منذ تسع سنوات كنت أعمل محاضراً بكلية التربية بجامعة الملك خالد بمدينة أبها التي يمكن توصيفها بالبهية ، وكان قدومي للملكة العربية السعودية في اليوم الأول من شهر رمضان المعظم ، لذا فذكرياتي بالمملكة تعد أجمل وأمتع الذكريات حقاً ، وربما أتذكر أن قدومي للعمل بجامعة الملك خالد كان موافقاً لتنصيب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ملكاً على السعودية . وتسعفني الذاكرة بأحاديث جميلة ليست بالمملة عن سيرة طيبة للملك عبد الله من السعوديين أنفسهم وأنهم كانوا يعشقونه منذ أن كان ولياً للعهد ورئيساً للوزراء والحرس الوطني ، وكثيراً ما سمعت منهم أن الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت تعمل له ألف حساب وحساب وقتما كان ولياً للعهد بسبب مواقفه الحازمة والقوية تجاه أية ممارسات بذيئة من الكيان الأمريكي الذي لا يزال يظن أنه يمتلك مفاتيح اللعبة السياسية في الشرق الأوسط ولعله استفاق واستفاقت إدارته وأجهزة استخباراته على زلزال كبير وهو ثورات الربيع العربي منذ ثلاث سنوات. وطيلة فترة عملي بالمملكة العربية السعودية التي تعد أمتع وأخصب وأجمل سنوات الحياة حيث إنني كنت بجوار بيت الله الحرام ومسجد نبيه المصطفى ( صلوات الله عليه وسلامه ) كان الملك عبد الله بن عبد العزيز نموذجاً للحاكم الواعي بشئون حكمه ، والراعي لأمور رعيته على أكمل وأتم وجه ، ومن الإجحاف ولإنكار للجميل أن أدعي بأنني شعرت بأني وافد لبد غريب ، بل وجدت حفاوة وعشرة طيبة من إخواني السعوديين الذين يمكن وصفهم بالطيبين المتسامحين إلى أبعد الحدود . من الصعب أن استثني هذه الذكريات قبل أن أشيد بكلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله التي وجهها للعالم وليس مصر وحدها وفيها وجه ثلاث رسائل مهمة وحصرية تستحق التقدير كما يستحق منا كمصريين كل الثناء والشكر والعرفان. فالسعودية عبر تاريخها الضارب في الشرف والعزيمة والعزة لم تبخل يوماً في مساندة الشعب المصري قبل حكومته ، ومساعدة المواطن المصري قبل مؤسساته الرسمية ، وليس بغريب على المملكة العربية السعودية أن تضرب مثلاً جميلاً في المحبة والإخاء ، واليوم يعطي جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين درساً جديداً لدول المنطقة وللغرب الذي يدعي أنه يهمين على دول الشرق الأوسط ، هذا الدرس الرقيق مفاده أن الصديق الحقيقي دائماً يظهر وقت الشدة والضيق ، وأنت يا جلالة الملك لست بصديق فحسب بل أنت أخ لنا في عروبتك وإخلاصك لوطن شقيق. هذه الرسائل الثلاث يمكن اختزالها في نقاط محددة ؛ الأولى أن تدخل الولاياتالمتحدةالأمريكية في الأحداث والمجريات التي تحدث في المشهد المصري تدخل غريب ومريب يثير ويشعل الفتنة ويؤججها ، وأن هذا الظهور غير المقبول منها أمر يدعو للتعجب والاستنكار لأن مصر أدرى بشعابها وبأمور أهلها . والنقطة الثانية أو الرسالة الثانية أنه يوجه دعوة مفتوحة لكافة الدول العربية المخلصة والشقيقة للتكاتف مع الشأن المصري بحجة العروبة والإسلام والجوار والتاريخ المشترك . أما الرسالة الثالثة والأخيرة فهي أكثر رقة من رجل حكيم ، فهو يقدم كافة المساعدة والمساندة لمصر شعباً قبل حكومة ، ومواطناً قبل رئاسة ، وأنه ضد الإرهاب الذي يحدث في مصر ومع شعبها وحكومتها لدرء هذه الفتنة القائمة. وكم من محلل سياسي قام بتحديد أوجه الشبه بين موقف جلالة الملك عبد الله وبين جلالة الملك فيصل أبان حرب أكتوبر المجيدة 1973 حينما ساند مصر بالجهد والمال والعتاد والإخلاص في النية ، هكذا يكون الرجال وقت الشدة ، ومصر لم تطلب مساندة أو مساعدة لذلك فكلمته كانت خالصة محلصة راقية تليق برجل ذي تاريخ مشهود بالوضوح والكفاءة والقوة التي لا تنقضي . ولو كان خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد الله بيننا الآن في مصر لسمع وشاهد بنفسه فرحة المصريين بكلمته ، وكم ترقبوا حديثه وأدركوه وفطنوا معانيه .. لكم شكر ومحبة لا تنقطع ، ومودة واحترام يدوم ..