قال الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، إن أمر تحسين الأحوال المادية للأئمة أوشك على الانتهاء، خاصة أن الوزارة رصدت بواقعية عمل بعض الأئمة في مهن لا تليق. وأضاف الأزهري في حوار لمصراوي، أود توجيه رسالة للرئيس عبدالفتاح السيسي، بأننا له سند وظهر، وأننا جميعًا نصطف ونتحد على قلب رجل واحد في هذه الحقبة العصيبة من تاريخ المنطقة والعالم، وإلى نص الحوار: نبدأ من لحظة توليكم المنصب، من الذي أرسل لكم أول رسالة، وما فحواها؟ حين صدر قرار التكليف، غمرتني رسائل التهنئة والدعاء من مختلف العلماء والأصدقاء والتلاميذ، بل ومن أبناء مصر من شتى المحافظات، وتذكرت نصائح والدي لي كلما خطوت خطوة في حياتي، الذي كان يقول لي تذكر دائمًا أن هذه أمانة ثقيلة، فارفع رأسك بها إلى الله وحده، وأدها على الوجه الذي يرضيه"، فاستحضرت تلك المعاني بوصفها الرسالة الأولى لي بعد تولي الأمانة. ما الشيء الذي لفت نظركم في أول مرة وصلتم فيها وزارة الأوقاف؟ ما لفت نظري هو حجم المسئولية الملقاة على عاتق هذه الوزارة؛ فهي ليست مجرد مؤسسة إدارية، بل هي قلب نابض للخطاب الديني، وصوت من أصوات مصر الحضارية، وأمينة على الوقف الذي هو مال الله؛ فأدركت منذ اللحظة الأولى أن البناء هنا يجب أن يقوم على ركيزتين: الارتقاء بالعنصر البشري في مجالي الدعوة وإدارة الوقف، وتطوير أدوات الدعوة بما يناسب عصرنا. هل كان يتمنى د. أسامة الأزهري يومًا ما أن يصبح وزيرًا للأوقاف؟ لم يخطر ببالي يومًا أن أتولى هذا المنصب، لكنني آمنت دائمًا أن خدمة الدين والوطن تكليف لا تشريف، وأن الله إذا كتب لعبدٍ أن يحمل أمانةً فإنه يوفقه ما دامت النية خالصة لله، والعزم متقد للعمل. - الناس تودّ أن تعرف ماذا تغيَّر في وزارة الأوقاف بعد مرور ما يقرب من عام على توليكم المنصب؟ الحمد لله، نستطيع أن نقول إن الوزارة قطعت خطوات ثابتة في عدة مسارات: أطلقنا برامج تدريبية متقدمة للأئمة في أكاديمية الأوقاف الدولية، تشمل: علوم الشريعة واللغة، بجانب مهارات التواصل والإعلام. وعزَّزنا المنظومة الرقمية للوزارة، فانتقلنا إلى اعتماد المنصات الإلكترونية في التقديم للمسابقات والبرامج التدريبية؛ ضمانًا للنزاهة والشفافية، بالتعاون مع الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة؛ وأطلقنا المنصة الرقمية التي يرتجى لها أن تكون من أكبر منصات العالم الدينية في غضون عامين، وارتقينا قدر المستطاع بالأحوال المادية للأئمة والخطباء، وتعمقنا في إقامة الشراكات المؤسسية مع مختلف مؤسسات الدولة والقطاع المدني، ووسّعنا من نطاق القوافل الدعوية لتصل إلى القرى والنجوع والمناطق الحدودية، بالتعاون مع الأزهر ودار الإفتاء. كما حرصنا على أن يكون المسجد مركزًا إشعاعيًّا جامعًا، يجمع بين العبادة والعلم والتربية وخدمة المجتمع. - كيف وجدتم حال الأئمة والخطباء فيما يخص الجانب المادي والدعوي بعد توليكم المنصب؟ الأئمة هم جنود هذا الوطن في محراب الكلمة الطيبة، وقد وجدتهم أهل همة وصبر، ومن الناحية المادية فنحن نسعى مع مؤسَّسات الدولة كافة لمزيد من الارتقاء بأحوالهم المعيشية؛ بما يليق برسالتهم، أما الدعوي، فقد وجدت فيهم استعدادًا كبيرًا للتطور، وقد بادروا بالاستفادة من الدورات التدريبية، وهذا يبعث على التفاؤل بمستقبل الدعوة؛ علمًا بأنن نقدم لهم زادًا معرفيًا مجانيًا ضخمًا عبر المنصة الرقمية الجديدة. يلاحظ البعض أن بعض الأئمة يعملون في مهن لا تليق بمكانتهم.. كيف ترون ذلك؟ هذا أمر نرصده بواقعية، وندرك أن سببه في كثير من الأحيان هو الضغوط المادية؛ لذا، فإن تحسين أحوال الإمام هو أولوية قصوى، حتى يتفرغ لرسالته، ولا ينشغل بمهن جانبية تنتقص من وقاره أو تلتهم وقت الاستزادة المعرفية، وقد بدأنا بالفعل خطوات في هذا الاتجاه، أوشكت على الانتهاء، والمسألة ليست بيد الأوقاف وحدها، لذا يلزمه مزيد من التنسيق والعمل. ما هي طموحاتكم للأئمة ماديًا ودعويًا؟ - طموحي أن يصبح الإمام المصري قدوة فكرية وروحية، ميسور الحال، مرفوع الرأس، يجد في محرابه السند والرعاية. نعمل على تمكينه ماديًّا، عبر تحسين دخله، وتمكينه علميًّا عبر التدريب المستمر، وتمكينه مجتمعيًّا عبر إشراكه في المبادرات الوطنية. ما هو الشيء الذي يفتقده الإمام كي يكون إمامًا عصريًا؟ الإمام العصري يحتاج إلى أدوات جديدة بجانب علومه الشرعية: مهارة الخطاب الإعلامي، والقدرة على التفاعل مع الشباب بلغتهم، والإلمام بقضايا العصر، والانفتاح على أدوات التكنولوجيا؛ لذلك جعلنا هذه العناصر ضمن برامج التدريب. ماذا عن خطباء المكافأة؟ ننظر إليهم باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من المنظومة الدعوية، وقد فتحنا لهم أبواب التأهيل والتدريب، ونحرص على أن يتم اختيارهم وفق معايير منضبطة، حتى يكونوا سندًا للأئمة في توسيع دائرة الرسالة الدعوية. ونسعى لهم أيضًا في مسار تحسين الأوضاع المالية. هل هناك مسابقات قريبة سواء فيما يخص "الأئمة أو العمال"؟ المسابقة الأحدث للأئمة والخطباء التي جرت بالتنسيق مع الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة انتهت بالفعل منذ نحو ثمانية أشهر، بعد أن خضع آلاف المتقدمين لاختبارات إلكترونية دقيقة ومقابلات شخصية، ثم أُعلنت النتائج النهائية وفُتح باب التظلمات وأُغلق الملف بشكل كامل، أما الآن فنحن في الوزارة بصدد الإعداد لمسابقة تكميلية تستهدف سد الشواغر المتبقية من إجمالي الوظائف المقررة، والتي بلغت ثلاثة آلاف وظيفة إمام وخطيب ومدرس، ومن المنتظر أن يتم الإعلان عنها قريبًا عبر بوابة الوظائف الحكومية، هذا فضلاً عن فتح الباب بإعلان جديد لاجتذاب خطباء مكافأة على بند التحسين، و نحرص دائمًا على أن تكون عملية الاختيار دقيقة وشفافة، بما يتيح لأصحاب الكفاءة الحقيقية أن يجدوا موقعهم في محراب الدعوة؛ خدمةً للدين والوطن، وتعزيزًا لدور الإمام في بناء وعي الأمة. - لاحظنا سعيكم الحثيث لفتح صفحة جديدة من التعاون بين المؤسسات الدينية.. إلى أي مدى وصل هذا التعاون.. وما ثمرته حتى الآن؟ الحمد لله، نحن اليوم أمام صفحة جديدة ومشرقة من التعاون بين المؤسسات الدينية، يقوم على التكامل لا التنافس، وعلى توحيد الجهود في خدمة رسالة الإسلام السمحة، فقد انطلقت أول قافلة دعوية مشتركة بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء إلى شمال سيناء في 29 من نوفمبر 2024م؛ حيث اجتمع العلماء والوعاظ وأمناء الفتوى في رسالة واحدة محورها "الحياء"، باعتباره شمس الأخلاق ودُرّة الفضائل، كما جرى تنظيم لقاءات دولية واسعة، من أبرزها زيارة إلى ماليزيا في فبراير 2025م، تباحثنا خلالها حول تدريب الأئمة والدعاة وتطوير الخطاب الديني، في إطار تعاون ديني وثقافي بين البلدين، ثم جاء التنسيق مع قادة دينيين في الجزائر والإمارات في أغسطس 2025م، حيث ناقشنا سبل مواجهة التطرف وتعزيز ثقافة التسامح والتعايش، وبهذه الخطوات العملية أصبح التعاون بين الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء واقعًا ملموسًا، تُترجمه مبادرات وبرامج دعوية وعلمية مشتركة، تُسهم في نشر خطاب وسطي مستنير، وترسيخ الوحدة الدينية والفكرية داخل مصر وخارجها. والتعاون والتشاور لا يتوقفان، وليس أدل على ذلك من تسيير القوافل المشتركة بصفة أسبوعية تقريبًا، والحرص على استمرار المنابر الثابتة المشتركة، علاوة على آفاق التعاون في مجالات أخرى. - البعض لاحظ منذ توليكم المنصب عدم صعود المنبر وإلقاء خطبة الجمعة مثلما كان يحدث قبل ذلك.. ما سبب ذلك؟ المنبر هو أشرف مقام، وقد وقفت عليه سنوات طويلة، أما اليوم، فأرى أن دوري الأكبر هو تمكين الآلاف من الأئمة ليقوموا بهذه الرسالة، فوجودي خلفهم داعمًا وموجّهًا أعمقُ أثرًا من اقتصار الخطاب عليّ وحدي، ولعلي أعود قريبًا إلى المنبر. بعيدًا عن المنصب والأمور الرسمية.. كيف يبدأ اليوم العادي لوزير الأوقاف؟ أبدأ يومي قبل الفجر بوردٍ من القرآن والأذكار، ثم صلاة الفجر، بعدها أخصص وقتًا للقراءة والاطلاع، ويوم العمل يبدأ مبكِّرًا في الوزارة، ويستمر في متابعة الملفات حتى المساء، بين مقابلات، واجتماعات، وزيارات ميدانية، والحمد لله على فضله وتوفيقه؛ فالعمل لا ينتهي، والجهود المطلوبة فوق الطاقة، لكن العزم ماضٍ واليقين في الله بلا حدود. ماذا يمارس وزير الأوقاف في وقت فراغه إن وُجد؟ لا يوجد وقت فراغ؛ ولكني أعود إلى القراءة والكتابة، فهي زادي وراحتي، كما أحرص على قضاء وقت مع أسرتي وأولادي. هل تتابعون كرة القدم أو رياضة أخرى؟ وهل لديكم تواصل مع لاعبي الكرة؟ أتابع كرة القدم على فترات، وأحترم الجهد الوطني الذي يبذله لاعبونا، وقد التقيت ببعض الرياضيين في مناسبات عامة، وعلاقتي بهم تظل في إطار الاحترام والتقدير، وأنا بطبيعتي رياضي، وظللت أمارس الرياضة بانتظام حتى تولي مسئولية الوزارة. تجربة محمد صلاح كيف ترون تجربة محمد صلاح لاعب ليفربول؟ محمد صلاح نموذج ملهم، رفع اسم مصر عاليًا، وجمع بين الاحترافية والالتزام بالقيم، تجربته رسالة لشبابنا أن النجاح يحتاج إلى جهد متواصل وصبر؛ ويتطلب أيضًا التحلي بأخلاق القدوة. مَن مِن الكتَّاب الذين تقرأون لهم باستمرار؟ أقرأ للتراث الأصيل: الغزالي، الرازي، ابن عاشور، وللمعاصرين من رواد الفكر الإسلامي؛ كالعقاد وعبد الوهاب المسيري، وأحرص دائمًا على التنوع بين علوم الدين والفكر والفلسفة والعلوم الإنسانية، ولا أستبعد مجالا من مجالات العلم من دائرة الاطلاع. - مَن الشخصيات التي أثّرت في تكوين شخصية د. أسامة الأزهري؟ ومَن القدوة منذ الصغر؟ أثَر فيّ كثيرًا مشايخي في الأزهر الشريف، وفي مقدمتهم سيدي الدكتور علي جمعة، كما تأثرت بوالدي الذي رباني على حب العلم، أما قدوتي الكبرى منذ الصغر فكانت شخصية النبي -صلى الله عليه وسلم-، الذي وجدت فيه المنهج الكامل للإنسانية. رسالة للرئيس السيسي والأمة والأئمة - إذا أردتم أن توجهوا عدة رسائل.. ما هي ولمن؟ رسالتي الأولى لشباب مصر: أنتم الأمل والمستقبل، فاستمسكوا بالقيم والعلم والعمل. رسالتي الثانية للأئمة: أنتم حراس الوعي، فاصبروا وواصلوا حمل الأمانة؛ وأنا لكم سند وخادم. رسالتي الثالثة للعالم كله: الإسلام دين رحمة وعدل، ومصر ماضية في أداء رسالتها الحضارية لنشر السلام. أما رسالتي الجامعة فهي للرئيس عبد الفتاح السيسي؛ أننا له سند وظهر، وأننا جميعًا نصطف ونتحد على قلب رجل واحد في هذه الحقبة العصيبة من تاريخ المنطقة والعالم.