من يعشق تراب مصر حقا، فليحب كل ما فيها، وإن لم يستطع فليؤمن بحق كل من فيها في الحرية والحياة، وإن لم يستطع فليكف آذاه عن إخوته في الوطن، وإن لم يستطع وكانت جيناته عدوانية فليكن آذاه خادشا وليس مميتا، وإن لم يستطع فليُعزل عن هذا الوطن. مصر بحلوها ومرها جنة الله على الأرض، قبحها زائل وجمالها سائد. مع الإقرار بأن الظلم سمة عامة والجرائم هى الشيء الطبيعي الذي نتنفسه كالماء والهواء في عهد مبارك، إلا أنني صعقت بمقتل سبعة من الإخوة المسيحيين في مدينة نجع حمادي شمال محافظة قنا في الصعيد الجواني. وياللبشاعة أن تتم هذه الجريمة مساء يوم عيد الإخوة المسيحيين عيد الميلاد المجيد 2010. سيكون للمفسريين والمحللين رأيهم، ونادرًا ما يكون موضعيا عندما تتشابك العقائد وتتماس الأديان في وطن مأزوم بنظام فاسد يحكمه. لن أخوض في التحليل والتعليل، فالجريمة تمت كما تم قبلها كثير. وأسمع رد يمطرني بوابل من الشتائم ويتهمنى في عقيدتي، ويقول أنت تحابي المسيحيين، وتنسى ما صنعوه هنا في الزاوية الحمراء وما صنعوه ويصنعوه في البلقان وأماكن عديدة. وردى ببساطة "لاتزر وازرة وزر أخرى"، وأنا لا أتحدث عن اغتيال سبعة من الإخوة المسيحين لكننى أتحدث عن الاغتيال البطيء لمصر الوطن بدم بارد، وأتساءل لمصلحة من يحدث هذا؟ وأنتظر الجواب من عاشقي الوطن ومن المؤمنين بالله وباليوم الآخر. لدي الكثير في تلك اللحظة مما يمكن أن يقال، ويبقى شىء هام يراه الأعمى أن العنف الطائفي المتبادل زاد، والجرائم ضد المسيحيين زادت بطريقة غير مقبولة، وأنا لا أبرأهم فهم يقتلون أنفسهم عندما يتصالحون مع نظام حاكم فاسد، ويباركون سياساته التى تودي بحياتهم. نقر كل المعطيات من مجتمع مأزوم وقهر وفقر وعوامل طائفية، إلا أن زيادة معدل الجريمة يعني ببساطة غياب الأمن بشقيه الوقائي والمتعقب للجناة. غياب الأمن معناه المشاركة في القتل إما بالتواطؤ أو بالتراخي لأنه لم يمنع الجريمة قبل وقوعها، ولم يأخذ الحذر من جرائم سابقة في مناطق ملتهبة، ولم يلقِ القبض على الجناة الحقيقيين. نستنتج من الأحداث أن جهاز الشرطة مهلهل وغير مؤهل لحماية المواطنين باستثناء السادة مغتصبي الوطن. وتسيب جهاز الشرطة وتهلهله في عصرنا هذا له ما يبرره.. إن كان للفساد تبرير. والبداية من عند عتبة كلية الشرطة، حيث استشرت الواسطة والمحسوبية عند الالتحاق بذات الكلية، وتجد حاليا غالبية جهاز الشرطة وصغارهم على وجه الخصوص ينتمون إلى أثرياء الطبقة الجديدة وإلى أعضاء مجلسي الشعب والشورى، وصار أيضا جهاز الشرطة قطاعا عائليا، أدى هذا الوضع إلى الاستهتار والتراخى في العمل حيث إن الضابط مسنود وسنده يحميه عند المحاسبة على خطئه. والشرطة تدير مصر كلها والصعيد بوجه خاص من المكاتب المكيفة -إلا نادرًا- ولاتذهب لموقع الجريمة إلا بعد اتمامها تماما، وبدلا من عمل التحريات وإحباط محاولات الجريمة أو الذهاب لموقع لموقع الجريمة مباشرة وبذل الجهد للقبض على الجناة، يختارون طريقا سهلا آخرًا في القبض على النساء أقارب المشتبه فيهم من منازلهن واقتيادهن لأقسام الشرطة، لإجبار ذويهم المشتبه فيهم بالحضور إلى أقسام الشرطة بدون جهد من الشرطة، وقد يكون منهم البريء. شرطة تمارس عملا ترفيهيا بالريموت كنترول، ناهيك عن تلفيق تهم السلاح والمخدرات ودفع الإتاوات. وهناك طريقة معروفة لتأكيد جدية وعمل الشرطة تتمثل في الحصول على كميات من السلاح المستخدم في موقع الجريمة، يلجأ الضباط إلى إرسال قائمة بأسماء بعض الأشخاص إلى عمدة القرية أو شيخ البلد لاستدعائهم، وإجبارهم على تسليم سلاح بمواصفات معينة معظمه آلي، وإلا فالاعتقال هو البديل الوحيد. يقوم المطلوب وأهله بشراء قطعة سلاح وتسليمها للشرطة دونما إيصال بالاستلام من القسم، وبعد ذلك تهرب نفس القطعة وتباع مرة أخرى لآخر، ويعنى هذا أن حاميها حراميها. ولايخلو الحال أحيانا من إعلان جهاز الشرطة إلقاء القبض على سلاح في جريمة ما، وهو نفس السلاح المشترى والمسلم سابقا. تلك قصة يعرفها كل من يقطن الصعيد ويعرفها كل من يعمل في الشرطة، وإن لم يكن يعلمها وزير الداخلية فتلك مصيبة وها نحن نعلمه بما يدور في جهازه. هذه الأحوال أدت إلى حالة استرخاء أعقبه تسيب في جهاز الشرطة، واستسهال في أداء الواجب إلا من التفرغ لحماية مبارك وأسرته، وتكميم أفواه المعارضة، وتعقب واعتقال الإخوان المسلمينن والزج بهم في المعتقلات، ونسوا دورهم تجاه المواطن العادي. وعندما يغيب أمن المواطن العادي يغيب الأمن عن الدولة بمفهومه الحقيقي. لكل ذلك كان لابد أن تكثر حوادث الإرهاب والقتل الجماعي للمسيحيين، ولا لوم على من يتضاءل منهم في وطنه ويشعر أنه مواطن من الدرجة العاشرة، فالتشريعات رسخت هذا المفهوم حيث أقرت وأبقت قانون التميز كوتة العمال والفلاحين بمجلس الشعب، وأعقبه كوتة للمرأة في الانتخابات البرلمانية القادمة، والحجة لدى النظام الحاكم أنه تمييز إيجابي لطرف لن تمكنه ظروف المجتمع من نيل حقوقه. وكان الأولى أن يقر كوتة للأقباط أسوة بما سبق حتى لا يشعرون بالغبن. وإذا كانت الأمور تسير بشكل المحاصصة وتقسيم الوطن بين اللصوص، فإننى أطالب بكوتة للأقباط في الانتخابات البرلمانية أسوة بكوتة المرأة، وكوتة العمال والفلاحيين، أو إلغاء كل أشكال التميز وتعديل الدستور بشكل يسمح بالتمثيل النيابي على غرار التمثيل النيابي في دولة العدو الصهيوني حماية لأمن مصر ومستقبلها. أمن المسيحيين جزء أساسي من أمن مصر، وحتى لايجد الغرب فرصة للتدخل والقلاقل علينا بإنصاف أهلنا قبل أن يأتي الطوفان. أفيقوا ياخدم.. وياعبدة النظام، واعرفوا أن مصر أكبر من حكامها وأثمن من كنوز الأرض. مراجعة جهاز الشرطة لعدد العاملين فيه ومعرفة كم نسبة المحسوبية فيه أمر ملح وعاجل، بالمناسبة كارت التوصية معترف به وجزء أساسي من الأوراق المقدمة للالتحاق بكلية الشرطة، بالإضافة إلى شهادة رسمية بالممتلكات من مال وعقارات وأطيان زراعية للمتقدم، ولا مجال الفقراء المستحقين الالتحاق طبقا لمبدأ تكافؤ الفرص الدستوري، وكأن المطلوب ضابط من الأعيان أو النبلاء ينفق على مهنته لا أن يعيش من مرتبه. علينا جميعا باسترداد مصر من مغتصبيها، والتأكيد على مبدأ تكافؤ الفرص، وإلغاء التمايز والمحسوبية. والأهم الآن محاكمة حبيب العادلى وزير الداخلية عن تلك الجرائم فهو المسئول الأول عنها، وهو الذي يعرض أمن مصر للخطر، ويساعد على إيجاد الزرائع لتدخل الغرب في شئون مصر الداخلية بحجة حماية الأقليات. إخواننا في الوطن أنتم لستم أقليات، بل شركاء وكلنا في الهم مصريون، وعلينا بمقاومة الظلم والقضاء على الفساد ودحر النظام الحاكم.