لاشك أن تنظيم مسيرة المطالبة بالحقوق الأمازيغية "ثيشري / تاوادا" لأول مرة في تاريخ الحراك الاحتجاجي في صيغتها الأمازيغية بكل من مدينة الحسيمة بالريف الكبير، تامسنا (الرباط)، وأكادير، يوم 03 فبراير، كمسيرة جهوية، تشكل أرقى تطور لمسار النقاش العمومي بخصوص قضايا الشأن الأمازيغي بالمغرب بخصوصياته المناطقية. إذ لا يمكن استيعاب العمق النظري لحركية احتجاجية وتيارات داخلها استيعابا واضحا يرقى إلى مستوى المبدأ دون إعادة تشكيل مختلف اللحظات المفصلية في مسيرة الوعي الأمازيغي بالمقاربة الجهوية لقضايا الشأن الأمازيغي وغيرها بالمغرب. وهي اللحظات / المحطات التي شكلت الانطلاقة العملية لمنطق المقاربة الجهوية لقضايا الشأن الأمازيغي ببلاد ثامزغا انطلاقا من الخاص إلى العام لتحقيق رهان إيمازيغن "ثامزغا الأوطونوميات"، إذ أن المنطق الوحدوي الذي طغى كثيرا على ممارسة إيمازيغن بالمغرب، ظل عاجزا عن الاستجابة لمختلف تطلعات إيمازيغن التي تختلف باختلافاتهم المناطقية (مثلا مطالب إريفيان لم تكن مطروحة في النضال الأمازيغي الوحدوي بما في ذلك تاوادا الوطنية)، وبالتالي ظل الهاجس الوحدوي الطاغي على فكر إيمازيغن بالمغرب لا يسير إلا في اتجاه إعادة إنتاج نفس ثوابت الحكم المركزي. إن رهان / تطلع إيمازيغن ببلاد ثامزغا لا يمكن تحقيقه، ولا حتى خطو أولى الخطوات في طريق ذلك بنفس الآليات التي كانت السبب الرئيسي في ما تعيشه الجهات التاريخية الكبرى لبلاد "ثامزغا" حاليا في ظل أنظمة سياسية مركزية، شديدة التمركز بهذه العاصمة أو تلك، وهي بالمحصلة "أشكال من الحكم" موروثة عن نموذج اليعقوبية الفرنسية، أنتجت الكثير من الأعطاب للجهات التاريخية الكبرى ببلاد "ثامزغا"، ول "ثامزغا" ككل، فبالإضافة إلى الأعطاب الدستورية/ المؤسساتية، أنتج الحكم المركزي أعطاب اقتصادية/ اجتماعية، وإيديولوجية/ ثقافية وتربوية، أدت إلى نتائج كارثية، عنوانها الأساس: "محدودية الإرادة في إطلاق صيرورة انتقال ديمقراطي حداثي حقيقي"، واستمرار التخبط في عدة ازدواجيات دالة على تلك المفارقة الكاشفة بين الخطاب والممارسة، واحتكار الشرعية والمشروعية في ظل منظومة مبنية على التوجس وعدم الاعتراف بالركن الأساس للديمقراطية: "الإرادة الشعبية"، وترسيخ نظام للارتقاء الاجتماعي قائم على هيمنة البعد الريعي على حساب البعد الانتاجي، وبعد القوى والغلبة على بعد الحق، وبعد الانتفاع على بعد العمل، وبعد الولاء / الزبونية / المحسوبية على بعد الاستحقاق / الكفاءة / الجدارة. هذا النظام الريعي الذي ينخر في الجسد الأمازيغي ببلاد "ثامزغا" لا يشمل الجاني الاقتصادي (الثروة) فحسب، بل يهم السلطة أيضا سواء في شقها الدولتي العام، أو في أنساقها المدنية والسياسية الخارج دولتية (أحزاب، جمعيات...)، وهذا الثالوث المؤشر له سياسيا وإيديولوجيا واجتماعيا / اقتصاديا، هو مربط الإعاقة التاريخية ل "ثامزغا" في وجه أي مشروع حداثي ديمقراطي، والاشتغال على "تفكيك" هذه البنية عبر "أوطونوميات أمازيغية" تنطلق من الخاص إلى العام عملا بمبدأ خصوصية الكوني، وكونية الخصوصي، هو المحدد لمدى استيعاب تغيرات الشرط الدولي، وتطلعات "إيمازيغن" من جهة، ومدى إرادة الانخراط في المشروع الحداثي الديمقراطي ل "ثامزغا" المتعددة الأوطان من جهة ثانية. ولعل ثيشري / تاوادا إيمازيغن المزمع تنظيمها يوم 03 فبراير بثلاث مناطق مراكشية، تشكل أرقى تعبير أمازيغي عن تطلع إيمازيغن ببلاد ثامزغا، الذي هو "ثامزغا الأوطونوميات" وتجاوز الإعاقة التاريخية التي أنتجتها القوى السياسية التقليدية وامتدادها في المجالات الأخرى بما فيها المشهد الأمازيغي. وهي الإعاقة التي ظلت تعيد إنتاجها حتى الأصوات الأمازيغية المحكومة بالهاجس الوحدوي على حساب النضالي والغائي لإيمازيغن... وللحديث بقية. ملحوظة:لا يسعنا إلا أن نشد بحرارة على أيدي تنسيقيات تاوادا الثلاث، ونؤكد أننا عازمون على المشاركة في إنجاح هذه المحطة التاريخية التي تشكل لحظة مفصلية في الحراك الشعبي بصيغته الأمازيغية، ونتمنى أن تكون المسيرة القادمة موزعة على كل مناطق ثامزغا وليس بالمغرب فحسب.