الرئيس السيسى يوجه بترسيخ مبدأ "الرأى والرأى الآخر" داخل المنظومة الإعلامية المصرية    عاجل... مصر تبدأ تصنيع صودا آش من العلمين الجديدة    سعر الجنيه الاسترلينى يرتفع بداية تعاملات اليوم الأحد 10-8-2025    شركة مياه الأقصر تقطع المياه جنوب قرية الدير بإسنا لمدة 6 ساعات.. تفاصيل    هل تحقق مصر الاكتفاء الذاتي من القمح؟    الاحتلال الإسرائيلى يعتقل أربعة فلسطينيين من محافظة نابلس    بالتنسيق مع مصر.. دخول 4565 طنا من المساعدات الإماراتية لغزة خلال أسبوعين    رسالة محمد صلاح عن بيليه فلسطين تسجل أرقامًا قياسية بمنصة "إكس"    الإمارات ترحب بإعلان التوصل إلى اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا    زلزال بقوة 3.7 ريختر يضرب عاصمة مدغشقر ويثير قلق السلطات    بث مباشر مشاهدة مباراة ليفربول وكريستال بالاس يلا شوت في كأس الدرع الخيرية    تبدأ بغرامة 100 ألف جنيه.. تعرف على عقوبة السباب الجماعى فى الدوري    إصابة 6 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الأوسطى    وزارة التضامن تنفذ 6 قوافل طبية توعوية داخل مشروعات المناطق المطورة.. صورة    بتكلفة 114 مليونا إنشاء مدرسة ثانوية صناعية متطورة ببنى عبيد    عاجل- الحكومة: افتتاح المتحف المصري الكبير في 1 نوفمبر.. حدث عالمي ينتظره العالم    تفاصيل لقاء أشرف زكى مع شعبة الإخراج بنقابة المهن التمثيلية.. صور    "الثقافة" ل"إكسترا نيوز": توزيع أكثر من نصف مليون كتاب إضافى قبل نهاية العام    الصحة: حملة "100 يوم صحة" قدّمت 38.3 مليون خدمة طبية مجانية خلال 25 يومًا    تحرير 125 مخالفة عدم الالتزام بغلق المحلات خلال 24 ساعة    موعد إجازة المولد النبوي 2025 وأبرز مظاهر الاحتفال في مصر    وزير الكهرباء يبحث زيادة التعاون مع «أميا باور» الإماراتية بمجالات الطاقة المتجددة    النصر السعودي يتعاقد مع مارتينيز مدافع برشلونة    كهرباء الإسماعيلية يتعاقد مع لاعب الزمالك السابق    شباب ولياقة.. أحمد عز يمارس التمارين والجمهور يعلق    وزير الثقافة يفتتح الدورة الثالثة لبينالي القاهرة الدولي لفنون الطفل.. الثلاثاء    مصرف أبوظبي الإسلامي مصر يقرر زيادة رأس المال إلى 15 مليار جنيه    السيسي يوافق على صرف البدل النقدي المقترح من الحكومة للصحفيين    ضبط 5488 قضية بمجال الأمن الاقتصادي خلال 24 ساعة    أمين الفتوى يوضح حكم الصلاة أو الصيام عن المتوفى غير الملتزم وطرق إيصال الثواب له    لست قادرا على الزواج ماذا افعل؟.. يسري جبر يجيب    حكم قضاء المرأة الصلاة التي بدأ نزول الحيض في أول وقتها.. المفتي السابق يوضح    ملتقى المرأة بالجامع الأزهر: تجربة المدينة المنورة في العهد النبوي نموذجا يحتذى به في جهود النهوض بالأمة    أب يجبر ابنه على الركوب داخل حقيبة السيارة لتأديبه بالشرقية    5.6 مليون خدمة.. "التأمين الصحي الشامل" تستعرض خدمات المنظومة في الأقصر    مركز كليو ألفا كيور بمستشفى النيل بدراوي يعقد أول لجنة طبية متعددة التخصصات لأورام الكبد والقنوات المرارية والبنكرياس    محافظ المنوفية يلتقي مدير التأمين الصحي الجديد.. ويشدد على تحسين جودة الخدمات    مهرجان القلعة يعود في دورته ال33.. ليالٍ موسيقية بنكهة عربية وعالمية    محاولة تفجير فاشلة.. محاكمة المتهمين في قضية «خلية المطرية الإرهابية»    إبعاد 6 أشخاص خارج البلاد لأسباب تتعلق بالصالح العام بقرارات من الداخلية    إزالة 12 حالة تعد وقطع المرافق عن غير الملتزمين بسداد أقساط التقنين بأسوان    أكثر من 2 ملياري جنيه دعما من «صندوق إعانات الطوارئ» ل 429 ألف عامل    «الصحة» تنظم 146 دورة تدريبية وورشة عمل لتطوير الكوادر التمريضية    جهود منظومة الشكاوى الحكومية في يوليو 2025 |إنفوجراف    الرد فى الصندوق لا فى الهاشتاج    مسرح الجنوب يطلق استمارة دورته العاشرة    انطلاق حملة «حياة بلا إدمان» بالمدارس ومراكز الشباب والمساجد بسيناء    عائلات المحتجزين الإسرائيليين بغزة تدعو لإضراب اقتصادي في ال17 من أغسطس الجاري    محمد صلاح يضع الأوروبيين في مأزق بعد استشهاد "بيلية فلسطين".. كيف ولماذا وأين مات؟!    وزير الري يتابع حالة المنظومة المائية بالمحافظات وموقف إيراد نهر النيل    طارق يحيى: ريبيرو يعاني في قراءة المباريات.. والزمالك حقق انطلاقة موفقة    جيش الاحتلال يعلن اعتقال 70 فلسطينيا في الضفة الغربية    حظك اليوم الأحد 10 أغسطس 2025 وتوقعات الأبراج    «أراهنكم الرابطة تعمل كده».. رسالة نارية من رئيس تحرير الأهلي بعد هجوم جماهير الزمالك ضد زيزو    الجيش اللبناني يغلق بعض المداخل المؤدية للضاحية الجنوبية    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    ريبيرو: كنا الأفضل في الشوط الثاني.. والتعادل أمام مودرن سبورت نتيجة طبيعية    بلاغ للنائب العام ضد «لوشا» بتهمة التحريض على الفسق والفجور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطائفية والوقت الضائع!- إلياس خوري- صحيفة القدس العربي
نشر في مصر الجديدة يوم 19 - 01 - 2010

الموسم في بيروت هو موسم تشكيل اللجنة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وهو موسم حافل بالكلام واللغو، لا لأن الموضوع ليس جدياً، بل لأنه جدي اكثر بكثير مما يبدو في الكلام السياسي السطحي الذي يدور على السنة السياسيين اللبنانيين. والطريف ان دعاة الغاء الطائفية يقودون احزاباً طائفية! وهذا حال السيد نبيه بري رئيس المجلس النيابي الذي يتزعم حركة امل الشيعية، وهذا ايضا حال السيد وليد جنبلاط الذي كان اول الداعمين للمشروع البرّي.
تأييد الالغاء او رفضه يبدو اشبه بسيرك سياسي، اذ لا احد يصدق احدا. فالمعارضون كالمؤيدين، يلعبون في الوقت الضائع الذي نشأ عن التوافق السوري- السعودي، وقاد الى تشكيل الحكومة اللبنانية بالطريقة التي تشكلت بها. ومفهوم الوقت الضائع بدأ مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، اي منذ خمسة وثلاثين عاما. ولأن السياسة اللبنانية لا علاقة لها بمفهوم الزمن، لأنها مبنية على التكرار، فهذا يعني ان الوطن الصغير يستطيع ان يبقى في الوقت الضائع الى ما لا نهاية.
الطريف ان معارضي المشروع البري كمؤيديه لم يطرحوا على انفسهم اي سؤال عميق، ما عدا اللازمة المملة التي يرددها البطريرك الماروني عن الغاء الطائفية من النفوس قبل النصوص.
بين النفوس والنصوص ضاعت المسألة، لأن الغاء الطائفية ليس اجراء سياسيا بل هو اجراء ثقافي وفكري بنيوي، انه جراحة عميقة تنقل المجتمع من البنى العشائرية والطائفية الى البنى المدنية والعلمانية. وهذا يقتضي حلّ جميع الاحزاب اللبنانية لأنها جميعها طائفية، ما عدا بالطبع الاحزاب العقائدية، وهي احزاب هامشية ولا وزن لها.
المسألة اذا هي مناورة طائفية، اي محاولة لاعادة انتاج النظام الطائفي تحت شعار الغائه، وهذا جزء من عبقرية السياسة اللبنانية التي ابتذلت الكلام، وقضت على المعاني.
لم يطرح اي سياسي لبناني على نفسه سؤال العلاقة بين البنية الطائفية والثقافة. هل الثقافة اللبنانية ثقافة طائفية، هل يجب ان نعيد قراءة جبران ومارون عبود وتوفيق يوسف عواد ويوسف حبشي الأشقر وسهيل ادريس وسعيد تقي الدين والى آخره... قراءة طائفية كي نفهم ادبهم، ام ان هذا الأدب لا علاقة له بأي انتماء طائفي، بل هو انتماء الى اللغة والتجربة الانسانية؟ واذا كان الأمر كذلك، فكيف تستقيم العلاقة بين مجتمع طائفي وثقافته غير الطائفية؟
لا شك اننا هنا امام مفارقة كبرى، فالثقافة العربية الحديثة تأسست في سياق بناء مشروع قومي لاطائفي على انقاض السلطنة العثمانية، وكان عنوان النهضة مأخوذا من سياق التأسيس العلماني. اي ان انهيار نظام الملل العثماني مع التنظيمات، ثم تداعي الدولة وسقوطها بعد الحرب العالمية الأولى، كانا جزءا من مقترب ثقافي وفكري سعى من جهة الى الاصلاح الديني مع الافغاني وعبده، ومن جهة ثانية الى بناء افق ثقافي جديد لا يكون الا في وصفه افقا علمانيا.
هذه السمة العلمانية التي بنيت في المرحلة التأسيسية وسمت الثقافة العربية الجديدة، التي كانت بيروت مركزها الثاني الى جانب القاهرة. وهذا ما سيجعل الثقافة اللبنانية في وضع مفارق للواقع السياسي اللبناني، الذي اعاد تأسيس نظام الملل العثماني على شكل دولة طائفية برعاية الدول الاوروبية في القرن التاسع عشر، ثم تحت الوصاية الفرنسية مع تأسيس دولة لبنان الكبير عام 1920.
لذا كانت الثقافة اللبنانية على هامش الدولة دائما ان لم تكن على عداء صريح معها او في موقف احتقاري للنظام السياسي اللبناني. وعلى الرغم من جروح الحرب الأهلية، فقد نجحت الثقافة اللبنانية في رفض المنزلق الطائفي، رغم ان رواية الحرب كانت على تماس مباشر مع واقع الحرب واشكالياتها الطائفية.
بالطبع نستطيع ان نكتشف عناصر اجتماعية تمت بصلة الى البنية الثقافية اللبنانية وتسمح للباحث بتقديم قراءات من نوع دينامية الاقليات التي شهدتها الثقافة اللبنانية في مطلع النهضة او في اعوام الحرب الأهلية، لكن هذه الدينامية تبقى جزءا من مبنى اجتماعي متحرك، ولم تسقط في المشاريع الطائفية.
مجتمع طائفي وثقافة لاطائفية، هذه هي المفارقة اللبنانية التي يجب التوقف عند دلالاتها. صحيح ان المقترب الطائفي نجح في بناء فكر سياسي في مرحلة تأسيس الدولة الوطنية وخصوصا مع ميشال شيحا، الا ان هذا الفكر لم يستطع اختراق الأدب والفن والإبداع، بل بقي في اطر ثقافة السلطة، اي في حقول محددة كالتاريخ والاسطورة، لكنه كان دائما هشا وسريع العطب.
من هنا يأتي مأزق النظام الطائفي في كونه لا يستطيع استقطاب المثقفين، وتمنعه توازناته من قمعهم في شكل جدي.
خطاب سياسي فقد بعد انهيار الحركة الوطنية كل علاقة له بالثقافة والفكر، لا يجد امامه سوى المماحكة واللعب في الوقت الضائع، واطلاق شعارات فارغة، والتهديد بالفيدرالية والى آخره..
النظام السياسي اللبناني هو الابن الشرعي لفقدان العلاقة بين الفكر والسياسة، هكذا تبتذل الطوائف الكلام، وتجعل من الدولة الطائفية ملعبا للصراعات الاقليمية. وهكذا يستعاد لبنان القديم المؤقت، لبنان الوهم والفيديو كليب والمضاربات العرقية، ويتلهى السياسيون بالغاء الطائفية في وصفها آخر صرعة للعب بالموازين الطائفية واحلال غلبة مكان اخرى، اي ان فكرة الغاء الطائفية هي غطاء لإشعال نارها من جديد!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.