مثلت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية اعترافا من دول العالم الغربي ودول الجنوب التي سعت نحو الاستقلال من نير الاستعمار الغربي بأن العالم لن يستطيع أن يعيش في مناخ من عدم الاستقرار الذي كانت أهم ملامحه الاستقطاب وتشكيل التحالفات بين محوري روما- برلينواليابان فيما بعد وتحالف سياسة الاسترضاء من قبل بريطانيا وفرنسا من أجل وقف التوسعات الألمانية. بالإضافة إلى التوترات الإقليمية والغزوات المتتالية من غزو اليابان لمنشوريا (1931) وغزو إيطاليا لإثيوبيا (1935) واندلاع الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939). ثم فشل عصبة الأممالمتحدة في منع الحروب وتعزيز التعاون الدولي. فضلاً عن تبعات أزمة الكساد الكبير (1929) على عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في والولاياتالمتحدةالأمريكية وفي العالم بأسره. واللافت للنظر أن جميع أعراض وملامح مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية تطفو على السطح من جديد وبنفس العنف والحدة مع تطور في السياسات والأدوات بحكم تطور العصر. وأبرز ما في تلك الملامح انتشار السياسات الشعبوية التي تطور بعدها إلى حد الشوفينية. والسياسات الشعبوية تبنتها النظم السياسية اليمنية واليسارية على حد سواء. وبالتالي هي ليست مرتبطة بأيديولوجية بعينها. فقد تبنتها فنزويلا اليسارية في عهد الرئيس نيكولاس مادورو وتبنتها المجر اليمينية في عهد الرئيس فيكتور أوربان. ومن خصائصها الرئيسية ثنائية الشعب النقي البريء والنخب الفاسدة. حيث يقوم الخطاب الشعبوي على تقسيم المجتمع إلى قسمين: الشعب النقي المتجانس الذي يعاني من مشاكل حقيقية و النخب الفاسدة من السياسيين والاقتصاديين والمثقفين الذين يعملون لمصالحهم الشخصية ويتجاهلون احتياجات الشعب. وتعتمد الشعبوية على الخطاب العاطفي المباشر البعيد عن التعقيد والتخصص، ويعتمد على لغة عاطفية مثيرة للغضب تستهدف مشاعر الجماهير بدلاً من مخاطبتهم بشكل عقلاني موضوعي. كما تعتمد على وجود قائد كاريزمي لديه قنوات اتصال مباشرة مع الشعب متجاوزاً المؤسسات التقليدية التي يرى أن الشعب لا يثق فيها. وتتجلى ملامح الشعبوية بوضوح في سياسات الرئيس الأمريكي ترامب الذي شكك في المؤسسات التقليدية وقدرتها على خدمة الشعب الأمريكي، الأمر الذي دفعه إلى إجراء تعديلات راديكالية في العديد منها وتجاوز سياسات البعض الآخر. وتتمثل خطورة السياسات الشعبوية في إمكانية تطورها نحو شكل من أشكال الشوفينية. بل يمكن القول بأن الشوفينية أعلى درجات الشعبوية إذ هناك اعتقاد متطرف ومبالغ فيه بوجود تفوق على الآخرين نتيجة للانتماء لجماعة عرقية أو فكرية أو اقتصادية ما. ومن أبرز خصائص الشوفينية التعصب الأعمى ورفض النقد الداخلي وازدراء الآخر والدفاع عن الانتماء الشخصي حتى في مواجهة الأدلة المضادة. وقد نلحظ – مثل السياسات الشعبوية– وجود شوفينية وطنية، حيث يوجد اعتقاد بأن الأمة أو الدولة التي ينتمي إليها الشخص أفضل من جميع الدول الأخرى وقد يصاحب ذلك عداء أو ازدراء تجاه الدول الأخرى. ومن الأمثلة على ذلك مقولة " شعب الله المختار " أو الأمة اليهودية أو الأمة الألمانية (في عهد النازية) المختارة التي تتفوق على ما دونها من الأمم الأخرى. أو حديث الرئيس " ترامب " أثناء قمة حلف الأطلسي الأخيرة بأن " الولاياتالمتحدةالأمريكية هي أجمل دول العالم"! إن اندلاع الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وانتشار الصراعات الإقليمية والفشل الذريع لمنظمة الأممالمتحدة في حل الصراعات الدولية وإقرار السلم والأمن الدوليين، وظهور أعراض الحاكم الشوفيني وانتشار السياسات الشعبوية، تنذر بعواقب وخيمة على المجتمع الدولي بأسره..