نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" قراءة موسّعة في كتاب المدير السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، يوسي كوهين، والذي حمل عنوان: "بالأحابيل تصنع لك حرباً" بالنسخة العبرية، بينما ظهر باللغة الإنجليزية تحت اسم: "سيف الحرية: إسرائيل "الموساد" والحرب السرية". يتناول الكتاب أبرز العمليات الاستخباراتية التي قادها كوهين، وعلى رأسها سرقة الأرشيف النووي الإيراني من قلب طهران، واغتيال كبير علماء الذرة الإيرانيين محسن فخري زاده. عملية الأرشيف النووي: مشروع حياة وطموح سياسي يصف كوهين سرقة الأرشيف النووي الإيراني بأنها الإنجاز الأهم في مسيرته داخل "الموساد"، مشيراً إلى أنها شكلت العلامة الفارقة التي يراها نموذجاً للقائد الأمثل الذي يدير عمليات بالغة التعقيد والخطورة، معتبرًا إياها "مشروع حياته"، والسلم الذي قد يوصله إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية إن قرر خوض غمار السياسة مستقبلاً. ويشير إلى أن قرار تنفيذ العملية اتخذ عام 2016، بعد سنوات من النشاط داخل الأراضي الإيرانية، حيث بدأت خلية "الموساد" التي تضم رجالاً ونساء في التوسع تدريجياً حتى نجحت في اختراق منظومة الحكم في طهران، ورغم عدم كشف الكثير من التفاصيل، أكد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى جانب العنصر البشري، الذي اعتبره أساسياً في نجاح هذه العمليات. تجنيد العملاء والوصول إلى قلب مفاعل نطنز يروي كوهين أنه تمكن من تجنيد عدد من العملاء الإيرانيين بعد أن قدم نفسه بغطاء "محامٍ ورجل أعمال لبناني" باسم مزيف هو "أوسكار"، من بين هؤلاء، كان أحد مساعدي العالم النووي محسن فخري زاده، والذي أطلق عليه اسم "فريد"، هذا العميل نقل إلى "الموساد" تقارير مهمة حول أجهزة الطرد المركزي، كاشفاً أن الخبرة الأساسية جاءت من باكستان وليس كوريا الشمالية كما كان يُعتقد. كما تحدث عن قدرة الوحدة على اختراق مواقع حساسة، بينها المفاعل النووي في نطنز الواقع على مساحة ضخمة تحت الأرض، مشيراً إلى أن فخري زاده لم يكن يدرك وجود عملاء مزروعين في قلب المشروع النووي نفسه. اغتيال محسن فخري زاده.. رصاصات الذكاء الاصطناعي يفصّل كوهين عملية اغتيال فخري زاده عام 2020، التي استغرقت شهوراً من التحضير، مؤكداً أن الأسلحة التي استخدمت كانت أوتوماتيكية تُشغّل عن بُعد بواسطة حاسوب يعمل بالذكاء الاصطناعي، وتم تهريبها إلى إيران قطعة تلو الأخرى، حتى وصل وزنها الإجمالي إلى طن كامل مع العتاد والمعدات. ويستعرض تفاصيل موكب فخري زاده الذي كان يضم عادة سيارات عدة، لكن في يوم الحادث كانت خمس سيارات فقط، إذ يفضل فخري زاده قيادة سيارته العائلية غير المحصنة يوم الجمعة (يوم الحادث)، وتم إطلاق النار عليه عن بعد، فأصيب ب15 رصاصة قاتلة، بينما ظهرت زوجته في المشهد وهي تحضنه وسط ارتباك الحراس، قبل أن يتم تفجير الشاحنة المجهزة بآلية التدمير الذاتي لإخفاء آثار العملية. اقتحام الأرشيف.. عملية سباق مع الزمن وعند العودة إلى عملية سرقة الأرشيف، يكشف كوهين أنه بعد وضع الخطة، اكتشفت وحدة "الموساد" نقل الوثائق إلى موقع جديد في حي شهرباد بطهران، أُعيدت الخطة بالكامل، وتم إنشاء قاعدة مراقبة جديدة، وتدريب الفرق على سيناريوهات التنفيذ. احتاجت العملية إلى مئات الأفراد، بينهم مختصو اقتحام وخبراء فك شفرات الخزنات، وأجهزة تشويش ومعدات نقل، حتى رافعة بارتفاع ستة أمتار، وكان على الفريق اقتحام الموقع بين العاشرة ليلاً والخامسة فجراً، والهرب قبل وصول الحراس في السابعة صباحاً. تم تنفيذ المهمة في الساعة 4:59 فجراً، وسط حالة من الذهول الإيراني بعد اكتشاف السرقة، حيث انتشرت قوات الشرطة والحرس الثوري في كل مكان بحثاً عن منفذي العملية، الذين كانوا 25 شخصاً فقط من جنسيات متعددة. ويقول كوهين إن الوثائق كانت مصنفة بألوان، فأمر بجمع الملفات الحمراء والسوداء، لأنها الأكثر حساسية. بلغت حصيلة العملية 55 ألف وثيقة أصلية و183 أسطوانة تحتوي على 52 ألف وثيقة، توثّق بشكل واضح أن إيران كانت تخطط لمشروع تسلح نووي كامل يشمل تصنيع رؤوس نووية للصواريخ. صدمة طهران وردود الفعل الدولية يروي كوهين أن المرشد الإيراني علي خامنئي اعتبر العملية "كارثة قومية"، فيما انتشرت القوات الأمنية وأُغلقت الطرق والمطارات. بعد تنفيذ العملية، تم إبلاغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ثم تواصل الأخير مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي وصف العملية بأنها "واحدة من أجرأ العمليات الاستخباراتية في التاريخ"، كما تم منح كل من المخابرات الأميركية والبريطانية والروسية والفرنسية والألمانية والصينية، وأيضاً لجنة الطاقة الدولية، نسخة عن مواد الأرشيف الإيراني مرفقة بتقرير من 36 صفحة يشرح بالتفصيل محتويات الوثائق. بعدها عُرض الأرشيف على القوى الدولية ومجلس الأمن، وتم الكشف عنه رسمياً في مؤتمر صحافي بعنوان "إيران تكذب"، ثم أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بعد ثمانية أيام الانسحاب من الاتفاق النووي.