أمام ظواهر الانتحار والاكتئاب المتكررة بين الأطفال، يعكف البرلمان الفرنسي على دراسة الآثار النفسية لتطبيق تيك توك على الأطفال والمراهقين؛ حيث وضعت المنصة الشهيرة في قلب تلك الاتهامات، والذي يواجه أيضا دعاوى قضائية واتهامات بتسببه في تدهور الصحة النفسية والجسدية للأطفال. وما بين الترويج للانتحار وإيذاء النفس والاضطرابات، تتزايد الاتهامات التي يواجهها التطبيق الصيني العملاق في فرنسا، ووصلت إلى المحاكم الفرنسية، حيث رفعت سبع عائلات فرنسية قضية مشتركة، تتهم تيك توك بالمسئولية من خلال محتواها الذى وصف بأنه ضار بالأطفال والقاصرات. وكشف أحدث تقرير صادر عن المرصد الوطنى للانتحار في فرنسا، عن أن الفتيات المراهقات، هن الأكثر عرضة لتلك الظاهرة؛ حيث تبين أنه من بين أكثر من 77 ألف شخص فوق سن العاشرة دخلوا المستشفى بسبب أفعال انتحارية ذاتية، كان 64٪ منهم من الفتيات الصغيرات. ومن بين الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاما، ارتفع معدل دخول المستشفى، حيث تم إدخال 516 شابة من أصل 100 ألف في عام 2023، مقارنة ب 333 في عام 2025، و بين هذه الفئة من الشابات، تضاعف معدل الانتحار بين عامي 2022 و2025. وتتعرض الفتيات المراهقات بشكل خاص للعنف الجنسي والأوامر الاجتماعية، وهي ظاهرة تفاقمت بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، وبحسب التقرير تلعب هذه المنصات دورًا رئيسيًا في نشر معايير الجمال غير الواقعية، مما يسهم في تدهور الصحة العقلية لدى هؤلاء الأشخاص. محاولات فرنسية متكررة وكانت أولى المحاولات الفرنسية لمواجهة ذلك الأمر، هو القانون الرقمي الصادر في 21 مايو 2024 والذي يدعو إلى تنظيم الفضاء الرقمي من خلال حماية الشباب من المحتوى الخطير، مثل المواد الإباحية والتنمر والاكتئاب والانتحار، ولكن الأمور لم تسر على المستوى المطلوب. وتبين أنه على الرغم من أن الشبكة الاجتماعية العملاقة محظورة رسميًا في فرنسا لمن هم دون سن ال 13 عاما، إلا أن مئات الآلاف من الأطفال الذين تصل أعمارهم إلى 12 عاما أو أقل يمتلكون حسابات على التيك توك، وبحسب لوفيجارو، فإن التطبيق لديه في فرنسا 15 مليون مستخدم شهريا. وكان من بين المحاولات أيضا في فرنسا، كلف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حكومته بكتابة تقرير يتحدث عن مخاطر «الأطفال والشاشات»، وخلص التقرير إلى أن الميزات الخوارزمية يجب اعتبارها مُسببة للإدمان، ويجب حظرها من أي تطبيق فى فرنسا. كما دعا التقرير إلى تقييد وصول القصر دون سن 15 عاما إلى وسائل التواصل الاجتماعي في فرنسا، ووضع بندا إلزاميا للمستخدمين دون سن 14 عاما، والذي يقيد وقت استخدام الشاشة ب 40 دقيقة يوميا، ولا يعرض سوى المحتوى المُعتمد، ولكن في النهاية لم يُعتمد أي من تلك الإجراءات. انتحار وتنمر وكانت من أبرز تلك القضايا التي أحدثت جدلا في فرنسا بسبب التطبيق من بين المراهقين السبعة، انتحار الفتاتين «تشارليز وماري» في سن الخامسة عشرة، بينما حاولت أربع فتيات أخريات الانتحار، في حين عانت واحدة منهن من فقدان الشهية، حيث كانت تلك الإجراءات القانونية هى الأولى من نوعها في أوروبا. الفتاة الفرنسية تشارليز كانت ضحية للتنمر فى المدرسة، وأجرت عمليات بحث تتعلق بمحنتها على المنصة الصينية، وأكدت والدتها، بحسب وسائل الإعلام الفرنسية، أن التطبيق التقط أسلوب عمليات البحث التي قامت بها ابنتها وعرضت عليها محتوى آخر، والذي أصبح أسوأ فأسوأ، حول الاكتئاب وحتى إيذاء النفس. وانتهى الأمر بالفتاة المراهقة التي كانت توصف بالذكية والموهوبة بالانتحار، أما المراهقة ميلي فقضت عامين في مستشفى الطب النفسي للأطفال بعد عدة محاولات انتحار، وكشفت لفرانس إنفو أنها كانت أيضا ضحية للتنمر في المدرسة على تطبيق تيك توك، الذي اكتشفته في سن الرابعة عشرة. كانت الطفلة تبحث عن المحتوى الذي يتحدث عن الأغاني الحزينة، وفي موجز التوصيات الخاص بها فوجئت بمقاطع فيديو تحرض على إيذاء النفس أو الانتحار، وهو ما شجعها على إنهاء حياتها من خلال تقديم نصائح حول كيفية شراء الأدوية أو ما يجب استخدامه لإيذاء نفسي. وأكدت محامية العائلات السبع؛ قضيتهم تستند إلى أدلة دامغة، وأن الشركة الأم لم تعد قادرة على التستر وراء ادعاء أنها ليست مسئولة لأنها لا تُنشئ المحتوى، وجاء في الدعوى القضائية أن خوارزمية تيك توك مصممة لإيقاع المستخدمين الضعفاء في دوامة من اليأس لتحقيق الربح، وطالبت بتعويضات للعائلات. كما قررت أربع عائلات فرنسية رفع دعوى قضائية ضد موقع التواصل الاجتماعي تيك توك نهاية العام الماضي، ومن بين الأربع قضايا، اثنتان منها تتعلقان بمراهقتين تتراوح أعمارهما بين 12 و16 عاما انتحرتا بسبب الاكتئاب، وهو ما جعل الأمر يسبب مخاوف متزايدة حول دور وسائل التواصل الاجتماعى فى هذه الظاهرة. أوروبا والتطبيق الصينى وعلى المستوى الأوروبي، لم تكن الاتحادات والمسئولين الأوروبيين، بعيدين عن مواجهة المخاطر التى يمكن أن يكون التطبيق سبب فيها بسبب سياسته، والذي يمتلك وحده أكثر من 135 مليون مستخدم نشط شهريا في الاتحاد الأوروبي، ولذلك قررت أوروبا تصنيفها كمنصة إلكترونية ضخمة جدًا في 25 أبريل 2023. ذلك الأمر جعل التطبيق يخضع لقانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي، بحسب لوموند الفرنسية، ولذلك كان عليه الالتزام ولسلسلة من الالتزامات المنصوص عليها في قانون الخدمات الرقمية، الذي يهدف في الأساس لحماية القاصرين والمراهقين على الإنترنت. ومن أبرز الصراعات التي دخلها الاتحاد الأوروبى مع التطبيق الصينى العملاق، عندما فتحت المفوضية الأوروبية تحقيقًا، يتعلق بمخاوف السلامة على الأطفال، بعد إطلاق تيك توك ميزة تعطي المستخدمين مكافآت على مشاهدة مقاطع الفيديو والإعجاب بها على تطبيقها الجديد لايت. وحذر الاتحاد الأوروبى من أن ميزة المكافآت قد تُسبب الإدمان وإلحاق ضرر جسيم بالصحة العقلية للمستخدمين، بما في ذلك القاصرين، وهددت بروكسل بفرض تدابير مؤقتة بما في ذلك تعليق البرنامج، وفرض غرامات ضخمة، ومنحت الشركة مهلة لتقديم الرد، وهو ما انتهى بإزالة تلك الميزة نهائيا. وواجهت الشبكة الاجتماعية الصينية تداعيات سياسية أيضا، ناجمة عن الادعاء بأن الإفراط في استخدام الشاشة يضر بالصحة النفسية للمراهقين، وفي محاولة للامتثال والحد من التدقيق الذي يخضع له التطبيق، أعلن عن إطلاق ميزة فى الاتحاد الأوروبى وبعدها الولاياتالمتحدةالأمريكية، ستسمح للآباء بتحديد الوقت الذي يقضيه أبناؤهم المراهقون على التطبيق. وتتيح تلك الميزة للآباء تحديد أوقات أو فترات زمنية لاستخدام تيك توك، كما سيتم تقديم وظيفة «التأمل» للأطفال دون سن 16 عاما بعد الساعة العاشرة مساءً، حيث تقترح تمارين الاسترخاء مصحوبة بموسيقى مهدئة - على الرغم من أنه يمكن للمراهقين إيقاف تشغيل هذه الميزة. الآثار النفسية وأمام ذلك الضغط الشعبي حول الظواهر التي يمكن أن يكون التطبيق سببًا فيها، وافق المشرعون الفرنسيون على تشكيل لجنة تحقيق لدراسة الآثار النفسية لتطبيق تيك توك على الأطفال والمراهقين، والذي يهدف إلى التأكد من أمر واحد فقط مهم وفقا لمقدمي الإقتراح فى البرلمان الفرنسى. ويهدف التحقيق إلى تحديد ما إذا كان التطبيق يشجع السلوك الإنتحاري وإيذاء النفس، الذى يؤدي إلى الإنتحار، أو ما إذا كان يضخم من توافر المحتوى المفرط في الإباحية، والذى قد يسهم في تطور الاضطرابات لدى فئات مختلفة من الأطفال وخاصة الفتيات المراهقات. وحظي قرار إنشاء اللجنة بدعم من مختلف الأحزاب فى التصويت الذى جرى الخميس الماضي فى الجمعية الوطنية، ويرى المشرعون الفرنسيون، أن سياسة تعديل المحتوى لدى تطبيق تيك توك، تعد الأكثر غموضًا والأقل فعالية، من بين جميع منصات التواصل الاجتماعى. ولن تكون تلك اللجنة قادرة على التحقيق في القضايا الجارية ضد التطبيق في المحاكم الفرنسية، ولكنها في الوقت ذاته سيحاول أعضاؤها الإجابة على مجموعة من الأسئلة من أهمها التأكد من وضع التطبيق في متناول الأطفال والمراهقين مقاطع فيديو متعلقة بالانتحار، وتشجيعه على الانتحار وإيذاء النفس من عدمه، بجانب البحث في تضخيمها للمحتوى المفرط فى العلاقات الاجتماعية بين الشباب والفتيات. اقرأ أيضا: منتصف يونيو| الموعد النهائي لإتمام صفقة انفصال تيك توك في الولايات المتحدة