"ارفع راسك فوق انت مصرى" لم يكن مجرد شعار رفعناه معًا فى ثورة 25 يناير، ولكنه كان شعورا حقيقيا يجسد مدى قدرة المصريين على صناعة المستحيل. ومع تبدل الأوضاع فى ظل تصاعد الهجمة الشرسة من أعداء الثورة فى الداخل والخارج، ورغم المحن التى تعيشها ثورتنا، فما زلت أتذكر هذا الشعار الرائع الذى لخص ثورة شعب على طاغية جلس على كرسى الحكم 30 عاما.. بل ثورة على حكام طغاة أذاقوا الشعب المصرى الويلات والثبور وعظائم الأمور على مر أكثر من 60 عاما. نعم على الثوار ألا يخفضوا رءوسهم مهما كانت المحن، ومهما بلغت الحرب مداها، من الذين يريدون إسقاط الثورة. وعلينا جميعا أن نسلم بالنوايا الحسنة لشركاء الثورة الذين فرقتهم السياسة، وأنهم لا يتمنون للثورة أن تموت أو تنتهى، فليس من مصلحتهم أن يعاد إنتاج النظام القديم مرة أخرى.. ولكن أيضا علينا أن نعترف بأن الفريقين وقعا فى أخطاء جسيمة لست الآن بصدد تقييمها، أو معرفة من الأكثر خطأ، أو من بدأ، ولكن فى النهاية تعطلت الثورة لمدة عامين ولا نريد أن يستمر تعطلها أكثر من ذلك. وعلينا أيضا أن نسلم بأن طرفا من أطراف المعادلة لن يكمل مشواره إلا ومعه الآخر، ولنحذر من التقسيمات الوهمية التى تقول: إن الحرب بين السلطة والمعارضة.. لأن السلطة لمّا تكتمل بعد.. ربما وصل عن طريق انتخابات حرة إلى الرئاسة الدكتور مرسى الذى ينتمى إلى الإخوان، وربما يوجد عدد من الوزراء والمحافظين هنا وهناك، لكن لا يعنى ذلك أنهم سيطروا على السلطة.. فالسلطة الحقيقية لم تتشكل بعد؛ لأن الفلول ما زالوا يعشِّشون فى جميع مؤسسات الدولة، وسوف تأخذ عملية التطهير وقتا. والمعارضة قد تكون جزءا من السلطة إذا نجحت فى الانتخابات البرلمانية المقبلة. من المؤكد أن السلطة ما زال بها فلول.. والمعارضة أيضا ما زال بها فلول.. أى أن الفلول أصبحوا العامل المشترك. ومن وجهة نظرى لو استطاع الطرفان الثوريان فى السلطة والمعارضة إعادة إنتاج وحدة الصف على الحد الأدنى من أهداف الثورة، فسوف يستكملان معا المسيرة، ولكن إذا استمر الصراع السياسى والمواجهة فسوف يقودنا الفلول إلى طريق إعادة إنتاج النظام القديم، أو يقودنا الصراع إلى تدمير مصر، وخاصة مع دخول العنصر الخارجى بقوة مؤخرا من أجل تأجيج الصراع وتحويل الثورة إلى فوضى. وأقترح 4 خطوات تؤدى إلى التقارب بين فرقاء الثورة وتحول المسار من الصراع السياسى والتدمير إلى الوحدة الوطنية والبناء: 1- وفاء الرئيس بوعوده فيما يخص الدستور بتبنى تعديلات ترضى الجميع، ويقرها مجلس النواب المقبل، وإقالة حكومة هشام قنديل "العاجزة" وإعادة تشكيلها من الخبرات والكفاءات لإنقاذ الأوضاع المتدهورة وإعادة تشكيل الفريق الرئاسى. 2- إطلاق مشروع قومى لتوحيد الوطن حول بناء مصر الجديدة. 3- توضيح الحقائق بكل شفافية ولا سيما المتعلقة بالقصاص للشهداء. 4- أن تطور المعارضة من أدائها، وتتجه إلى المساهمة فى مشروعات مفيدة، والتواصل مع الجماهير بدلا من الاكتفاء بالمظاهرات والشعارات. ثورتنا الحقيقية لن تكتمل إلا إذا رفع جميع المصريين رءوسهم "فوق".. لن تنجح الثورة وطرف من الأطراف يطأطئ الرءوس.