استكمالا للمقال الذي نشرته في الأسبوع الماضي عن قمة كوبنهاجن للتغير المناخي تحت عنوان »انتحار الجنس البشري« يتواصل الصراع والخلاف بين الدول الغنية المتقدمة والدول الفقيرة النامية في ظل تعاظم التمسك بالأنانية وخدمة المصالح القائمة علي مبدأ أنا ومن بعدي الطوفان واستمرارها علي ساحة العلاقات الدولية . يعود هذا التوتر والشعور بعدم الثقة المتبادلة الي الآونة التي كانت فيها هذه الدول الغنية مُستعمرة للدول الفقيرة تنهب ثرواتها الطبيعية لتصنع من عائد هذا النشاط مزيدا من تقدمها ورفاهية شعوبها. وبعد انتهاء حقبة الاستنزاف الاقتصادي الذي استثمرته هذه الدول الاستعمارية لضمان تقدمها لجأت الي استغلال الطبيعة باستخدام الالات والممارسات التي قادت الي طريق الخلل الطبيعي التي فتحت الباب امام تفاقم الاخطار والكوارث التي تهدد الكرة الارضية وحياة ومستقبل البشرية. هذا الصراع مستمر في مؤتمر كوبنهاجن الدولي الذي يستهدف انقاذ الارض من خلال معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري الذي يؤدي الي ارتفاع درجة حرارة الارض نتيجة الانبعاثات الغازية الصناعية التي تقذف بها المشروعات التي أقامتها الدول الكبري الي الفضاء . هذه الدول الغنية تري في هذه المشروعات ركيزة اساسية للازدهار الاقتصادي والرخاء الاجتماعي. المناقشات أوضحت أن نفس هذه الدول المتقدمة تسعي الي تحميل جانب من اعباء معالجة الاحتباس الحراري للدول الفقيرة النامية بما يتناقض وامكاناتها المادية وتطلعاتها الي حياة كريمة رغم ان مساهمتها في تفاقم المشكلة التي تعاني منها الطبيعة التي خلقها الله لا تتعدي ال5٪. وادراكا لهذه الحقيقة وافقت دول الاتحاد الاوربي علي تقديم مساعدات ومعونات وحوافز لهذه الدول الفقيرة في حدود 7 مليارات يورو »75 مليار جنيه مصري« لمساعدتها في معالجة تداعيات الاحتباس الحراري ولكنها وضعت العراقيل امام تنفيذ هذا الوعد من خلال الشروط الصعبة. واذا كانت وفود دول العالم ال291 لم تتمكن من التوصل الي توافق دولي حول سبل معالجة هذه الكارثة فإن الامل معقود علي اجتماع القمة التي سيبدأ غدا وحتي يوم الجمعة القادم . تحقيق هذا الحلم يمكن أن يبدد تشاؤم وتوتر العالم وفقا للابحاث والدراسات التي تحذر من المصير المظلم للكرة الارضية اذا ما استمر هذا العدوان المتواصل علي مقومات الطبيعة. ويتركز الخلاف حاليا حول نسبة خفض الانبعاثات التي تتحمل مسئوليتها الدول الغنية والدول الفقيرة والتي يمكن ان تتضمنها اتفاقية كوبنهاجن المستهدفة بديلا لاتفاقية كيوتو. وتري الدول النامية أن المساعدات التي تقدمها الدول الغنية لتحفيز تقليل الدول الفقيرة لانبعاثاتها الحرارية غير كافية . إنها تستند في موقفها الي الضغوط الشعبية التي تتعاظم داخل الدول الغنية مطالبة بمزيد من الجهد والمال من أجل التصدي لكارثة الخلل المناخي. لا يقتصر الخلاف علي الدول الغنية والفقيرة وانما شمل ايضا اعضاء معسكر الدول الغنية المتقدمة صناعيا وهو ما تجسد في الاتهامات المتبادلة بين الولاياتالمتحدة والصين بشأن نسبة خفض الانبعاثات الحرارية التي يؤدي استمرارها الي ارتفاع مياه البحر وتعرض العالم للكوارث الطبيعية التي تودي بحياة مئات الملايين من البشر. ان كل ما كشفت عنه المناقشات والمناورات والتصريحات يؤكد ان عدم التوصل الي اتفاق يحكم السلوك البيئي لبعض دول العالم سوف يقود العالم الي التهلكة.. وربنا يستر.