عند وجود أي تناقض بين أقوال الشهود ومحاضر التحريات فإن هذا الأمر يطرح تساؤلات جوهرية تقع على عاتق النيابة للتحقق من هذا التناقض، بل وفي الوقت ذاته تطلب النيابة تحريات إضافية أكثر للتأكد من حقيقة الأمر وتفنيد كل هذه التناقضات وتحليلها بعناية. وإذا ما كان هذا التناقض ينصب على مسائل جوهرية في القضية ذاتها فإن الأمور قد تتطلب أيضًا تدقيقا إجرائيا وقانونيا أكثر من جانب المحكمة بهدف ضمان عدم المساس بنظام العدالة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تباطؤ كبير في سير إجراءات القضية للتحقق من صحة الأدلة المتضاربة. ولا تنفصل تناقضات أقوال الشهود والتحريات عن من يمارسون العمل السياسي الذين يطلقون على أنفسهم «معارضة» وتحديدًا عندما يتحدثون في وسائل الإعلام التلفزيونية بكلام وعكسه، حتى أصبح المشاهد في حيرة كبيرة. أزمتنا حاليًا هي أننا نراهن دائمًا في أن المشاهد لا يدقق في تصريحات من يتحدثون في الإعلام وتحديدًا عن مصير برلمان لدولة كبيرة بحجم مصر.. فعندما قال الكاتب الصحفي، مصطفى بكري، إن هناك دوائر تركت للمعارضة على النظام الفردي بالتنسيق مع الأحزاب الكبيرة، لم يتردد السياسي المعارض، فريد زهران رئيس حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، بالنفي بل أكد كلام بكري، بأنه «صحيح»، ليعترف بهذا الأمر جملة وتفصيلا على الهواء في برنامج الإعلامي، عمرو أديب، ثم يتراجع بعدها عندما ابتسم الكاتب، مصطفى بكري، حول تأكيدات زهران لكلامه. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أكمل بكري حديثه أن الأستاذ، فريد زهران، يتحدث وكأنه بعيد عن التحالف الانتخابي الذي شارك فيه من خلال القائمة وأيضًا على النظام الفردي من خلال حضوره الاجتماعات والتنسيق مع الأحزاب المؤيدة. حيث كانت إجابات السياسي المعارض، فريد زهران، مختلفة عن زميله النائب المعارض، عبدالمنعم إمام، الذي نفى كليًا وجزئيًا أن الأحزاب الكبيرة لم تترك له الدائرة في القاهرة الجديدة حتى يستطيع الفوز، وذلك عندما واجهته الإعلامية، لميس الحديدي، بسؤال: كيف تخوض الانتخابات في دائرة صعبة مثل القاهرة الجديدة؟.. وهل الأحزاب الكبيرة تركت لك الدائرة بدون منافسة منهم؟ هذه الإجابات المتناقضة ما بين المعارض فريد زهران، والمعارض عبدالمنعم إمام - واللذين يتبنيان نفس التوجه والفكر والذي على إثره شاركا في التحالف الانتخابي مع الأحزاب المؤيدة من خلال تيار معارض يضم أحزابهم «المصري الديمقراطي الاجتماعي والعدل والإصلاح والتنمية» - تكشف عن حجم التناقضات التي تمر بها المعارضة المصطنعة. ولم تكتف هذه التناقضات حول النظام الفردي الذي تم التنسيق بشأنه بين أحزاب الموالاة وأحزاب المعارضة المصطنعة بل جاءت أيضًا في سؤال طرحته الإعلامية لميس الحديدي، على النائب المعارض عبد المنعم إمام، عندما قالت له: لماذا لم تترشح يا عبدالمنعم في دائرتك مدينة المحلة؟ ليرد عليها بإجابة: «أنا مؤمن إيمان كامل في أن من حق المواطن أن يكون نائب دائرته بجواره طوال الوقت.. وبحكم كوني متواجد في العاصمة أكثر ففضلت الترشح في القاهرة». وما قاله عن تبريره لخوض الانتخابات في القاهرة الجديدة يختلف عن تصريحاته في بداية الحلقة ذاتها بأن دور النائب لم يعد خدميًا لأن أساسه التشريع والرقابة على الحكومة، وأن النائب لم يعد يمتلك الأدوات التي كان يمتلكها في السابق، ولأن كثيرًا من أعمال الدولة أصبحت إلكترونية.. الأمر الذي يؤكد وجود تضارب في التصريحات ما بين تبريره لخوض الانتخابات في القاهرة الجديدة وما بين تعريفه لدور البرلماني الحقيقي، الذي لم يعد المواطن بحاجة إليه في الخدمات، حسب قوله. لذلك، يظل الاعتراف بالخطأ من جانب المعارضة المصطنعة فضيلة واجبة وتحديدًا عندما يكون الأمر متعلقا بالمصداقية التي جعلوها على المحك فيما بينهم على الأقل كمعارضة مصطنعة، لأن المشاهد هو من لفت الانتباه إلى مثل هذه الأدوار المصنوعة بمشهد إخراجي مكشوف أمام مرأى ومسمع الجميع. وما أود قوله في الختام، إنه ما لم تتعلم المعارضة المصطنعة من تناقض تصريحاتها المتكررة في شهور معدودة بل وربما في نفس فقرة البرنامج فسيظل مسار هذه المعارضة نحو الانحدار لا البقاء، وفي الوقت نفسه لا يصلح معها الدواء. حفظ الله مصر وشعبها ومؤسساتها.