في تطور قد يغير مصير الحرب في السودان الدائرة منذ أبريل 2023، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على مقر الفرقة السادسة التابعة للجيش في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، وهو آخر معقل للجيش في المدينة. وجاءت سيطرة الدعم السريع على الفاشر بعد حصار فرضته في 10 مايو عام 2024، ومنذ ذلك اليوم عانت المدينة من الجوع والمرض إذ منعت القوات إدخال أي مساعدات انسانية من غذاء ودواء إلى المواطنين. وفي أول تعليق من رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، قال إن القيادة التابعة له الموجودة في الفاشر كان تقديرها بأنه "يجب أن يغادروا المدينة نسبة لما تعرضت له من تدمير وقتل ممنهج للمدنيين، وافقناهم على أن يغادروا المدينة ويذهبوا إلى مكان آمن حتى يجنبوا بقية المواطنين وبقية المدينة الدمار". وأكد البرهان، في بيان الاثنين، أن الجيش عازم على "الاقتصاص لما حدث للأهل في الفاشر"، مضيفًا "القوات المسلحة ستنتصر لأنها مسنودة بالشعب ويقاتل معها كل أبناء الشعب،و هذه المعركة ستحسم لصالح الشعب السوداني". هل تغير معركة الفاشر مصير الحرب في السودان؟ وفي هذا الشأن، يقول الخبير في الشؤون الإفريقية، الدكتور رمضان قرني، إن تقييم الأحداث في مدينة الفاشر يحتاج إلى مراجعات دقيقة وفقًا لمقتضيات تطور الحرب في السودان، إذ تؤكد كافة الدلائل والمعطيات العسكرية والأمنية والسياسية أن المدينة استطاعت أن تصمد لحصار فُرِض عليها لأكثر من 500 يومًا. ويشير قرني، خلال حديثه ل"مصراوي"، إلى أن هذا الصمود يحمل دلالة رمزية للعديد من اعتبارات بالنسبة للجيش السوداني، إذ تحتل الفاشر من الناحية العسكرية أهمية خاصة للجيش، وتضم المدينة العديد من المنشآت العسكرية المهمة، أبرزها اللواء 23 مشاة، أسلحة المهندسين والسلاح الطبي ومدرسة القيادة وجميعها أماكن حيوية واستراتيجية. كما تحتل الفاشر مكانة استراتيجية هامة، إذ تقع في قلب ولاية شمال دارفور، والسيطرة عليها تمهّد للسيطرة على كامل الإقليم، يُعدّ الوحيد الذي ما زال يتمتع بوجود عسكري كبير للجيش. ويوضح أن السيطرة على الفاشر يضعنا أمام معطيات سياسية وجيو استراتيجية جديدة في السودان، معتقدًا أن المعطى الأخطر والأهم يتعلق بالارتباط الجغرافي والاستراتيجي بين إقليمي كردفان ودارفور، إذ تولي قوات الدعم السريع أو "حكومة تأسيس" التي تم الإعلان عنها، اهتمامًا كبيرًا للإقليمين، فضلًا عن التواجد القوي لها في مدينة نيالا. انقسام السودان إلى 3 دويلات يقول الدكتور رمضان قرني، إن التخوف الأكبر يكمن في سيطرة الدعم السريع على إقليم شمال دارفور، ففي هذه الحالة سوف يحدث انقسام فعلي للسودان بإعلان القوات انفصال غرب السودان بالكامل (دارفور وكردفان) عن باقي البلاد. ويستطرد قرني حديثه، بأنه في هذه الحالة تصبح فكرة الحكومة الموازية دولة موازية، بجانب الحكومة الموازية في جنوب في البلاد من خلال حكومة نيالا وحكومة بورتسودان، "وهنا نصبح أمام نموذج تقسيم فعلي وحقيقي للواقع في السودان لثلاث دويلات" على الأقل. ويرى الخبير في الشؤون الإفريقية، أن هذا السيناريو يظل محكومًا بتطورات استراتيجية وعسكرية، إذ لاتزال المواجهات والاشتباكات العسكرية قائمة حتى هذه اللحظة في شمال دارفور نتيجة سيطرة الجيش على بعض المقررات وتمركزه في وحدات المدفعية والدفاع الجوي، فضلًا عن مساندة بعض الحركات المسلحة للجيش، الذي لايزال يسيطر على مطار الفاشر. ويتابع: "كل هذه الأمور تجعل من فرضية سيطرة الدعم السريع على الفاشر سيطرة كاملة تحتاج إلى تحقق وإلى مراجعات عسكرية"، مشيرًا إلى أنه لا يمكن حتى الآن استباق تحليلات بشأن إمكانية سيطرة القوات على الإقليم. ويقول الدكتور رمضان قرني، إن "حكومة تأسيس" التي أعلنها الدعم السريع في وقتٍ سابق من العام الجاري، لم تحظ بأي اعتراف إقليمي أو إفريقي أو دولي من كافة المنظمات الدولية وكافة الدول، لافتًا إلى أن هذا متغير، وفق تصوره،جب مراعاته في توقع مستقبل الحرب. ويختتم الخبير في الشؤون الإفريقية حديثه، قائلًا إن زيارة وزير الخارجية السوداني للعاصمة الأمريكيةواشنطن لإجراء مباحثات مع الآلية الرباعية المعنية بالأزمة في السودان (تضم الولاياتالمتحدة، ومصر، والإمارات والسعودية)، والحديث عن إمكانية فرض هدنة إنسانية ووقف إطلاق النار لمدة 3 أشهر، متغير سياسي مهم يجب أن يؤخذ في الاعتبار، "ومن ثم، أتصور أن الأوضاع في السودان مفتوحة على أكثر من سيناريو، من بينها سيناريو الحسم العسكري، إلا أننا لسنا بصدد هذا السيناريو حاليًا".