تمثل منطقة أبو مينا الأثرية أحد أقدم المواقع المسيحية في مصر والعالم، حيث يعود تاريخها إلى الفترة بين القرنين الرابع والسادس الميلاديين، وظلت لسنوات تواجه تحديات بيئية أدت إلى تدهور أجزاء منها، خاصة بسبب رتفاع منسوب المياه الجوفية حتى بذلت الدولة المصرية جهودا حثيثة لإنقاذ المنطقة. ومع تنفيذ مشروع خفض منسوب المياه الجوفية الذي بلغت تكلفته 60 مليون جنيه، نجحت وزارة السياحة والآثار بالتعاون مع منظمة اليونسكو في إنقاذ الموقع وتحويله إلى نموذج عالمي للحفاظ على التراث الأثري والديني. أبو مينا.. مركز عالمي للحج المسيحي يعود للحياة تقع منطقة أبو مينا الأثرية على بعد 12 كيلومترًا من مدينة برج العرب غرب الإسكندرية، وتم تسجيلها كموقع أثري بقرار رسمي عام 1956، قبل أن يتم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1979. ويُعرف الموقع منذ القدم بأنه أحد أهم مراكز الحج المسيحية في العالم، حيث كان يقصده الحجاج لزيارة قبر القديس مينا والاستشفاء في المناطق المخصصة لذلك. وأوضح محمد متولي مدير عام آثار الإسكندرية، أن موقع أبو مينا الأثري يُعد أحد أهم مراكز الحج المسيحية في مصر والعالم، حيث كان الحجاج المسيحيون يقصدونه منذ نحو 1500 عام. ويضم الموقع بقايا الأسوار الخارجية، التي كانت تحيط بالمدينة الدينية، إلى جانب بوابتين رئيسيتين، وعدد من الشوارع المحاطة بالأعمدة الرخامية، والتي كانت تحتوي على محلات لبيع التذكارات للحجاج، مثل التماثيل والتمائم الفخارية وقنينات الزيت المقدسة. كما أشار إلى أن فناء الحجاج الذي كانوا يتجمعون فيه كان محاطًا بصفوف من الأعمدة الرخامية، وكان يضم محلات عديدة لبيع الهدايا التذكارية للحجاج، مثل التماثيل، التمائم، وقنينات زيت من الفخار، فيما تقع خلف هذا الفناء مجموعة من الكنائس ومكان للاستشفاء، إلى جانب خزانات المياه ووحدات سكنية. ويتكون الموقع من بقايا الأسوار الخارجية، والبوابتين الشمالية والغربية، بالإضافة إلى عدد من الشوارع المحاطة بصفوف من الأعمدة، ومنازل وحمامات واستراحات للحجاج". مشروع الإنقاذ من أزمة المياه الجوفية خلال السنوات السابقة تعرضت المنطقة لخطر الانهيار بسبب ارتفاع المياه الجوفية، وهو ما دفع إلى تنفيذ مشروع شامل لتخفيض منسوبها باستخدام طلمبات حديثة لسحب المياه، إضافة إلى إنشاء خطوط طرد ومصارف تجميع المياه لضمان عدم ارتفاع المنسوب مجددًا. وبلغت المساحة التي شملها المشروع حوالي 1000 فدان، وهو أحد أوسع مشاريع الإنقاذ الأثري في المنطقة؛ ومنذ تشغيل المشروع عام 2022، تم تسجيل نجاح كامل في منع تجمعات المياه داخل الموقع، بما في ذلك قبر القديس مينا، وهو أحد أهم عناصر المجمع الديني والأثري. اكتشاف 10 مبان أثرية في المجمع المعماري أظهرت الحفائر حتى الآن وجود 10 مبانٍ أثرية رئيسية داخل الموقع، منها: البازيليكا الكبرى، كنيسة المدفن، المعمودية، دور الضيافة، الحمام المزدوج، البازيليكا الشمالية، الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية وأكد محمد متولي، مدير عام آثار الإسكندرية أن عمليات التنقيب والترميم أسهمت في الكشف عن العديد من التفاصيل الجديدة التي لم تكن واضحة من قبل، مما ساهم في فهم أكبر لتاريخ الموقع وأهميته الدينية. مشروعات تطوير الخدمات السياحية لم يقتصر التطوير على ترميم العناصر الأثرية فحسب، بل شمل أيضًا تحسين الخدمات المقدمة للزوار. حيث أوضح متولي أن وزارة السياحة والآثار قامت بتركيب 19 لوحة إرشادية ومعلوماتية في الموقع، لتعريف الزائرين بمسار الزيارة والمعلومات التاريخية والأثرية الخاصة بالمنطقة، إلى جانب إنشاء مسارات زيارة لذوي الهمم، لضمان إتاحة الموقع للجميع". كما شملت أعمال التطوير إزالة الحشائش من مساحة 5 آلاف متر مربع، مما ساهم في كشف المزيد من الشواهد الأثرية، بما فيها "الحمام المزدوج ومعاصر النبيذ، بالإضافة إلى تنفيذ أعمال رفع كفاءة الموقع بالتنسيق بين وزارة السياحة والآثار وإدارة الدير ومنظمة اليونسكو. دعم السياحة الدينية في مصر عقب انتهاء أعمال التطوير، ارتفع تصنيف الموقع ضمن قائمة التراث العالمي، حيث أصبح أحد النماذج الناجحة في حماية الآثار المهددة بالخطر. ووضعت وزارة السياحة والآثار خطة لتسويق الموقع دوليًا، تشمل إطلاق حملات دعائية إلكترونية تستهدف الزوار المسيحيين حول العالم، وإدراج الموقع ضمن الجولات السياحية للمسيحيين القادمين لمصر، إلى جانب مسار رحلة العائلة المقدسة، وإضافة الموقع إلى الأجنحة السياحية المصرية في المعارض الدولية على غرار ما تم سابقًا مع المتحف المصري الكبير. اليونسكو تثمن جهود مصر في إنقاذ منطقة أبو مينا وأشادت منظمة اليونسكو بجهود مصر في الحفاظ على منطقة أبو مينا الأثرية، أحد أبرز المواقع المسيحية في العالم، بعد تنفيذ مشروع تطوير شامل نجح في إنقاذ المنطقة من تأثيرات المياه الجوفية وأعاد تأهيلها لاستقبال الزوار. زيارة رسمية وتقدير دولي زار الموقع مؤخرًا وزير السياحة والآثار شريف فتحي برفقة البابا تواضروس الثاني بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازةالمرقسية، بالإضافة إلى الفريق أحمد خالد محافظ الإسكندرية، والدكتورة نوريا سانز، مدير مكتب اليونسكو الإقليمي بالقاهرة، إلى جانب عدد من المسؤولين الحكوميين وقيادات الكنيسة القبطية. وخلال الجولة، أشاد البابا تواضروس الثاني بالجهود التي بُذلت للحفاظ على الموقع، مؤكدًا أنه يمثل أحد أهم المقاصد السياحية الدينية في مصر. كما أكد وزير السياحة والآثار، أن الوزارة تعتزم إعداد برامج تدريبية متخصصة للمرشدين السياحيين لتعريفهم بالعناصر المعمارية والتاريخية للموقع، وضمان تقديم تجربة سياحية متميزة. وتم الاتفاق على وضع خطة لتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لخلق حالة تفاعل مستمر مع الجمهور المحلي والدولي وزيادة الوعي بالقيمة التاريخية للموقع. أبو مينا.. من قائمة الخطر إلى وجهة سياحية عالمية أكد وزير السياحة والآثار أن منطقة أبو مينا الأثرية، بعد اكتمال أعمال التطوير، ستتحول إلى واحدة من أبرز الوجهات السياحية الدينية في العالم، حيث يجري العمل على إدراجها ضمن الجولات السياحية المخصصة للحجاج المسيحيين، إلى جانب مسار رحلة العائلة المقدسة. ومع اكتمال مشروعات التطوير والترميم، أصبح الموقع مستعدًا لاستقبال السياح والمصلين من جميع أنحاء العالم، حيث تحول من موقع أثري كان مهددًا إلى وجهة سياحية دينية بارزة تعكس تاريخ مصر وتراثها المسيحي الفريد.