لا تريد حكومة التطرف في تل أبيب أن تفهم أن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي جرى توقيعه في شرم الشيخ في 13 أكتوبر، ليس هدفًا في حد ذاته، وإنما هو وسيلة إلى ما بعده في أرض فلسطين. ولأنها لا تريد أن تفهم ذلك، فإن الاتفاق متوقف عند مرحلته الأولى، التي هي بالكاد وقف للقتال وتبادل للأسرى، أما مرحلته الثانية وما بعد المرحلة الثانية فينطويان على الكثير من التفاصيل التي لا تقل أهمية عن وقف القتال ولا عن تبادل الأسرى. فهناك مثلًا الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وهناك إعادة إعمار ما دمرته حكومة التطرف، وهناك الإقرار بأن حل الدولتين هو الحل، أو هو الخطوة التي لا بد منها، وإلا فإن الأمور يمكن جدًا أن تعود إلى المربع الأول، وتجد إسرائيل نفسها في مواجهة أخرى مع طوفان مختلف عن طوفان الأقصى، ومع مقاومة أخرى ليس من الضروري أن تكون هي حركة حماس. وربما تكون المشكلة الأكبر لدى نتنياهو والذين معه من الوزراء المتطرفين أنهم لا يدركون أن فلسطين أكبر من قطاع غزة، بل وأكبر من الضفة الغربية نفسها، لأن فلسطين هي كل أرض احتلت في الخامس من يونيو 1967. غزة كقطاع ليست كل فلسطين ولن تكون، والذين يحاولون اختزال فلسطين في غزة سوف يكتشفون في النهاية أنهم يضحكون على أنفسهم، وأن فلسطين لا تقبل اختزالها في القطاع ولا في غير القطاع، وأن اختزالها سوف يظل يعيد الجميع إلى نقطة البداية. آخر ما أذاعته وكالات الأنباء عن رئيس حكومة التطرف أنه لا يقبل أي حكومة فلسطينية في غزة، وأنه يعرقل قيام حكومة تكنوقراط من الفلسطينيين الذين لا ينتمون إلى حماس ولا إلى حركة فتح في الضفة الغربية. وهذا كلام مضحك في الحقيقة، لأنه ليس من المتصور أن يحكم غزة شخص غير فلسطيني، ولا حكومة غير فلسطينية، وإلا فإن على حكومة التطرف أن تستورد حكومة من الفضاء لحكم غزة، وحتى هذه لن يرضوا بها، ولن يكون رفضهم قائمًا على تعسف ولا على تعنت، وإنما المسألة كلها أن هذه أرض فلسطينية، وأنها لا يحكمها غير الفلسطينيين. في وقت من الأوقات كانت تل أبيب تحرص على أن تحكم حركة حماس قطاع غزة، ولم يكن ذلك حبًا منها في الحمساويين، ولكنها كانت تريد الترسيخ لفكرة الانقسام الفلسطيني، بحيث تبقى الضفة محكومة بحركة فتح، وتبقى غزة محكومة بحركة حماس، وتضيع فلسطين بالتالي بين حكم الحركتين في القطاع وفي الضفة. كان هذا إلى أن جاء طوفان الأقصى، ومن بعده وجدت إسرائيل نفسها في موقف لا تُحسد عليه، فهي حائرة بين أن تبقى حماس وبين أن تخرج. إنها إذا بقيت رسخت للانقسام أكثر، ولكن تل أبيب في المقابل ستكون قد انهزمت في حربها على القطاع. وإذا خرجت حماس جاءت حركة فتح بكل ما تمثله من شرعية في اتجاه قيام دولة فلسطينية. ولكن هذه مشكلة إسرائيل وليست مشكلة الفلسطينيين، ولا حل في النهاية سوى ذهاب اتفاق وقف إطلاق النار إلى غايته، وإذا لم يحدث هذا، فسوف يكون على الإسرائيليين أن يستيقظوا على طوفان أقصى آخر.