الاحتفال بعيد الأم من الأمور المستحدثة ، فهذه البدعة لم تأت إلينا إلا من المجتمعات التي انتشر فيهاالعقوق بالوالدين ، ولم تجد فيه الأمهات والآباء من ملجأ غير دور الرعاية ، حيث البعدوالقطيعة والألم ، فظنوا أن إكرامها في يومٍ يمحو إثمَ عقوقِها في بقية السنة! فهذا اليوم فيه إيلام كبير لمن فقدوا أمهاتهم، حيث أن هذه العادة السيئة، تنبهه العواطف والمشاعر في الأبناء والبنات فيزيد حزنهم وبكائهم. وفيه إيلام كبير للنساء اللاتي لم يُقدًّر لهنًّ الإنجاب، حيث يتمنين ان لو كان لهنًّ أولاد يحتفلون بهن كما يحتفل باقي الأولاد بأمهاتهم. وكذلك فيه تجريم للأبناء بدون ذنب أو مبرر شرعي، حيث أصبح الابن الذي لايشارك بتقديم هدية إلى أمه، يُنظرإليه بعين التقصير، ويشعر هو بالذنب والإثم !! فلماذا كل هذة الألام ؟؟!! نحن أمة الإسلام فقد أُمرنا الله تعالي ورسوله عليه الصلاة والسلام بالبر والصلة ، ونهينا عن العقوق، وأُعطيت الأم في ديننا ما لم تعطه في شريعة قط ، حتى كان حقها مقدما على حق الأب، كما روى البخاري (5514) ومسلم (4621) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ. ثم إن الأم لها حق الاحترام والإكرام ، والبر والصلة ، طول العام، فما معنى تخصيص إكرامها بيوم معين ؟! ان عيد الأم لا يجوز الاحتفال به فهو من الأمور التي لم يفعلها النبي صلىالله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم، وهو كذلك من التشبه بالكفار الذين أُمِرْنا بمخالفتهم، ولهذا ، ولا يطاع أحد من المسلمين في ذلك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840( . وليستمر الأبناء في برها والإحسان إليها ، وإقناع الأمهات والأبناء بأن هذا الاحتفال من البدع المحدثة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وشَرُّ الْأُمُورِمُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ) رواه مسلم (867) والنسائي (1578) وزاد : ( وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ( . ولا ينقطع بِرُّ الأم حتى بعد وفاتها ، فهي مُكَرَّمَةٌ حال الحياة ، وحال الممات ، وذلك بالصلاة عليها والاستغفار لها ، وإنفاذ وصيتها ،وإكرام أهلها وأصدقائها. فلنتمسك بهذا الدين العظيم ، ولنلتزم آدابه وأحكامه ، ففيه الهدى، والكفاية ، والرحمة. قال الشيخ علي محفوظ رحمه الله مبينا ما في هذا الاحتفال من مشابهة الكفار: " وبيانا لخطورة الاحتفال بغير الأعياد الإسلامية : قد أخبرالنبي صلى الله عليه وسلم أن أقواما أو فئاما من أمته سيتبعون أهل الكتاب في بعض شعائرهم وعاداتهم ، كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلىالله عليه وسلم قال : (لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، شِبْرًاشِبْرًا ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّتَ بِعْتُمُوهُمْ . قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ؟قَالَ : فَمَنْ ؟! ) أخرجه البخاري ومسلم . . . . فحبُّ التقليد ، وإن كان موجوداًفي النفوس ، إلا أنه ممقوت شرعا إذا كان المقلَّد يخالفنا في اعتقاده وفكره ، خاصة فيما يكون التقليد فيه عَقَدِيّاً أو تعبُّديا أو يكون شعارا أو عادة ، ولما ضعف المسلمون في هذا الزمان ؛ ازدادت تبعيتهم لأعدائهم ، وراجت كثير من المظاهر الغربية سواء كانت أنماطا استهلاكية أو تصرفات سلوكية . ومن هذه المظاهر الاهتمام بعيدالأم" . وسئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله عن الاحتفال بعيدالأم فأجاب قائلا: " إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة ، لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح ، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضا ، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى ، والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام ؛ وهي عيد الفطر ، وعيد الأضحى ، وعيد الأسبوع " يوم الجمعة" ، وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة ، وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها ، وباطلة في شريعة الله سبحانه وتعالى لقول النبي صلىالله عليه وسلم : ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ) . أي مردود عليه ، غير مقبول عند الله . وفي لفظ : (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) . وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد والمسمى عيد الأم ، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد ؛ كإظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك. والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به وأن يقتصر على ما حده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله تعالى لعباده فلا يزيد فيه ولا ينقص منه ، والذي ينبغي للمسلم أيضا ألا يكون إمَّعَةً يتبع كلَّ ناعق ، بل ينبغي أن يكون شخصيته بمقتضى شريعة الله تعالى ، حتى يكون متبوعا لا تابعا ، وحتى يكون أسوة لا متأسيا ، لأن شريعة الله - والحمد لله- كاملة من جميع الوجوه كما قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) المائدة/3. ( والأم أحق من أن يحتفى بها يوما واحدا في السنة ، بل الأم لهاالحق على أولادها أن يرعوها ، وأن يعتنوا بها ، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله عز وجل في كل زمان ومكان " . - نقلا من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/301)