تعرف على سعر الدولار والعملات الأجنبية والعربية اليوم    مفاجأة بشأن أسعار الذهب اليوم السبت 20-4-2024    أسعار الدواجن والبيض اليوم السبت 20-4-2024 في قنا    خفض سعر رغيف الخبز السياحي بعد تراجع الدقيق    الكهرباء تحدد طرق الشكاوى ضد مخالفة مواعيد تخفيف الأحمال    الفراخ البيضاء ب100 جنيه والبط السوداني ب150.. أسعار الدواجن والطيور في أسواق الإسكندرية اليوم    زوارق الاحتلال الإسرائيلي تقصف ساحل مدينة دير البلح في قطاع غزة    كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا مضادا للطائرات    تواصلت مع دولتين .. هل تبحث حماس نقل مقرها إلى خارج قطر؟    الخارجية الفلسطينية ترحب بقرار جمهورية بربادوس الاعتراف بها دولة لها حقوقها    تشكيل تشيلسي المتوقع أمام مانشستر سيتي.. جاكسون يقود الهجوم    الكونفدرالية الأفريقية، جوميز يتحدث عن مواجهة الزمالك ودريمز الغاني    درجات الحرارة تتجاوز ال41..تحذيرات عاجلة من الأرصاد حول طقس الأيام المقبلة    اليوم.. جنايات القاهرة تستكمل محاكمة المتهمين في قضية رشوة مياه أسوان    كيف أدعو الله بيقين؟ خطوات عملية لتعزيز الثقة بإجابة الدعاء    هل يجب الصلاة على النبي عند ذكر اسمه أثناء الصلاة؟.. البحوث الإسلامية يجيب    التنمر على «ذوى الهمم».. جريمة ضد الإنسانية    الخشت: جامعة القاهرة تحتل المركز 174 فى الطب متصدرة جميع الجامعات المصرية والثاني إفريقيًا    زيادة أسعار اللوحات المعدنية وتعريفة سيارات الأجرة ونقل الموتى في قانون المرور الجديد (تفاصيل)    قدها.. تامر حسني يحيي حفل ساهر في القاهرة الجديدة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 20 أبريل    بالأسماء.. غيابات الأهلي أمام مازيمبي في دوري أبطال إفريقيا    يُغسل ولا يُصلى عليه.. حكم الشرع تجاه العضو المبتور من جسد الإنسان    عمر مرموش يساهم بهدف في فوز آينتراخت فرانكفورت على أوجسبورج 3-1    ملامح التعديل الوزاري المرتقب .. آمال وتحديات    مشتت وفاصل ..نصائح لتحسين التركيز والانتباه في العمل    7 أيام في مايو مدفوعة الأجر.. هل عيد القيامة المجيد 2024 إجازة رسمية للموظفين في مصر؟    وزير الخارجية الإيراني: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجومًا إسرائيليًا    الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر    بدقة عالية.. القنوات الناقلة لمباراة الأهلي ومازيمبي اليوم في دوري أبطال إفريقيا    عاجل.. الأمن يعيد فتاة الصف المتغيبة "فرح محمد"    الإفتاء: التجار الذين يحتكرون السلع و يبيعونها بأكثر من سعرها آثمون شرعًا    فودة وجمعة يهنئان أسقف جنوب سيناء بسلامة الوصول بعد رحلة علاج بالخارج    ابسط يا عم هتاكل فسيخ ورنجة براحتك.. موعد شم النسيم لعام 2024    ميدو يكشف احتياجات الزمالك في الميركاتو الصيفي    بجوائز 2 مليون جنيه.. إطلاق مسابقة " الخطيب المفوه " للشباب والنشء    أهالى شبرا الخيمة يشيعون جثمان الطفل المعثور على جثته بشقة ..صور    فحص السيارات وتجديد الرخصة.. ماهى خدمات وحدات المرور المميزة فى المولات    التعليم: تركيب كاميرات مراقبة داخل جميع لجان سير امتحانات الثانوية العامة    حريق هائل بمخزن كاوتش بقرية السنباط بالفيوم    انفجار في قاعدة كالسوم في بابل العراقية تسبب في قتل شخص وإصابة آخرين    ارتفاع ضحايا مجزرة "تل السلطان" برفح الفلسطينية ل 6 شهداء    حدث بالفن| وفاة صلاح السعدني وبكاء غادة عبد الرازق وعمرو دياب يشعل زفاف نجل فؤاد    إياد نصار: لا أحب مسلسلات «البان آراب».. وسعيد بنجاح "صلة رحم"    صعب تكراره.. فريدة سيف النصر تكشف عن ذكرياتها مع صلاح السعدني    يسرا: فرحانة إني عملت «شقو».. ودوري مليان شر| فيديو    أهالي قرى واحة الفرافرة في ضيافة الأسبوع الثقافى الفني بالوادي الجديد    انطلاق حفل الفرقة الألمانية keinemusik بأهرامات الجيزة    بركات قبل لقاء الأهلي: مباراة مازيمبي وبيراميدز شهدت مهازل تحكيمية    ناقد رياضي شهير ينتقد شيكابالا وتأثير مشاركاته مع الزمالك .. ماذا قال؟    خالد منتصر: ولادة التيار الإسلامي لحظة مؤلمة كلفت البلاد الكثير    GranCabrio Spyder| سيارة رياضية فاخرة من Maserati    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    تجليس نيافة الأنبا توماس على دير "العذراء" بالبهنسا.. صور    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    متلازمة القولون العصبي: الأسباب والوقاية منه    «هترجع زي الأول».. حسام موافي يكشف عن حل سحري للتخلص من البطن السفلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ باعِثُ النَّهْضَةِ وصَانِعُ الحَضَارة
نشر في مصر الجديدة يوم 24 - 01 - 2013


فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين
رسالة من : أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين





الحمدُ لله، والصَّلاةُ والسلامُ على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..
لقد كان ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم وبعثته علامة فارقة في تاريخ البشرية بأسرها فقد سبقه أنبياء ومرسلون، معظمهم كانوا يبعثون إلى أقوامهم خاصة؛ لإصلاح أحوالهم وتقويم اعوجاجهم تحقيقًا لوعد الله تعالى منذ نزول آدم وحواء إلى الأرض "فَإمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ ولا يَشْقَى" (طه: 123).
وكانت البشرية تهتدي بهَدْي الأنبياء فترة من الزمن، ثم تحيد تدريجيًّا عن منهج الله تعالى، فيأتي نبيٌّ جديدٌ يدعو قومه، ويصبر على أذاهم حتى يهتدي من شاء الله له الهداية "لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ويَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ" (الأنفال: 42).
ثم كانت الرسالات الكبرى لأولى العزم من الرسل (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى)، بعدهم كانت فترة خَلَت فيها الأرض من هدايات السماء.. تمهيدًا لبعثة النبي الخاتم والرسالة الخاتمة "يَا أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ ولا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ ونَذِيرٌ واللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (المائدة: 19).
ولقد كان العالم قبيل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسيطر عليه قوتان كبيرتان وتسوده حضارتان.. الفرس في المشرق والروم في المغرب، وقد بلغتا من الحضارة والرقيّ ما بلغتا، ثم أصابهما ما يصيب الحضارات والأمم حينما تأخذها زهوة القوة والسيطرة، وينخر في عظامها أمراض الترف وتدمِّرها الشهوات الطَّافحة والمظالم الجامِحَة.
كان مولده صلى الله عليه وسلم إيذانًا بمبعث أمَّةٍ جديدة، لم يكن لها ذكر في التاريخ من قبل، ولم يكن يشعر بها العالم، بل كانت في أطرافها خاضعة لسلطان الفرس والروم، أما القلب فكان قبائل متفرقة تعيش حياة البداوة في صحراء شاسعة تدور بينهم الحروب المهلكة لأسباب تافهة، لم يكن لها ما يُوحِّدها ويجمع شملها ويحشد طاقاتها.. نعم كانت لها كثير من الفضائل الفطرية التي لم تُلوِّثها آفات الحضارات المحيطة، مثل الشَّجاعة والنَّخوة والفروسية والنَّجْدة وصفاء الذِّهْن وقُوَّة الحفظ، لكن هذه الفضائل كانت تتبدَّد في ظل الحروب المتعاقبة، والنزعات القبلية والعصبية الجاهلية.. حتى وصفهم شاعرهم بقوله:
وأحْيانًا على بكرٍ أخينا *** إذا لم نَجِد إلا أخَانا
شاء الله تعالى أن تُبعث الرسالة الخاتمة وهذا النبي الخاتم في هذه البيئة الخام؛ لتستقبل الرسالة الإلهية استقبال الأرض العطشى للماء الزلال، فارتوت وأينعت وفاضت بظلالها الوارفة وثمارها الجليلة حتى فاضت فأشرقت على العالم كلِّه.
لقد بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم البداية الصحيحة التي تبدأ بها كل نهضة، ويبدأ بها كل إصلاح، وتُبنى بها كل حضارة.. هي بناء الإنسان الصالح على أسس من العقيدة الصحيحة؛ ليفهم الإنسان حقيقة وجوده وغاية حياته ورسالته في الكون.. ثم العبادة الصافية التي تربط العبد بخالقه فتسمو روحه وترقى نفسه، فينعكس ذلك في أخلاق حميدة وسلوك راقٍ مع شَحْذ الهِمَّة وبثِّ الروح للإقبال على العمل الصالح؛ لنفع نفسه وأهله وعشيرته ومجتمعه، ثم إصلاح الأرض كلِّها وعمارتها وفق منهج الله تعالى "هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ واسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" (هود: 61)، "وسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ" (الجاثية: 13)، "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وإلَيْهِ النُّشُورُ" (الملك: 15).
وحينما أسَّس رسول الله صلى الله عليه وسلم دولته الأولى في المدينة المنوَّرة بعد حلقات من الدعوة والمصابرة والجهاد والتضحية في مكة.. كان على هذا المجتمع والناس أن يواجه تحدِّيات جَمَّة كانت تحاول أن تجهض مسيرة الإصلاح، وتعرقل بناء الحضارة، كان هناك أعداء في الداخل والخارج من المنافقين الذين يُبْطِنون الكفر ويُظهِرون الإيمان، ويمتلئون حقدًا وحسدًا للجماعة الناشئة، كان هناك اليهود الذين الْتَوَت فِطْرَتهم بعدما حرَّفوا كُتُبَهم، وكانوا ينتظرون بعثة النبي الخاتم منهم، فلما جاء من غيرهم ناصبوه العداوة "وكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الكَافِرِينَ" (البقرة: 89).
وكان هناك أعداء الخارج من مشركي مكة وما حولها من مشركي العرب الذين أبوا أن يتخلوا عن وثنيَّتهم وأصنامهم وتقاليدهم البالية، وكان من وراء ذلك عداء الروم والفرس الذين هالهم أن يتوحَّد العرب في دولة جديدة فَتيَّة تُهدِّد سُلطانهم، وتنتقص من رقعتهم، وتستردُّ ثرواتها ومقوماتها التي كانت تَنْتَهِبها لقمةً سائغةً بغير مقاومة.
كل هذا واجهه النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة جهاد شاقة كان قد أعدَّ عُدتها بتربية الجيل الصالح والصفِّ المؤمن، وتضاعف هذا الصف وانتشر النور في قلوب المسلمين ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وفي سنوات قلائل كانت دولة الإسلام وحضارة الإسلام تسيح في الأرض وتطوّر في جنباتها دولتي الفرس والروم، وتصنع للبشرية خير أمة أخرجت للناس.
تنشر العدل والنور، تساوي بين البشر، وتنشر نور العلم، وترتقي بالأخلاق والسلوك، وتسمو بالعقيدة والعبادة.
مَلَكْنَا هَذِه الدُّنيا القُرُونا *** وأَخْضَعَها جُدودٌ خَالِدونَا
وسَطَّرْنَا صَحائِفَ من ضياءٍ *** فما نَسِيَ الزَّمانُ وَمَا نَسِينَا
ثم كان ما كان بعد ذلك مما يعرفه التاريخ.. بعد صراع طويل وحروب ضروس.. سادت في الحضارة الغربية المادية وأسالت فيه من الدماء ما أسالت، وكان التعصُّب المقيت والاحتلال البغيض وسرقة ثروات الشعوب، واستعباد الأجناس المخالفة، وشيوع الظلم والدمار، ورأى الناس الفارق بين حضارة تهدي وتُعمِّر وتعدل وحضارة أخرى تُضلِّل وتُدمِّر وتقتل.
مَلَكْنا فكان العدلُ منَّا سجيَّةً *** فلمَّا مَلَكْتُم سَالَ بالدَّمِ أَبْطُحُ
ولا عَجبًا هذا التَّفاوتُ بيننا *** فكُلُّ إِنَاءٍ بالذي فيه يَنْضَحُ
لقد استدار الزمان دورته، وفشلت الحضارة الغربية في أن تمنح للناس العدل والأمن والأمان والسلام، وإن أعطت للعالم بعض المنافع المادية والتسهيلات الحياتية، لكنها أقفرت من الروح والرحمة، وعَمَّ الناس الخوف والقلق، وضاعت المساواة وانتفى العدل، وأصبح أرخص شيء في الدنيا الدماء والأرواح.
ومن قبلها أفلست الحضارة الشرقية الشيوعيَّة بما غلب عليها من طحن للإنسان، وتحطيم لشخصيته ومعاداة لفطرته، وجعله ترسًا في آلة ليس له حق التملك أو حرية الرأي والفكر، وضاعت أوهام الكفاية والعدل، بل عمَّ الفقر وشاع الظلم، وسُحِقَت شعوبٌ بأكملها تحت نظم القهر والظلم.
آن الآوان الآن أن تعود حضارة الرُّوح الإنسانية تقتبس من نور القرآن الكريم، وتأخذ من نبع رسول الإنسانية الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم الذي بُعِثَ للبشرية كافة دون تفريق بين جنس وجنس "ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" (الأنبياء: 107).
لقد استدار الزمان دورته، وبدأت النَّهْضَة الإسلامية من جديد في بلاد الربيع العربي.. تتخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في بثِّ الروح وبعث الأمل، وتجميع الجهود، وتوحيد الصفوف، ووضع الخطط، وتحديد المراحل، واتخاذ الحيطة ورصد الأعداء ومقاومة المكائد، وكل ذلك بعد تحديد الهدف والغاية "إنْ أُرِيدُ إلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ومَا تَوْفِيقِي إلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإلَيْهِ أُنِيبُ" (هود: 88).
إنه لا يجمعنا ويوحِّد صفوفنا ويُرشِد مسيرتنا إلا حبُّ الله وحبُّ رسوله صلى الله عليه وسلم ومحاولة الاقتداء به في كل خطواته، فنهضتنا إسلامية وحضارتنا إيمانية ومدنيَّتنا إنسانية.. ورسالتنا نشر السلام في ربوع العالم، وردُّ الإنسانية إلى ربِّها؛ لتسعد في الدنيا قبل سعادة الآخرة.
"واللَّهُ يَدْعُو إلَى دَارِ السَّلامِ ويَهْدِي مَن يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (يونس: 25).
كل عامٍ وأنتم بخير، وصلى الله وسلم على صاحب الذِّكْرَى العَطِرَة.

والله أكبر ولله الحمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.