هناك من يهرب من بلاده لأنه يرى أنه ضاقت أحلامه وآماله خصوصا إذا كان الأمر طموحا أو رغبة بالتغيير أو ربما أقرب إلى الهوس ما يشعر به عدد كبير من الشباب تحديدا حين يفكرون بالهجرة إما للعمل أو للدراسة أو حتى للحصول على ضمان اجتماعي آخر وتحقيق نجاح لم يعد بالنسبة إليهم قائما في أوطانهم. وقد يكون التفكير ب "الهجرة" مرتبطا بعوامل اجتماعية واقتصادية أو ربما سياسية أحيانا لكن من المفروغ منه أن نتائج الهجرة ذات آثار سلبية وأخرى إيجابية على المجتمعات. تجارب الشباب عمرو أحمد - تركزت أحلامه على الهجرة بكل ما تحمله من معان معتبرا أن من الصعوبة الانسجام مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المحلية خصوصا وأنه يحمل شهادة جامعية وكان يتوق إلى أن يكون منتجا في وطنه لكن ما عاد بيده حيلة. على أن الترتيبات والتجهيزات لمعاملات الهجرة تتطلب وقتا طويلا في ظل أوضع البلد الحالية وأنه تخرج منذ ثلاثة أعوام وما يزال يجاهد في تأمين وظيفة تجعله يعدل عن قراره لا سيما في ظل هيمنة بطالة تصل نسبتها إلى 25 % . ويقول –عمرو- "لم يكن أهلي على ثقة بقراري لكن بعد تلمسهم لوضعي ووضع الخريجين من أقراني عن كثب أصبحوا من أكثر الداعمين لي للهجرة والدراسة والعمل إضافة إلى أنني أشعر بفقدان تواصلي مع المجتمع المحيط نظرا لسوء الاوضاع - السياسية ، الاقتصادية ، والاجتماعية". أما "الإخفاق" فهو أمر وارد بالنسبة له غير أن ما يخفف عنه من هذا الإحساس أن أسوأ الظروف التي يمكن أن يجابهها في الغربة ربما تكون أفضل من أن يظل خريجا بشهادة لا يلتفت إليها أحد من أصحاب المؤسسات الرسمية والخاصة بحجة أنه "بلا خبرة". أما محمد - بعد ان أنهى دراسته الجامعية قبل نحو 5 سنوات وعمل على مدى سنتين يعمل فى وظائف هامشية لكنه لم يستطع توفير دخل يكفيه لبناء حياة مستقرة ما حدا به إلى الهجرة. ويقول وعلى الرغم من شهادته الجامعية لكنه فضل التقدم إلى مكاتب الهجرة للحصول على فرصة عمل وهو اليوم كل يوم يذهب إلى مكاتب الخاصة بالهجرة حتى تتيح له الفرصة حتى يوفر مبلغا يلبى من خلاله بعض التزاماته الاجتماعية لذويه للزواج والاستقرار. ويعترف أن فكرة الهجرة كلفته كثيرا من المال لكنه في المقابل يؤكد أن وضعه المادي وادخاره للمال سوف يهون عليه الأمر مؤكدا أنه ليس بالضرورة لكل من هاجر أن يكون قادرا على تحقيق ما يريده بل يجب أن يضع المهاجر هدفه نصب عينيه معربا عن أمله أن تتاح فرصة العمل المثلى لطلبة الجامعات والخريجين الذين يفكرون بالذهاب إلى دول الخارج سواء أكانت عربية أو غربية. ويؤكد - هانى - أن هجرة المواطنين من أوطانهم هي قضية قديمة ومستمرة ولها جانب إيجابي يتمثل بأنها تعد أحد المصادر المهمة للدخل القومي من خلال تحويل الأموال للوطن أن هوس الشباب بالهجرة يعود للظروف الاقتصادية السائدة التي لا تتيح لهذا الكم الهائل من الخريجين فرص عمل حقيقية تؤمن لهم مصدر راحة ودخلا كافيا. ويقول - يعتبر العدد الأكبر من الشباب أن فرص العمل المتوفرة هامشية ومحدودة ما يجعلهم يقارنون أنفسهم بالشاب المغترب أو العامل في الخارج فيدفعهم ذلك إلى التفكير الجدي بالهجرة، والسعي إليها. غير أن النجاح لا يحالف جميع المهاجرينلكن الشباب يقلدون بعضهم البعض إضافة إلى شعور دائم يتملكهم قوامه أن تحقيق الطموح وطرح الأفكار الخلاقة لا مكان لهما في وطنهم. وتسهم "الهجرة"، التي تروج لها الكثير من المكاتب سواء للدراسة أو العمل في خسارة الوطن الأم للعقول المهاجرة وخريجي الجامعات الذين كان يمكن استثمارهم لإثراء الإنتاج المحلي ما يقلل فرص النمو الاقتصادي ويقلص من إيجاد مشاريع مثمرة. فالواسطة وهضم حقوق الآخرين وغياب العدالة في إشغال الوظائف كلها أسباب تدفع جديا إلى التفكير بالهجرة وهي من المشاكل الاجتماعية التي تحتاج إلى إعادة تطوير وتغيير في مقاربة الأمور من قبل المؤسسات الرسمية والخاصة. رأى علم النفس تؤكد اختصاصية علم النفس- د.منى رضا - أن ربط الهجرة بعوامل نفسية هو أمر وارد إذ إن كثرة الضغوطات وانتشار البطالة والفقر تعد من العوامل الأساسية للتفكير بالهجرة. وتلفت إلى أهمية الحذر من أن يصبح التفكير بالهجرة "هوسا"، خصوصا لدى الشباب لأن النجاح غير مرتبط بمقياس السرعة وجمع المال بفترات أقل بل ينبغي أن يبنى الأمر على قواعد وأسس مدروسة. ومن ضمن الأسباب النفسية المتراكمة تخوف الكثير من الناس حيال المستقبل وإزاء ضمانهم الاجتماعي والصحي، ما يجعلهم يبحثون عن بلد آخر يضمن لهم حقا قد يكون متوفرا لديهم في بلدهم لكنهم يفضلون الحصول على الاثنين معا. وحول الحلول التي قد تخفف من هوس التفكير بالهجرة لدى الشباب أن عليهم أن يركزوا على فكرة أن النجاح لا يرتبط بالسرعة ولا ببقعة ومكان معينين لأن القادر على النجاح في الخارج يستطيع أن ينجح في وطنه أيضا. وتشدد على ضرورة أن تعمل الجهات الرسمية والخاصة على خلق استتثمارات حقيقية لتوظيف الخبرات الوطنية إضافة إلى ضرورة الاستفادة من الخريجين عبر إشغالهم بالبحوث في المؤسسات والجامعات وغيرها من الشركات الخاصة بهدف إيجاد حل حقيقي لهم يمنعهم من التفكير بالهجرة. وترى أن من شأن ذلك أن يزيد من فرص الشباب لدعم أفكارهم وطموحاتهم داخل أوطانهم ويدفعهم إلى إيجاد مشاريع ناجحة تسهم في تعزيز الإنتاج المحلي فضلا عن ضرورة تغيير نظرة المجتمع حيال أي مهنة بالنسبة للشباب وتشجيعهم على الانخراط في جميع القطاعات.