لا تزال محاولات التوصل لاتفاق ينتهي بوقف إطلاق النار في قطاع غزة مستمرة وذلك مع اقتراب الحرب على دخول عامها الثاني، إلا أن جميع أوراق التفاوض السابقة لم تجد نفعًا في التوصل لحل نهائي. ومع ذلك يبدو أن ورقة جديدة قد ظهرت في الملف التفاوضي وتم الحديث عنها خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية. تمحورت الورقة الجديدة، حول الملف السوري، الذي ظهر كورقة مساومة جديدة في معادلة التهدئة، وذلك مع كشف صحيفة "إسرائيل هيوم" الإسرائيلية، أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب يمارس ضغوطًا مباشرة على بنيامين نتنياهو للموافقة على إنهاء الحرب، مقابل صفقة أوسع تتضمن تطبيعًا تدريجيًا للعلاقات بين إسرائيل وسوريا. وبحسب ما نقلت الصحيفة العبرية، عن مصادر مقربة من البيت الأبيض، أرسل ترامب مبعوثًا خاصًا إلى دمشق بهدف تمهيد الطريق لاتفاق سلام بين الطرفين، تكون الولاياتالمتحدة ضامنًا له، وهو ما أكده وعلى نحو غير معتاد، بنيامين نتنياهو، الذي أعلن عن فتح قناة اتصال جديدة مع الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، وذلك في مؤشر واضح على تحولات دراماتيكية في مواقف الطرفين. ماذا قال نتنياهو بشأن سوريا؟ خلال لقائه بترامب في البيت الأبيض للمرة الثالثة خلال زيارته لواشنطن أمس الاثنين، كشف بنيامين نتنياهو، عن فتح قناة اتصال جديدة بين دمشق و تل أبيب، معتبرًا ذلك خطوة باتجاه فرصة سلام بين البلدين. وخلال تصريحاته، أشار نتنياهو، إلى أن انهيار نظام بشار الأسد ساهم في خلق واقع أمني جديد في سوريا، بما يفسح المجال لما وصفه ب"فرصة للتقارب والاستقرار". وقال نتنياهو: "في السابق، كانت إيران تمسك بزمام الأمور في سوريا عبر حزب الله اللبناني، لكن اليوم، باتت طهران خارج اللعبة، وحزب الله في وضع لا يُحسد عليه". وأضاف: "هذه التحولات فتحت الباب أمام الاستقرار وربما السلام، خاصة في ظل مبادرة الرئيس السوري الجديد". ورفض نتنياهو التعليق على وجود محادثات مباشرة بين إسرائيل والنظام السوري الحالي، لكنه شدد على أن "السوريين سيخسرون الكثير إذا عادوا إلى دوامة الصراع، وسيربحون كثيرًا إذا اختاروا طريق السلام". من جانبه كشف دونالد ترامب أن نتنياهو طلب منه رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مشيرًا إلى أن هذا المطلب جاء أيضًا من عدة دول في الشرق الأوسط. وقال ترامب: "رفعت العقوبات عن سوريا بناءً على طلب عدد من الحلفاء في المنطقة، من بينهم نتنياهو. التقيت بالرئيس الشرع وأُعجبت به كثيرًا". وأضاف: "قال لي أحدهم إن الرجل ينتمي إلى بيئة صعبة، فأجبته أن هذا أمر متوقع في منطقة مليئة بالتحديات. ومع ذلك، رأيت فيه شخصية تستحق أن تحصل على فرصة". وأوضح ترامب أن العقوبات الأمريكية كانت تمنع سوريا من التقدم، مؤكدًا: "منحناهم هذه الفرصة لأنهم لم يكونوا يملكون أي أفق في ظل الحصار الاقتصادي". من جانبها، أكدت سوريا، عبر تصريحات رسمية وشبه رسمية، استعدادها للعودة إلى اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، والتعاون مع الولاياتالمتحدة في هذا الشأن، في وقت تحدث فيه مسؤولون أمريكيون عن "انطلاق حوار سياسي وأمني مباشر" بين الطرفين. تفاصيل المقترح الأمريكي وأهدافه تتجاوز التحركات الأمريكية مجرد محاولة لوقف إطلاق النار في غزة، بل تمتد لصياغة إطار دبلوماسي إقليمي جديد، وذلك بحسب ما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، التي قالت، إن إدارة ترامب تعمل على حزمة تشمل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين من قطاع غزة، ووقف العمليات العسكرية، وتطبيع جزئي بين إسرائيل وسوريا، ضمن "صفقة سلام إقليمية" يُفترض أن تُنعش روح اتفاقات أبراهام. وأضافت الصحيفة الأمريكية، أن المزاج لحالي لنتنياهو وربما نتنياهو أيضًا فتح الباب أمام باب التطبيع مع دول جديدة في المنطقة، وإحياء اتفاقيات أبراهام من جديد التي نجح ترامب في ضم عدد من الدول إليها في ولايته الأولى لكنه يطمح لضم دول جديدة لها وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وسوريا ولبنان. وفي تصريحاته ل "واشنطن بوست" قال الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسرائيل زيف، الرئيس السابق لشعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي، إن نتنياهو لن يحظى بفرصة أفضل من تلك التي أتيحت له بعد نجاح الهجوم على إيران، والتي ستتلاشى مع مرور الوقت، داعيًا رئيس الوزراء الإسرائيلي، لعقد نوع من الاتفاق الإقليمي مع سوريا، وبدء مسار مع السعودية، واستعادة الأسرى لما من شأنه أن يمنحه أفضلية قبل بدء الانتخابات. من جانبه، قال مسؤول إماراتي رفيع المستوى، للصحيفة الأمريكية، إنه يتوجب على ترامب استغلال الفرصة الحالية بعد الهجمات الأخيرة على إيران، والتوصل لاتفاق سلام يشمل غزة وما بعدها، داعيًا ترامب، للذهاب نحو ما وصفها ب "الجائزة الكبرى" وذلك مع وقوف المنطقة أمام نقطة نقطة تحول تاريخية بحسب تعبيره. ولتحقيق هدف التطبيع، قررت واشنطن رفع تصنيف "هيئة تحرير الشام" من قائمة الإرهاب – وهي الجماعة التي كان يرأسها الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع قبل توليه الحكم – ما عُد إشارة سياسية تجاه النظام الجديد في دمشق، بحسب موقع "إسرائيل 24 نيوز" العبري. لكن هذا التطبيع ليس بلا شروط ولا يضمن غزة فقط بحسب الموقع العبري، الذي نقل عن مصدر مقرب من أحمد الشرع أن سوريا تطالب باستعادة ثلث هضبة الجولان المحتلة كشرط أساسي لأي اتفاق سلام، موضحًا أن "السلام لا يُمنح مجانًا". كما طُرحت خيارات أخرى تشمل تأجير أجزاء من الجولان لمدة 25 عامًا، إلى جانب إعادة مناطق لبنانية حدودية لدمشق، في مقابل السماح لإسرائيل بمد خط مياه من الفرات. في المقابل، أكدت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، أن دونالد ترامب "مصمم على وقف القتل في غزة"، ويرى في اتفاق محتمل بين إسرائيل وسوريا حجر زاوية لمعادلة السلام الشاملة. فرص التطبيع وحدوده رغم زخم التصريحات والمبادرات، تبقى فرص التطبيع بين إسرائيل وسوريا محفوفة بالتحديات. فعلى الرغم من الاستعداد المعلن لدى الطرفين، هناك عقبات سياسية وجغرافية ومجتمعية واضحة. من الجانب السوري، أكدت مصادر قريبة من الشرع وفقًا لموقع "إسرائيل 24 نيوز" الإسرائيلي، أن أي اتفاق لا يتضمن انسحابًا إسرائيليًا من الجولان – ولو جزئيًا – لن يحظى بقبول داخلي، إذ لا يمكن تسويق السلام أمام الرأي العام دون استعادة جزء من الأراضي المحتلة. كما أن عودة السيادة على مدينة طرابلس اللبنانية ومناطق سنّية أخرى مطروحة ضمن المطالب السورية، ما قد يثير ردود فعل إقليمية. أما من الجانب الإسرائيلي، فقد أعلن وزير الخارجية جدعون ساعر أن الجولان "سيبقى جزءًا من دولة إسرائيل" في أي اتفاق مستقبلي، رغم اعترافه ب"مصلحة إسرائيل" في التطبيع مع سوريا ولبنان، ليظهر بذلك تباين في المواقف يشير إلى أن المفاوضات قد تتجه نحو اتفاق أمني محدود بدلًا من معاهدة سلام شاملة، خاصة في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية.