دخلت الحرب الاستخباراتية بين إيران وإسرائيل خلال هذا العام مرحلة جديدة، تمزج بين الأساليب السيبرانية التقليدية، «اغتيالات دقيقة»، وهجمات بالمسيرات داخل الأراضي الإيرانية، هذه الاستراتيجية شديدة التعقيد تعكس تحولًا جذريًا من الحرب السرية إلى حرب هجينة شاملة، ليتحول الصراع الاستخباراتية بين إيران وإسرائيل، من الظل إلى المواجهة المباشرة، بعد أن ظلت المواجهة بين الطرفين تدور في الخفاء، داخل ممرات الحرب الاستخباراتية وأقبية التجسس الإلكتروني، لتتحول إلى عمليات اغتيال علنية داخل الأراضي الإيرانية. أقرأ أيضا| السفارة الهندية في طهران تُجلي رعاياها من إيران الحرب الخفية بدأت إرهاصات الحرب الاستخباراتية بين طهران وتل أبيب، مع اختراق منشآت إيران النووية عام 2010 بواسطة فيروس "ستكسنت"، وهو سلاح إلكتروني خبيث يُعتقد أنه نتاج تعاون بين إسرائيل والولاياتالمتحدة، استهدف تعطيل أجهزة الطرد المركزي في مفاعل نطنز. وتوالت بعدها عمليات الاغتيال لعلماء نوويين بارزين، من بينهم مسعود علي محمدي، فريدون عباسي، ومحسن فخري زاده، الذي اغتيل في عملية دقيقة عام 2020، نُفّذت ببندقية آلية مُتحكّم بها عن بعد، بحسب الرواية الإيرانية. أرشيف طهران النووي في يناير 2018، نفّذ جهاز الموساد الإسرائيلي عملية غير مسبوقة داخل العاصمة الإيرانية، نجح خلالها في سرقة عشرات الآلاف من الوثائق المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، ونقلها إلى إسرائيل في عملية استمرت ست ساعات فقط، وكُشفت تفاصيلها لاحقًا في مؤتمر صحفي عقده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. كما كشف رئيس الاستخبارات الإسرائيلية «الموساد» يوسي كوهين، تفاصيل عن سرقة الأرشيف النووي الإيراني، ولفت في حديث إلى البرنامج الاستقصائي بالقناة 12 الإسرائيلية، إلى أن تلك العملية تمت بشكل سري في 31 من يناير2018، مضيفا أن حوالي 20 عميلا شاركوا فيها، إلا أنه لفت إلى عدم قدرته على كشف هوياتهم أو ما إذا كانوا جميعا إسرائيليين، مؤكدا أن عملية السرقة الضخمة هذه تم التخطيط لها قبل عامين من تاريخ تنفيذها، عندما علم الموساد أن الأرشيف المطلوب موجود في مجمع أو مقر ما في ضواحي العاصمة الإيرانية. الحرب الاستخباراتية بين طهران وتل أبيب الطائرات المسيّرة في السنوات الأخيرة، تطور الصراع من الاستخبارات التقليدية إلى ضربات ميدانية استخدمت فيها طائرات دون طيار، ففي يناير 2023، استهدفت إسرائيل منشآت دفاعية إيرانية في أصفهان، ما أسفر عن أضرار كبيرة في خطوط إنتاج الصواريخ والطائرات المسيرة. وخلال صيف 2025، أفادت تقارير استخباراتية غربية أن إسرائيل أسست قاعدة سرية داخل إيران، مكّنتها من شنّ هجمات بالطائرات المسيّرة على بنى تحتية عسكرية ومواقع صاروخية، في ما أُطلق عليه لاحقًا اسم «عملية الأسد الصاعد». اغتيال العقل النووي الإيراني وفي واحدة من أطول وأنجح حملات الاغتيال الممنهجة في التاريخ المعاصر، تستمر إسرائيل، بحسب مصادر أمنية غربية وإيرانية، في استهداف نخبة العلماء الإيرانيين، ضمن ما تصفه ب"معركة العقول"، لكبح تطور البرنامج النووي الإيراني وتعطيل قدراته الدفاعية. بدأت أولى عمليات الاغتيال المعروفة علنًا في عام 2010، عندما قُتل الدكتور مسعود علي محمدي، أستاذ الفيزياء النظرية بجامعة طهران، عبر تفجير دراجة نارية مفخخة أمام منزله، ورغم نفي طهران علاقته بالبرنامج النووي، اعتُبر مقتله بداية سلسلة من الهجمات الدقيقة، ثم جاء اغتيال داريوش رضائي نجاد في عام 2011، ومصطفى أحمدي روشن مسؤول منشأة نطنز، في عان 2012، ومحسن فخري زاده العقل المدبر للمشروع النووي، عام 2020، لتفقد إيران كفاءات يصعب تعويضها، وهو ما أدى إلى تأخير برامجها النووية والدفاعية. إيران تمتص الصدمة على الجانب الآخر، لم تقف إيران مكتوفة الأيدي، حيث أعلنت عن تفكيك خلايا تجسس مرتبطة بالموساد، ونفذت أحكام إعدام بحق متهمين بالتخابر مع إسرائيل، كما عملت أجهزة الأمن الإيرانية على التجنيد الإلكتروني والتقليدي لمواطنين إسرائيليين من خلفيات هشة، لمحاولة اختراق الداخل الإسرائيلي عبر عمليات معقدة. وجرى اعتقال "عملاء لإسرائيل" وضبط طائرة مسيّرة في "أحد منازل المرتزقة" في زنجان شمال غربي إيران، وفقا لما نقلته وسائل الإعلام الإيرانية عن نائب محافظ زنجان، كما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية «تسنيم»، أن السلطات اعتقلت عميلا للموساد في مدينة كرج غرب العاصمة طهران، وكان يعمل أيضا في إنتاج واختبار المواد المتفجرة. من التجسس إلى الحرب الهجينة يرى الدكتور أحمد سيد أحمد، خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، إن الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير على إسرائيل أربك المشهد تمامًا، وكشف هشاشة المنظومة الدفاعية التي تتباهى بها تل أبيب، مشيرًا إلى أن الصواريخ الإيرانية طالت مدنًا إسرائيلية رئيسية، منها تل أبيب وبئر السبع وحيفا، واستهدفت مقرات استخبارات وأمن سيبراني، وأشار خلال تصريحات خاصة لبوابة «أخبار اليوم»، أن المواجهة بين إيران وإسرائيل تجاوزت الآن مرحلة "حرب الظل"، واتخذت شكل "الحرب الهجينة"، التي تمزج بين: العمليات الإلكترونية، الاغتيالات الدقيقة، والتجنيد النفسي والإلكتروني، والضربات الجوية داخل العمق الإيراني، ليهدد التصعيد بإعادة تشكيل مشهد الأمن الإقليمي، خصوصًا مع احتمالية تدخل أطراف أخرى مثل الولاياتالمتحدة أو دول الخليج في حال انفجار المواجهة المباشرة، كما يؤثر سلبًا على أسواق الطاقة والاستقرار الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، لتصبح الحرب بين إيران وإسرائيل بدلا من مجرّد مواجهة في الظل بين جهازَي استخبارات، لتصبح حربًا مركبة، متعددة الجبهات والأدوات.