غمرتنى نشوة عارمة و أنا أطير بقوة القصور الذاتى بين جموع النساء الغفيرة اللاتى شحذن هممهن و توحدت صفوفهن و مضين قدما نحو الهدف. و عدت بالذاكرة للوراء وشعرت أن ما أنا فيه اليوم لا يقل روعة عن الحركات الثورية النسائية التى كللت هامة تاريخنا فى القرون الماضية. و علت أصوات الهاتفات مدوية: “آه يا رجلى” و “فتحى عنيكى يا حولة”! و حينما إستطاعت حشودنا الثائرة ركوب عربة مترو الأنفاق بمعجزة لا تقل عن معجرة عبور خط بارليف شعرت بالزهو و الفخار يملؤنى. و حينما دهست قدمى عشرات المرات بوحشية و انحشرت نظارتى الشمسية فى عينى لم أبالى! و كيف أبالى و قد كنت ضمن القلة المختارة التى نالت شرف ركوب عربة المترو؟! لكن سرعان ما تبددت سعادتى ما بين الأخت المنقبة التى تفرض دعاء الركوب على الجميع بما فيهن غير المسلمات بصوت آلى أجش, و بين الأخت الموقرة “سنية مسخرة” التى كانت تناجى “البوى فريند” على المحمول بصوت “مسرسع”! فجأة شعرت أنى نغمة نشاز وسط هذه النخبة لإنى لست منقبة و ليس لى “بوى فريند”! كيف يمكن أن أتكيف مع الواقع؟ ماذا افعل كى تقبلنى حركة التضامن النسائى؟
لم يعد هناك أى أمل فقد حانت ساعة الصفر و جاءت محطتى. وكان على أن أشق طريقى و سط الأجساد المتلاحمة دون قطرة دم واحدة! و حينما وصلت لباب الخروج بأعجوبة, عاقت طريقى أخت فاضلة تريد أن تصعد قبل أن أنزل. فلما قلت لها:”بعد إذنك عايزة أنزل”, صرخت فى و جهى قائلة:”متنزلى يا ختى!!” دون أن تتحرك خطوة واحدة! لكن “شلوت” رقيق من الخلف كان كفيل أن يطيحنى خارج العربة و لله الحمد من قبل و من بعد.
وقفت أتنفس الصعداء و الحيرة تغمرنى و سؤال واحد ظل يطاردنى و لم أجد له جواب حتى الآن: هما ليه البنات بيتزرزروا فى مترو الأنفاق مع إن كلنا بنات فى قلب بعض و أهى عظة ليوم الحشر؟!