تستعد شركات التكنولوجيا العملاقة، وعلى رأسها ميتا وجوجل وبايت دانس وسناب، لمواجهة واحدة من أضخم المعارك القضائية في تاريخ وادي السيليكون، بعد أن فتحت أبواب المحاكم الأمريكية أمام آلاف الدعاوى التي تتهم تلك الشركات بتعمد تصميم تطبيقاتها بطريقة تسبب الإدمان، خصوصا لدى الأطفال والمراهقين، ما أدى إلى أزمات نفسية خطيرة وانتحار بعض المستخدمين. وتشير التقارير إلى أن شركات مثل فيسبوك وإنستجرام ويوتيوب وتيك توك وسناب شات تواجه اتهامات باستهداف فئات عمرية صغيرة من أجل تحقيق أرباح ضخمة على حساب الصحة النفسية لمستخدميها، في قضايا يقارنها الخبراء بقضايا التبغ والأفيون من حيث حجم التأثير وخطورة النتائج، وفقا لتقرير نشرته وكالة بلومبرج. اتهامات بالإدمان والاكتئاب والانتحار توحدت القضايا في إطار دعاوى اتحادية وولائية جماعية تتهم المنصات باستغلال علم النفس السلوكي لتصميم خصائص تزيد من الإدمان، مثل الإشعارات المستمرة والتمرير اللانهائي والمحتوى الموجه للمراهقين. وتؤكد تلك الدعاوى أن هذه الأساليب ساهمت في ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب واضطرابات الأكل والانتحار بين الشباب. ومن المقرر أن تبدأ أولى المحاكمات في يناير المقبل أمام المحكمة العليا في لوس أنجلوس، في قضية رفعتها شابة تبلغ من العمر 19 عاما، تؤكد أنها أصبحت مدمنة على وسائل التواصل منذ طفولتها، مما تسبب في إصابتها بالاكتئاب وتشوه صورة الجسد لديها. ملايين الوثائق وشهادات من كبار التنفيذيين انتهت مرحلة التحقيقات التمهيدية في أبريل الماضي بعد أن سلّمت الشركات أكثر من 6 ملايين وثيقة، كما خضع عدد من كبار التنفيذيين لجلسات استماع، بينهم مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، وإيفان سبيغل الرئيس التنفيذي ل"سناب". وتقول جهات الادعاء إن الأدلة تُظهر أن الشركات كانت على علم مسبق بالأضرار النفسية الناتجة عن استخدام تطبيقاتها، لكنها تجاهلت التحذيرات حفاظًا على نمو الأرباح والعائدات الإعلانية. الأطفال هدف الأرباح وصف المحامي جوزيف فان زاندت، أحد القادة القانونيين للدعاوى، القضية بأنها "واحدة من أكثر القضايا تأثيرًا في عصرنا"، مؤكدًا أن الشركات العملاقة "استهدفت الفئات الأكثر ضعفًا — الأطفال — كما فعلت شركات التبغ قبل عقود". فيما قارن ماثيو بيرغمان، مؤسس مركز ضحايا وسائل التواصل الاجتماعي، القضية بمعارك التبغ السابقة، مشيرًا إلى أن وثائق داخلية من "فيسبوك" تُظهر علم الشركة بأن منتجاتها تُضعف صورة الفتيات الذاتية، ومع ذلك واصلت تسويقها للمراهقين. دفاع الشركات العملاقة في المقابل، نفت الشركات المتهمة تلك المزاعم، إذ قال متحدث باسم "يوتيوب" إن المنصة تُعد خدمة بث فيديو وليست شبكة اجتماعية، موضحًا أن المستخدمين يلجؤون إليها لمشاهدة المحتوى وليس للتفاعل الاجتماعي. وأكدت "ميتا" أنها أطلقت أدوات لحماية المراهقين، من بينها التحكم في نوعية المحتوى وتقليل التواصل غير المرغوب فيه، مشددة على أنها ستدافع عن نفسها بقوة أمام القضاء. تداعيات محتملة بمليارات الدولارات يتوقع محللون أن تؤدي هذه الدعاوى إلى تحولات جذرية في طريقة تعامل شبكات التواصل الاجتماعي مع المراهقين في حال صدور أحكام ضدها، وأن التسويات المحتملة قد تصل إلى مليارات الدولارات، في مشهد يعيد للأذهان المعارك القضائية الكبرى ضد شركات التبغ والأدوية في الولاياتالمتحدة. ويقول المحامي بريفين وارن، أحد قادة الدعوى الفيدرالية، إن "ما نراه اليوم هو بداية أكبر هجوم قانوني على صناعة التكنولوجيا في التاريخ الحديث"، مؤكدًا أن الأدلة المنتظرة قد تُحدث تحولًا عميقًا في نظرة المجتمع إلى وسائل التواصل الاجتماعي وعلاقتنا بها.