بدا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو واثقًا مساء الاثنين بعد مغادرته البيت الأبيض مباشرة، حيث قبل خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة. وقال نتنياهو في مقطع فيديو نشره على وسائل التواصل الاجتماعي: "الآن العالم بأسره، يضغط على حماس لقبول الشروط التي وضعناها معًا مع ترامب، لإعادة جميع الأسرى – الأحياء والأموات – بينما يبقى الجيش الإسرائيلي في معظم أنحاء القطاع". وأضاف نتنياهو بالعبرية بلهجة المنتشي: "من كان ليصدق ذلك؟!". كان نتنياهو يحاول بطبيعة الحال تصوير رحلته بشكل إيجابي أمام قاعدته في الداخل، وسط عناوين الصحف في وقت سابق من اليوم التي ركزت على اعتذاره لرئيس الوزراء القطري محمد عبدالرحمن آل ثاني عن الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قيادة حماس في الدوحة. ويبدو أن نتنياهو تمكن من ضمان تغييرات كبيرة في اللحظة الأخيرة على مقترح ترامب تتعلق بنطاق وطبيعة انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، إلى جانب نزع سلاح حماس. وهما القضيتان التي يمكن القول إنهما الأكثر حساسية في مجمل المفاوضات. كان مطلب حماس المركزي منذ بداية الحرب انسحاب إسرائيل الكامل من غزة مقابل الأسرى. لكن وعلى الرغم من أنها أعربت عن استعدادها للتخلي عن السيطرة الإدارية على غزة، فإن التخلي عن أسلحتها كان خطًا أحمر، إذ تدرك أنها أساسية للحفاظ على قدر من النفوذ داخل القطاع. معايير للانسحاب سعت الولاياتالمتحدة لمعالجة كلتا القضيتين، لكنها فعلت ذلك بشكل غامض إلى حد ما في النسخة من مقترحها للسلام في غزة التي قدمتها لشركائها العرب والمسلمين الأسبوع الماضي. النقطة 3 من الخطة التي كانت آنذاك من 21 نقطة نصت على أن "قوات الاحتلال الإسرائيلي ستنسحب إلى خطوط القتال كما كانت عند تقديم مقترح المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف للتحضير لإطلاق سراح الأسرى. لم تحدد أي مقترح لويتكوف، رغم أن هناك عدة مقترحات. لكن النسخة المحدثة التي نُشرت يوم الإثنين، من البيت الأبيض نصت على أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ستنسحب إلى الخط المتفق عليه. لم يتم التوسع في ذلك أيضًا، لكن نتنياهو أشار إلى خريطة جديدة أُدرجت في النسخة المحدثة تُظهر ثلاث مراحل لانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من غزة. وكما ذكر نتنياهو في مقطع الفيديو الخاص به، تُظهر الخريطة أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ستتمكن من البقاء في معظم أنحاء قطاع غزة حتى بعد الانسحاب الأول للجيش استعدادًا لإطلاق سراح جميع الأسرى. وسيكون بإمكانها بعد ذلك البقاء في تلك المواقع حتى تكون قوة الاستقرار الدولية (ISF) المؤلفة من دول عربية وإسلامية مستعدة للانتشار والعمل بشكل كامل لنزع سلاح حماس، بحسب ما تنص عليه الخطة. حتى بعد المرحلة الثانية من الانسحاب، ستبقى قوات الاحتلال الإسرائيلي في أكثر من ثلث القطاع، وفقًا للخريطة. أما الانسحاب الثالث فسيُخرج آخر القوات من غزة، لكن الخريطة تُظهر أن منطقة عازلة أمنية ستُقام على طول محيط القطاع بأكمله، وهو مطلب إسرائيلي آخر يتذرع بالحاجة لتقليل خطر تكرار ما حدث في 7 أكتوبر. النقطة 16 من الخطة الأمريكية الأصلية نصت ببساطة على أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ستسلم تدريجيًا الأراضي في غزة التي تحتلها. لكن النسخة المحدثة تضيف سطرين آخرين يصبان في مصلحة إسرائيل، حيث تنص على أن جيش الاحتلال سينسحب بناءً على معايير ومعالم زمنية مرتبطة بنزع السلاح يتم الاتفاق عليها بين الجيش الإسرائيلي وقوة الاستقرار الدولية والضامنين والولاياتالمتحدة. عمليًا، سيسلم جيش الاحتلال تدريجيًا الأراضي التي يحتلها في غزة إلى قوة الاستقرار الدولية وفقًا لاتفاق يبرمونه مع السلطة الانتقالية، لكنه سيبقى موجودا في طوق أمني يلف القطاع كله، حتى تضمن تل أبيب أن "غزة أصبحت مؤمنة ولا تشكل خطرا عليهم". شروط نزع السلاح في قضية نزع السلاح أيضًا، تمكن نتنياهو من تأمين تغييرات بارزة بعد اجتماعين مطولين مع المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف وكبير المستشارين جاريد كوشنر في فندقه في نيويورك يومي الخميس والأحد. ففي حين أن النسخة الصادرة الأسبوع الماضي، منحت عفوًا ل "أعضاء حماس الذين يلتزمون بالتعايش السلمي"، فإن الخطة التي نُشرت الاثنين أضافت أن هؤلاء الأعضاء يجب عليهم أيضًا "التخلي عن أسلحتهم". النقطة 13 من الخطة نصت في الأصل على أنه: "سيكون هناك التزام كامل بتدمير ووقف بناء أي قدرات عسكرية هجومية". لكن النسخة المحدثة توسعت بشكل أكبر في القضية، حيث نصت على أن "جميع البنى التحتية العسكرية والهجومية، بما في ذلك الأنفاق ومرافق إنتاج الأسلحة، سيتم تدميرها ولن يُعاد بناؤها". كما سيكون هناك عملية لنزع سلاح غزة تحت إشراف مراقبين مستقلين، وستشمل وضع الأسلحة بشكل دائم خارج الخدمة من خلال عملية متفق عليها للتفكيك، ومدعومة ببرنامج شراء وإعادة دمج ممول دوليًا، يتم التحقق منه من قبل المراقبين المستقلين، بحسب ما نصت عليه الخطة التي أُعلنت يوم الإثنين. ومن جانبه، قال دبلوماسي من إحدى الدول الوسيطة لصحيفة تايمز أوف إسرائيل، إن القادة العرب والمسلمين حصلوا على وقت مهم مع ترامب الأسبوع الماضي، خلال اجتماع متعدد الأطراف على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن نتنياهو تمكن من الحصول على "الكلمة الأخيرة"، مما أقنع واشنطن بإجراء تغييرات إضافية على الخطة في وقت كان من الصعب عليهم التدخل فيه. كما أن حديث نتنياهو الأخير مع ترامب سمح له بتأمين نوع من التنازل من الرئيس الأمريكي عندما أشار الأخير إلى "معارضته المفهومة لدولة فلسطينية" – وهو ما أضعف جزئيًا المقترح الذي يتصور مسارًا نحو إقامة دولة فلسطينية، حتى وإن كان ذلك المسار بعيدًا عن أن يكون حتميًا. وقال الدبلوماسي العربي للصحيفة العبرية، إنه سيكون من الصعب على مصر وقطر إقناع حماس بقبول المقترح الأمريكي كما هو، نظرًا لأنه سيجبر الجماعة المسلحة على التخلي عن كل أوراق ضغطها من خلال إطلاق سراح جميع الأسرى المتبقين في أول 72 ساعة من الصفقة، بينما لا تحقق في المقابل سوى انسحاب جزئي جدًا للقوات الإسرائيلية في البداية. وأضاف الدبلوماسي، أنه من المرجح أن يستغرق الأمر عدة أيام على الأقل قبل أن ترد حماس، وعندها ستحاول تقديم تعديلات خاصة بها، كما فعل نتنياهو. لكن في الماضي، طالب ويتكوف بأن تقبل حماس مقترحاته كما هي. ويأمل المسؤولون الأمريكيون في الحصول على رد من حماس قبل نهاية الأسبوع، رغم أن ترامب لم يطرح موعدًا نهائيًا محددًا. وقال ويتكوف في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" يوم الإثنين، إن خطة ترامب تحظى بدعم واسع في الشرق الأوسط وأوروبا. وأضاف: "لدينا تأييد كبير. هل ما زالت هناك بعض التفاصيل التي يجب تسويتها؟ نعم. لكن كما تعلمون، الرئيس ترامب... سيدفع الجميع نحو ذلك".