. واشترى أثناء فترة معالجته جهازاً متحركاً لغسل الكلى على ان يسلم الجهاز إليه فى أفغانستان. وينسب جريفين فى كتابه، إلى عدد من الأطباء المختصين أن من المستحيل ان يكون بن لادن قد تمكن من استخدام ذلك الجهاز فى تلك الظروف القاسية: هروب وقصف وثلوج لا تنقطع وعدم وجود تيار كهربائي. فهو كان بحاجة إلى البقاء فى مكان مستقر بصحبة عدد من الأطباء والممرضين، وفى ظروف تمنع التلوث بالجراثيم، فضلاً عن ان جهاز غسل الكلى يحتاج إلى برنامج منتظم لصيانته وتنظيفه. ولا ينسى جريفين ان يشير إلى ان صحيفة «الوفد» المصرية نشرت فى 26 كانون الأول (ديسمبر) 2001 أن مسؤولاً رفيعاً فى حركة «طالبان» الأفغانية أعلن ان اسامة بن لادن دفن فى 13 كانون الأول. وجاء فى النبأ أنه عانى تعقيدات خطيرة ومات موتاً طبيعياً هادئاً، ودفن فى تورا بورا بالقرب من الأموات من أفراد عائلته وأصدقائه من حركة «طالبان». وأضاف النبأ أنه طبقاً للتقاليد السلفية لم يوضع أى شاهد على قبره. ونسبت الصحيفة إلى مسؤول الحركة الذى أدلى بالمعلومات قوله إنه فتح الكفن ونظر إلى بن لادن مسجى «فبدا شاحباً، لكنه هادئ، ومرتخٍ، وراضٍ». وقال جريفين إن نشر ذلك الخبر صادف مقدم أعياد الميلاد فى واشنطنولندن، ولذلك لم يلتفت إليه أحد. «ومنذ ذلك الوقت ظلت شرائط بن لادن تصدر بانتظام مثل حركة عقارب الساعة، فيما تنفق ملايين الدولارات ويراق أكبر قدر من الدماء فى مطاردته.