في ظل تصاعد الأوضاع الإنسانية والسياسية في قطاع غزة، شهدت مواقف القوى الأوروبية الكبرى مثل بريطانياوفرنساوألمانيا تغيرات ملحوظة تجاه الأزمة، انعكست في خطوات دبلوماسية حازمة واتجاه متزايد للاعتراف بالدولة الفلسطينية. هذا التحول جاء بعد سنوات من التردد والتنسيق مع الإدارة الأمريكية، التي بدا أن دورها بدأ يتراجع، وسط استمرار التصعيد الإسرائيلي ورفض رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لتخفيف حدّة المواجهات وعزمه احتلال كامل قطاع غزة. ضغط الشعوب يدفع الحكومات للتحرك وبحسب تقرير لصحيفة "ذا نيويورك تايمز"، التقى المستشار الألماني فريدريش ميرز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر باروكي ببرلين يوم الثالث والعشرين من يوليو الجاري، حيث أبلغ ماكرون ميرز بأنه يواجه ضغوطاً كبيرة داخلية تدفعه نحو الاعتراف بدولة فلسطينية في الأممالمتحدة نهاية سبتمبر. ورغم أن ميرز كان متحفّظاً على توقيت هذه الخطوة، أعلن ماكرون قرار فرنسا علناً في اليوم التالي، مؤكدًا أن الاعتراف يعكس "التزام فرنسا بالسلام العادل والدائم"، وكانت هذه الخطوة جزءًا من نشاط دبلوماسي أوروبي متسارع انطلق بعد انتشار صور مؤثرة لأطفال يعانون الجوع في غزة، وتزامن مع عزم بريطانيا الاعتراف بالدولة الفلسطينية عبر رئيس وزرائها كير ستارمر. تعارض الرغبات بين أوروبا وواشنطن بشأن الوضع في غزة ووفقا للصحيفة فقد شكل هذا التحرك الأوروبي انفصالاً واضحاً عن إدارة ترامب، وعبّر عن إلحاح قوى أوروبية في دفع جهود السلام بعدما بدا أن الولاياتالمتحدة تخلت عن دور قيادي في الملف الفلسطيني، إضافة إلى تعنت نتنياهو الذي رفض دعوات أوروبا للسلام وقرر توسيع العمليات العسكرية في غزة، ما دفع ألمانيا إلى تعليق شحنات الأسلحة. في بريطانيا، جاء القرار بعد إدراك ستارمر ووزير خارجيته ديفيد لامي أن النقاشات الطويلة بشأن الاعتراف بفلسطين وصلت إلى نقطة تحول مع تفاقم الأزمة الإنسانية، ورغم تحفظات سابقة، أقر لامي بأن الاعتراف الرمزي بفلسطين أصبح ضرورة تعبيرية سياسية. وعلى الصعيد الفرنسي، فقد نفد صبر ماكرون من عدم قدرة إسرائيل على ضبط عملياتها العسكرية أو التخطيط لما بعد الحرب، خاصة في ظل تجاهل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحل الدولتين، كما سعت باريس لتقديم دعم ملموس للدول العربية الراغبة في إحلال السلام. وحسب تقرير الصحيفة، فإن ألمانيا كانت أقل ميلاً للاعتراف في البداية بسبب تاريخها وحلفائها، لكن المستشار ميرز انضم إلى الجهود الأوروبية، وشارك في إصدار بيان مشترك مع فرنساوبريطانيا يدعو إلى إنهاء الحرب وإطلاق سراح الأسرى ونزع سلاح حماس وتدفق المساعدات، مع رفض الخطط الإسرائيلية لضم المزيد من الأراضي. هل تنجح أوروبا في إحداث تغيير رغم هذه التحركات الأوروبية القوية، يظل الوضع على الأرض مأساويًا، حيث استشهد عشرات آلاف الفلسطينيين، فيما تستمر المواجهات دون توقف، ومع رفض نتنياهو الدعوات الأوروبية، تعكس هذه المواقف الأوروبية تصاعد الغضب الدولي ومحاولة تقديم مبادرات جديدة للتفاوض، رغم الغموض حول إمكانية تحقيق أي تقدم فعلي. ويرى دبلوماسيون كبار أن الضغط على إسرائيل يحتاج دعمًا أمريكيًا قويًا، وهو ما لم يظهر بوضوح حتى الآن، ومع ذلك، يرى الأوروبيون أن التوقف عن المحاولة ليس خيارًا، رغم إحباطهم من المواقف الرافضة من تل أبيب وواشنطن. في النهاية تظل أوروبا على المحك في اختبار قدرتها على تحريك المياه الراكدة في صراع طال أمده، في ظل تحديات إنسانية وأمنية معقدة، ومحاولات لإعادة بناء مسار السلام عبر مبادرات دبلوماسية قد تغير مواقف القوى الفاعلة أو تعيد تشكيلها من جديد لإنهاء المأساة والمروعة في قطاع غزة.