يُلاحظ وجود عامل مشترك بين مصر والعراق وإيران إلى ما قبل الثورات التي اندلعت في الدول الثلاث، وهو أن المصريين والعراقيين والإيرانيين كانوا ينعمون بالخير والأمن والسلام، وتردت أوضاعهم بعد أن شهدت مصر ثورة الضباط الأحرار في يوليو 1952، والعراق حركة تموز 1958، وإيران الثورة الإسلامية في عام 1979، والإطاحة بالأنظمة الملكية في البلدان الثلاثة وإعلان قيام الجمهوريات. وهناك اتفاق على نطاق واسع بين مواطني تلك الدول ممن عاصروا الأوضاع في تلك البلدان على هذا الرأي، وهذا ما يقوله ونسمعه من الذين عاصروا إيران ما قبل الثورة، حيث العهد لا يزال قريباً والشهود كثر، والقرب الجغرافي يعطي صدقية لكلامهم؛ لأنهم كانوا على تواصل مع إيران، ويطيرون إليها للعلاج والسياحة. وهو ما يُقال أيضاً في الحالة المصرية، ونحن نعرف ذلك من الانفتاح المصري على غالبية الشعوب العربية، وكثافة الهجرة المصرية ووجود الجاليات المصرية الكبيرة في الخليج، ووفرة الكتابات المصرية عن تلك الأيام. وكذلك في الحالة العراقية، وإن بشكل أقل. الرابط المشترك الآخر بين تلك الدول هو دور شعوبها في تأييد الثورات واستبدال الجمهورية بالملكية. ودور الشعب الإيراني واضح ومعروف في الثورة الخمينية، أما في الحالتين المصرية والعراقية، فإن دور الشعبين المصري والعراقي وإن لم يكن فاعلاً إلى ما قبل الثورة، باعتبار الثورتين المصرية والعراقية من صنع بضعة ضباط في الجيش، إلا أنهما ما كانتا لتصمدا لولا الدعم الشعبي وتأييد عامة الشعب وخروج الجماهير الهادرة المهللة لبيان الثورة الأول، ومشاركتها في عمليات قتل وسحل قادة النظام السابق! مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لو كان هناك مثقال ذرة من شك في قلوب الضباط بالمؤازرة الجماهيرية لثورتهم، لما فكّروا مجرد التفكير في قلب الأوضاع. بالطبع هناك عشرات الدوافع التي جعلت المصريين والعراقيين والإيرانيين يزهدون بأنظمتهم الملكية ويمهّدون للثورة، ثم يندفعون مؤيدين للثوار فور إصدار بيانهم الأول، وقيل الكثير عن تلك الدوافع والتي أصبحت مواد تدرّس، مثل انتشار الفساد، وضعف العدالة الاجتماعية، والتلاعب بمقدرات الشعب، وتجاهل مطالبه بالإصلاح، والخضوع لقوى الاستعمار... رغم أن من جاؤوا للقضاء على هذه الأوضاع خلقوا أوضاعاً أسوأ بكثير، أصبحت معها العودة إلى الأوضاع السابقة من الأحلام الوردية، لكنّ هناك سبباً لا يقل أهمية وراء حماسة الشعوب للإطاحة بالأنظمة الملكية وتأييد المنقلبين على أعقابهم. يمكن تلخيص هذا السبب في الاكتفاء المادي وعيش الوفرة، فما دام الشعب مشغولاً بتوفير قوت يومه، فإنه يعد السياسة وشؤون الحكم وما يحدث في القصر، ترفاً والخوض فيه فضولاً لا معنى له، لكن ما أن يستغني ويعيش في البحبوحة ويتحقق له أغلب ما يحلم به، حتى يملّ ويبحث عن الإثارة والتغيير والاعتراض على كل شيء وانتقاد الأوضاع، خصوصاً إذا كان بعض قادة الثورة أصلاً من الذين تبدلت أوضاعهم المادية، مع عدم إغفال دور الأنظمة الملكية في ما حل بها.