بدأت وسائل الاعلام الحكومية المصرية منذ يوم الجمعة حملة هجوم مضاد واسعة النطاق استهدفت المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي الذي انتهت قبل ايام مهمات عمله في المنظمة، ورد الخميس على دعوة كان وجهها اليه عدد من المثقفين والناشطين السياسيين المصريين الكبار للترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة سنة 2011 والتي لم يعرف بعد ما اذا كان الرئيس حسني مبارك (81 سنة) سيخوضها مجددا للمرة السادسة أم سيفسح في المجال لنجله جمال ليكون خليفته كما يسود الاعتقاد لدى قطاع واسع من القوى السياسية المصرية. وعلى رغم ان البرادعي لم يقل صراحة في بيان طويل ارسله الى الصحف المصرية انه يقبل هذه الدعوة، إلا انه عبّر بوضوح عن استعداده للمشاركة بفاعلية في ما سماه "عملية اصلاح وتغيير شامل في مصر تقوم على أسس سليمة للديموقراطية والعدالة الاجتماعية من ناحية، وتعيد الى مصر دورها الاقليمي والدولي من ناحية اخرى". ورهن البرادعي موقفه من خوض غمار الانتخابات الرئاسية بتوافر "أمور أساسية" منها "أن تجرى الانتخابات التشريعية والرئاسية على غرار ما هو معمول به في سائر الدول الديموقراطية وفي اطار ضمانات حقيقية للشفافية والنزاهة تشمل انشاء لجنة قومية مستقلة ومحايدة تتولى تنظيم كل الاجراءات الخاصة بالعملية الانتخابية في ظل اشراف قضائي كامل وغير منقوص ووجود لمراقبين دوليين من الاممالمتحدة، و(كذلك) اتاحة مساحات متكافئة في اجهزة الاعلام الحكومية للمرشحين كافة حتى يتمكنوا من طرح افكارهم وبرامجهم على الشعب". واشترط البرادعي ايضاً وجود توافق سياسي وطني عام على شخصه "لأن من يتولى هذا المنصب في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد يجب ان يكون رئيسا توافقيا يلتف حوله الجميع، ويتطلب هذا بالضرورة ازالة مختلف العوائق الدستورية والقانونية (القائمة) والمقيدة لحق الترشيح"، في اشارة الى التعديل الدستوري الذي مرر في 2005 واستبدل الانتخابات الرئاسية المقيدة بنظام الاستفتاء لكنه وضع شروطا تجمع المعارضة المصرية على انها "تعجيزية" وتكاد تقصر فرص الترشيح الجاد على الحزب الوطني الحاكم واسرة الرئيس مبارك. واعتبر البرادعي انه "ما لم تتم ازالة هذه العوائق فستفتقر اي انتخابات تجرى في ظلها الى الشرعية، اللازمة وستكون نهايتها - غالبا - معروفة سلفا". واقتبس في بيانه مقاطع من الرسالة التي تلقاها من مثقفين وناشطين في شأن ترشيحه خصوصا ما يتعلق بضرورة المرور ب"مرحلة انتقالية تعبر خلالها البلاد من نظام حكم استبدادي وديكتاتوري فاسد الى نظام يقوم على اسس تطلق الحريات العامة وتحصنها وتكفلها وتفتح الباب امام تطور ديموقراطي حقيقي باعتباره السبيل الوحيد لاقامة دولة عصرية تقوم على العدالة والمساواة واحترام القانون". غير ان وسائل الاعلام الحكومية ردت بطريقة صاخبة لا تخلو من عصبية ظاهرة على ما جاء في بيان البرادعي، وشنت عليه حملة تشهير قوية تضمنت التشكيك في انتمائه المصري واتهمته بتنفيذ "اجندات اجنبية" وبانه يحمل، الى جنسيته المصرية، "جنسية اسوج"، وهو ما سارع الى نفيه المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤكدا انه لم يحمل في حياته جنسية اخرى غير جنسية مصر. ويبدو من رد الفعل الغاضب الذي اظهرته نخبة الحكم في مصر حيال احتمال دخول شخصية كالبرادعي تتمتع بوزن دولي كبير في معادلة الصراع حول مستقبل الحكم في مصر، من شأنه ان يوفر عوامل خارجية وداخلية قد تضغط بقوة اكبر مما هو متاح حاليا على خطط هذه النخبة لمد عمر نظام الرئيس حسني مبارك، سواء من طريق اعادة انتخابه مجددا بعد ان يكمل في 2011 ثلاثين عاما في السلطة، او الدفع بنجله لخلافته.