هذه الظاهرة مرشحة لأن تتحول إلى أزمة سوف تخلقها ظروف المجتمع فى الفترة القادمة. والذى يحدث أن بعض الأسر المحرومة من الإنجاب ويتشوق فيها الزوج أو الزوجة لإشباع غريزة الأبوة أو الأمومة ولو من خلال طفل أو طفلة يكفلانها فى بيت الزوجية، أو الأسر التى ينجب فيها الزوج والزوجة لكنهما ينزعان لعمل الخير بكفالة طفل أو طفلة يربيانها وسط أبنائهما لا يفكران غالبا فى مستقبل الأيام عندما يكبر هذا الطفل فيصير شابا مكتمل الرجولة أو شابة متكملة الإنوثة تعيش أو يعيش بين أربعة جدران مع رجال ونساء ليسوا آباءهم أو أخوانهم. وإذا كانت الأيام السوداء تنقل لنا حواديت زنى المحارم فمن يضمن أن يبعد الشيطان عن سكانى هذه البيوت التى يعيش فيها غرباء (!!). والمسألة هنا ليست هاجس جنسى فقط كما يحلو للبعض أن يصورها، لكن هناك أيضا العبء النفسى والاجتماعى الذى يترتب على المسألة والتى نحاول أن نناقشها من كافة أبعادها. د. محمد الشحات الجندى أمين المجلس الأعلى للشئون الإسلامية قال: إن كفالة الأسرة للطفل اليتيم لا يخرجه عن كونه غريبا عن هذه الأسرة والقرآن الكريم به نص صريح يدل على ذلك فى قوله تعالى (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم).. والإسلام حرم التبنى شرعا وقصة زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زوجة زيد بن حارثة فيها تأكيد لهذا المعنى. وأوضح الجندى أن الطفل اليتيم الذى تكلفه أسرة ينبغى أن تكون له حياته المستقلة بعد سن البلوغ، ويجب على الأسرة توفير هذه الحياة له، وفى حالة العجز عن ذلك يجب إعادته إلى المؤسسة الاجتماعية التى ترعاه، لأن كفالة هذا الطفل لا تنفى أنه أجنبى وأنه يحق للسيدة التى تكلفه أن تتزوج به وهو الحال أيضا بالنسبة للفتاة. وقال الجندى من الأفضل أن نساعد الطفل اليتيم ونقدم له الرعاية المطلوبة، وهو مقيم فى المؤسسة الاجتماعية التى ترعاه، وذلك من خلال مساعدته فى إكمال تعليمه وإعادة اندماجه مرة أخرى فى المجتمع بعد إتمام سن البلوغ حتى يمكن التوفيق بين كفالة اليتيم التى يحث عليها الإسلام والحدود الدينية التى وضعها الشرع لصيانة الأعراض! بينما تقول د. آمنة نصير أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر: إن كفالة اليتيم فى المجتمع المصرى لا تزال تتخذ شكلا عشوائيا ولا تسير فى المسار السليم، والمقصود باليتيم هنا اليتيم الحقيقى فاقد والديه أو أحدهما ومجهولى النسب ومن تخلى عنهم والديهم لسبب أو لآخر. ومن ثم تجب التوعية ثقافيا داخل المجتمع المصرى بما يتلائم مع ما حث عليه الإسلام من كفالة اليتيم. وفيما يتعلق برفض البعض كفالة اليتيم فى المنازل بعد سن البلوغ بحجة أن الفتاة أصبحت عن الأب البديل أجنبية وأن الفتى أصبح أجنبيا عن الأم البديلة قالت: القيمة الإنسانية النبيلة وراء كفالة اليتيم تزيل أى مشاعر جسدية أو غريزية ولذا فإنه يجب على رجال الدين عدم الوقوف عند سياق الجسد والغرائز، فهذا تفسير ضيق واختزال يخل بالرحمة والإنسانية التى يحث عليها الإسلام وتنم عن غياب الرشد والاجتهاد الدينى المعتقل. وتقول د. آمنة نصير لمن يطالب بالتخلى عن الأيتام بعد سن البلوغ: ارحمونا يرحكم الله الطفل تربى فى حضن الأم البديلة والطفلة تربت فى حضن الأب البديل وهذه هى المشاعر الإنسانية النبيلة التى يحث على ترسيخها الإسلام فى مواضع كثيرة من الكتاب والسنة. وتضيف أن كافل اليتيم فى المنزل يجب أن يكمل دوره ويستمر فى رعايته دون الأخذ فى الاعتبار أى شىء غريزى وجسدى وأن يواصل دوره عملا بقوله (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وذلك لأن هذا الطفل فاقد لوالديه أو جاء عن طريق علاقة غير مشروعة. وتوضح د. سوسن فايد الأستاذ بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن كفالة اليتيم قائما على أسس سليمة ويستطيع مواصلة دوره حتى النهاية. وانطلاقا من ذلك فإن كافل اليتيم يستطيع الرعاية النفسية والاجتماعية والتربوية الصحيحة مما يساعد على وجود علاقة أمومة حقيقية وأبوة حقيقية تجعل العلاقة بين الطرفين علاقة سوية وفى ظل تراكم سنوات من العطاء الحقيقى والمشاعر الحقيقية فإن العلاقة أمومة وأبوة حقيقية. وترى د. سوسن أن من يقبل على هذه الخطوة من كفالة طفل يتيم فى منزله يكون عنده من الأخلاق الرفيعة والقيم الإنسانية النبيلة ما يجعله يترفع عن أى مشاعر غريزية جسدية وبخلاف ذلك فإنه عندما يبلغ الطفل سن الشباب يكون الكافل وزوجته فى سن الشيخوخة التى يحتاج فيها إلى رعاية هذا الشباب أوهذه الفتاة التى قام بكفالتها.