.. لم يكن أحد من جميع الأطراف المنتظرة للثورة متأكد من وجود حشد .. وكانوا يعتبرونه مجرد يوماً لتحريك المياه الراكدة.. وكانت المفاجأة .. هناك حشد فعلي .. ها قد بدا أنه لابد يبدأ الجميع في العمل ويضع بسرعة رؤيته .. - أمريكا بدت قلقة بخروج الشارع بهذا الحجم في أول مرة .. ليس هذا المقصود .. إنها تستشعر بالخطر أن يخرج الشارع ولا يعود .. فجاءت تصريحاتها متسرعة لدعم النظام .. في البداية .. فهي ما زالت لا تعرف ما يحدث على الأرض ..ولا تعرف قوته .. وما هي جهته .. كانت متصورة أن الحشد سيأتي من الإخوان وليس مواطنين عاديين وشباب يهدد الخطة كلها بالانهيار .. فكان عليها أن تترقب وبحرص خوفاً أن تتحول لثورة حقيقية فجأة .. وليس كما كان متفق عليه .. أنها مجرد حركة بسيطة للشارع يتم البناء عليها وصول لانضمام الإخوان في المرحلة الحاسمة التي يتم اختيارها مع مجريات الأحداث .. ويتم التموضع حول السقف الذي لا يجعل الشارع هو صاحب القرار - الإخوان ( الطابور الخامس ) .. يتماشوا مع نفس مبدأ الأمريكان .. لابد أن يتحسسوا طريقهم ولا يمكن أن يدعوا الشارع هو ما يقرر المصير .. فهم سبق وأن أكدوا أنهم غير مشتركين في المظاهرات .. فكيف لو سبق الشارع قبل أن يصل الإخوان في المحطة المطلوبة .. فأمريكا ستدعم مبارك .. لو أن الشارع صاحب القرار حتى لو أباد الشعب كله .. وهذا ما وضعه الإخوان في الاعتبار .. لا يجب أن يكون للشارع قرار .. ولابد أن نتعاون مع النظام بدرجة ما لكبح جماح الشارع حتى نصل في النقطة اللازمة ولابد أن نعرف في أي منطقة يمكن الدخول . - الجيش .. وهو أهم طرف في المعادلة .. والذي يوجد فيه الخلايا النائمة ..وفي ذات الوقت هو الأكثر قرباً من المخابرات .. التي لديها من المعلومات الهامة .. فأصبحا شريكان .. في تأمين أنفسهم بقدر المستطاع .. فوجدوا أنهما لا مصلحة لهم في الوقوف أمام الثورة بل استعجالها أفضل .. وقد يكون في هذا الإسراع إرباك لجميع الأطراف .. بما فيهم الطابور الخامس .. فعليهم أن يعيشوا هذه المرحلة بكل ما فيها من مشاكل .. واتخذوا من خطة عمر سليمان (خطة العبور) ركيزة .. يلجئون لها على حسب الظروف والأحوال .. - أمن الدولة .. الذي كان متحكماً بكل مقاليد الأمور .. وكانت الاعتقالات ورصد أجهزة التصنت للاتصالات وبدت الأمور أنه لابد من القبض على من له صلة بعملية التخابر وبدأت الاعتقالات .. ولكن غفلوا أن الموضوع تعدى هذا بكثير فقد بدأ الإعداد للحرب الإلكترونية من يوم 25 يناير .. وحشد قدرات الإخوان وحماس جميعها .. لقد سبق السيف العزل .. وخصوصاً أن الشارع بدا أنه لا يتراجع .. مع تفوق إعلامي شديد لقناة الجزيرة التي أدارت المعركة على الهواء بطريقة مباريات كرة القدم .. بدت الأمور مرتبكة في البداية وغير واضحة والجميع بدأوا العمل بالخطة الأساسية المتفق عليها وبدأت الاتصالات بين أطراف التخابر .. ما قبل 25 يناير حتى 27 يناير لترتيب الأمور ..قبل وصول الشارع لمحطة لا يمكن أن يلحق الإخوان بها ونزلوا الإخوان وكل شيء جاهز بخرائط للميدان .. كل شيء معد سلفاً .. وجاء يوم الغضب الذي تم كالفيلم السينمائي الذي تم تصويره بعناية ..الجميع تفوقوا على أنفسهم .. في إخراج الفيلم بأحسن صورة ومهما طال الحديث عن هذا اليوم فلن ينتهي ..ولكن نضع الضوء .. على الحرب الإلكترونية الخفية التي ساهمت في سقوط الذراع الأول.. من أذرع النظام .. فلابد أن يبدو كل شيء منطقياً. وبدأت في يوم 28 الحرب الإلكترونية .. من منطقة في المغرب .. تابعة لأحد دول التخابر من أجل تشويش الأوامر بين القيادات والأفراد بجهاز الشرطة .. وبمعالجة أصوات القيادات والميدان بحيث أصبح عليك إذا كنت تريد أن تحكم في قضية قتل المتظاهرين لابد أن تكشف كل هذه الأوراق المخفاة .. حيث أصبحت الأوامر مشوشة وغير مطابقة للواقع .. مما ترتب عنه حالة ارتباك على الأرض رغم ضخامة حجم القوات .. وجاءت موقعة كوبري قصر النيل .. حداً فاصلاً لفتح الطريق للميدان .. ونجحت الخطة للوصول وجاءت الأوامر المشوشة للتفريغ الأمني .. الذي لا أحد يعلم مصدرها ولا من قام بفتح السجون .. فلا أحد سيكون قادراً من حسم هذا الملف فهناك دولة عظمى كانت وراء الحرب الإلكترونية وطابوراً خامساً وراء إشاعة الفوضى والخوف في كل مكان .. وكأنه بالفوضى يظن للناس أنها صناعة النظام .. وهذا هو المطلوب مع جعل هروب المساجين منطقياً وبديهياً في حال فشل الثورة من جهة .. ومن جهة أخرى .. لا يجب أن يحسم الشارع أمره .. فلابد من مزيد من الدماء ... فهناك معركة سياسية لابد أن يظهر فيها الإخوان .. فلا يجب أن يملك الشارع أمره ويضع قيادته .. فلابد أن يظل مشتتاً وهنا يظهر في الأفق .. الجيش الذي سبق وأن كان مستعداً هو الآخر .. ليس لمساندة النظام .. ولكن لإدارة المرحلة .. ومسايرة الطابور الخامس .. فلا سبيل لإقناع أمريكا بالعدول عن تغيير النظام فهناك متطلبات تفرضها الأمور .. ولكن لا يمكن أن يرحل الجيش ويصبح مجرد متفرج .. فهو لابد أن يكون حاضراً .. فكان عليه أن يكون جاهزاً لهذه اللحظة .. ولكن كان هناك محاولة لإرباك الجيش بالتفريغ الأمني المفاجئ .. لعله يخرج من المعادلة .. إلا أنه بدا .. مصمماً على إكمال الانتشار .. ولكن هذا كان يسبب بطء في الحركة .. فقد اختفت الشرطة من كل مكان .. وأصبح كل خطوة للجيش .. هي خطوة لشيء مجهول .. فما كان هناك بديلاً عن اللجان الشعبية .. وكما قلنا .. على عناصر الإخوان إثارة الرعب في كل مكان ..فأمريكا بدت خائفة من لحاق الشارع كله بالثورة .. فعلى أكبر كم من الشعب العودة للبيوت خوفاً حتى يبدأ الإخوان في الظهور .. وليس كما يظن البعض أن الفوضى فعل النظام .. فكان قول مبارك إما أنا أو الفوضى ليس موجهاً للداخل فقط ولكن للخارج أيضاً .. للدول التي تخاف من الفوضى .. ولكنه لم يكن يستوعب .. أن الفوضى هي الأساس الذي سيفرق ويشتت الشعب ويجعله عجينة يمكن تشكيلها على حسب المطلوب .. فالنظام متهاوي من قبل الثورة ولم يكن فيه غير ذراع أمني .. فالنظام ..كُسرت ذراعه الأمني في يوم 28 يناير .. وإعلام بدا مرتبكاً ولا يعلم من سيهاجم ..فبدا متخبطاً ولكنه يأتي ثماره مع البسطاء وكأنه دون أن يدري يخدم الإخوان