قدمت مجموعة الأزمات الدولية، تحليلًا للوضع في سوريا والأولويات الراهنة في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، وإمساك أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) بزمام الأمور. ومجموعة الأزمات الدولية هي منظمة مستقلة مقرها نيويورك، تضم نحو 120 عضواً من 5 قارات، مهتمة بالأساس بالعمل على "منع الحروب وصياغة السياسات التي تساهم في بناء عالم أكثر سلامًا". وفي 8 ديسمبر الماضي، أعلنت المعارضة السورية المسلحة، سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بعد دخولها العاصمة دمشق - فجر الأحد - عقب سلسلة انتصارات متتالية حققتها خلال 12 يوما. ماذا يحدث في سوريا؟ قالت مجموعة الأزمات الدولية في تقدير موقف أرسلت نسخة منه ل"مصراوي"، إنه على الرغم من نظام "القبضة الحديدية" الذي استمر في سوريا لمدة 54 عامًا إبان حكم حافظ الأسد وابنه بشار من بعده، إلا أنه انهار في غضون أيام معدودة، إذ تراجع الجيش السوري بشكل فادح مع تقدم المعارضة المسلحة، كما انشق العديد من الجنود وتركوا مواقعهم، بينما قام آخرون بحرق زيهم العسكري. وانسحب داعمو النظام وبالتحديد روسياوإيران وحزب الله، أو عجزوا عن تقديم الدعم له. ولا يزال الجولاني وهيئة تحرير الشام مدرجين على قوائم الإرهاب من قبل الأممالمتحدة والعديد من الحكومات، على الرغم من إشارات أمريكية وأوروبية عن قرب إزالتها من تلك القوائم. وحتى الآن، استطاعت هيئة تحرير الشام فرض الهدوء في المناطق التي دخلها مقاتلوها، بما في ذلك العاصمة دمشق والمدن ذات الأغلبية العلوية على طول الساحل السوري، كما تعهّد الجولاني بحماية الأقليات في البلاد. لكن هناك العديد من الجماعات المسلحة التي تعمل في أنحاء سوريا، في الوقت الذي بدأت تقارير تظهر عن عمليات انتقامية، لا سيما في محافظة حماة. وقالت مجموعة الأزمات إنه "من الواضح أن العديد من الأمور قد تتفاقم، وأن هناك تحديات كبيرة ما زالت تنتظر البلاد". ما الأولويات الراهنة؟ ترى مجموعة الأزمات أن أول الأولويات هي الحفاظ على النظام، خاصة منع الفوضى، والنهب، والانتقام ضد المسؤولين السابقين، والعنف بين الفصائل المتمردة السابقة. ففي غياب البدائل، يتعين على هيئة تحرير الشام والمقاتلين الآخرين أن يلعبوا دورًا، ولكن في أقرب وقت ممكن يجب أن يغادر المسلحون المناطق السكنية، كما يفعل بعضهم بالفعل، وأن يتنازلوا عن مسؤولية الحفاظ على الأمن العام لقوة شرطة. وقد تضطر هيئة تحرير الشام إلى نشر أعداد أكبر من المقاتلين في الوقت الحالي للحفاظ على الهدوء. كما بات من الضروري تشكيل حكومة مؤقتة والحفاظ على المؤسسات المدنية للدولة، ويجب تشكيل هيئة تمثل المجتمع السوري بشكل أوسع، ربما بدعم من الأممالمتحدة وبعد مشاورات عبر المجتمع السوري. كما يجب على الموظفين المدنيين استئناف وظائفهم تحت سلطة الهيئة الجديدة. وعلى هيئة تحرير الشام أن تحل نفسها، مما سيساعد سوريا في الحصول على الأموال الأجنبية التي تحتاجها، ولكن العقوبات المفروضة على الهيئة تعيق ذلك، وأن تنشئ هيكلًا جديدًا يمكنه استيعاب المقاتلين المتمردين وربما يشكل جزءًا من جيش جديد. واعتبرت مجموعة الأزمات الدولية، أن القوى الأجنبية، التي ساهمت تدخلاتها في إشعال الحرب الأهلية السورية الطويلة، عليها أن "تتجنب تكرار الخطأ نفسه". ومع ذلك، لا تنظر معظم العواصم بترحاب إلى هيمنة المسلحين في دمشق، ولكن في الوقت الراهن لا يوجد خيار سوى العمل مع السلطات الجديدة. ونصحت المجموعة الحكومات التي ترتبط بهيئة تحرير الشام بضرورة أن تشجعها على احتواء أكبر عدد ممكن من الأصوات في الحكومة وعلى تبني نهج شامل. كما طالبت إسرائيل، التي دمرت معظم ما تبقى من الأصول العسكرية السورية، بأن توقف غاراتها الجوية في البلاد. وقبل ساعات، أعلن جيش الاحتلال، أن 4 مجموعات قتالية تابعة له لا تزال منتشرة في جنوبسوريا، وصادرت دبابات الجيش السوري غير المستخدمة. وأثارت الهجمات السورية انتقادات عربية ودولية، إذ دعت مصر وفرنسا ودولًا أخرى، تل أبيب، لضرورة احترام سيادة دمشق وعدم استغلال "حالة الفراغ" الراهنة، والانسحاب العاجل من المنطقة العازلة. خطر كبير في شمال شرق سوريا "خطر كبير يكمن في الشمال الشرقي"، وفق تعبير مجموعة الأزمات، مشيرة إلى تقدم الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا إلى مناطق كانت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، مما يهدد بتصعيد أوسع. وقالت المجموعة إن على "الولاياتالمتحدة أن تستخدم ما لديها من نفوذ مع أنقرة وقوات سوريا الديمقراطية، التي تحظى بدعم أمريكي، لتهدئة الوضع حتى تتمكن حكومة مركزية في دمشق من التفاوض بشأن طريق للمضي قدمًا". كما يجب على واشنطنوالعواصمالغربية الأخرى أن تبحث على وجه السرعة كيفية تفكيك العقوبات المفروضة على نظام الأسد، والتي تساوي حظرًا تجاريًا شبه كامل على سوريا، ويجب عليهم تحديد ما يجب على الجولاني فعله لرفع تصنيفه كإرهابي. لماذا انهار نظام الأسد؟ اعتبرت المجموعة أن انهيار نظام الأسد يرجع جزئيًا إلى سنوات من التدهور داخل الجيش، الذي أضعف قدراته القتالية. بعد أن تكبد النظام هزائم على يد المعارضة المسلحة، تمكن في عام 2018 من استعادة السيطرة على معظم الأراضي السورية بدعم من روسياوإيران، لكن النظام لم يفعل الكثير بعد ذلك لتعزيز قواته المسلحة. بدلاً من ذلك، اعتمد الجيش السوري على القوة الجوية الروسية والميليشيات المدعومة من إيران لمساعدته في الحفاظ على الأرض، وكان يعتمد على المجندين قسرًا والاحتياطيين الذين يتقاضون أجورًا منخفضة، والذين يفتقرون إلى الانسجام وغير متحفزين للقتال. داخل صفوف الجيش، كان الانقسام سائدًا، حيث كانت الوحدات تعمل بشكل مستقل في كثير من الأحيان، ويتنافس بعضها مع بعض أو مع الميليشيات الموالية للنظام على مناطق معينة. وكان العديد من الجنود يفضلون الاستفادة المالية – من خلال الابتزاز عند نقاط التفتيش والتهريب عبر الحدود أو داخل سوريا – على الجاهزية العسكرية، وبالتالي عندما جاء هجوم الفصائل المسلحة، كانت الدفاعات العسكرية ضعيفة أو غير موجودة. بعيدًا عن ضعفه الداخلي، كان سقوط النظام أيضًا الحلقة الأخيرة في سلسلة ردود فعل بدأت بهجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، فبعد عام من تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وأعدائها في "محور المقاومة" المدعوم من إيران، تمكنت إسرائيل من تحقيق التفوق بعدما أضعفت حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان بشكل كبير. أدى ضعف حزب الله كركيزة لما كانت إيران تروج له كدفاع متقدم إلى وضع طهران في موقف دفاعي، معرضة للهجوم الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه، كانت روسيا، الحليف الرئيسي للنظام، مشغولة في أوكرانيا. نتيجة لذلك، شنّت هيئة تحرير الشام هجومها في الوقت الذي كان فيه داعمو النظام الخارجيون إما مشغولين أو مرهقين. ماذا يعني سقوط الأسد؟ ترى مجموعة الأزمات الدولية أن سقوط نظام الأسد يعني تحولًا دراماتيكيًا في موازين القوى ليس فقط في سوريا ولكن في المنطقة بأسرها، إذ تخلى داعمو الأسد، روسياوإيران، عن حليف دعموه لأكثر من عقد من الزمن، كلٌ لأسبابه الخاصة. بالنسبة لروسيا، فقد تدخلت في 2015 لأنها أرادت منع ما اعتبرته تغييرًا في النظام برعاية الغرب ولحماية ممتلكاتها السوفيتية في سوريا، لاسيما ميناء طرطوس في البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي استخدمت قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، التي افتتحت في 2015، لتنفيذ ضربات في سوريا ولكن أيضًا لنقل القوات والمعدات إلى مناطق الحروب في أفريقيا. ومع تقدم الهجوم الثوري، بدا أن الميناء والقاعدة الجوية في خطر، وبلا وسيلة أخرى لحمايتهما، يبدو أن موسكو قد توصلت في الأيام القليلة الماضية إلى تفاهم مع هيئة تحرير الشام للحفاظ على هذه المواقع تحت السيطرة الروسية، على الأقل في الوقت الحالي. أما بالنسبة لإيران، فقد كانت تستخدم سوريا كمعبر لتهريب الأسلحة إلى حزب الله، وبالتالي فخسارة النظام تشكل ضربة مدمرة أخرى لطهران، بعد تدمير إسرائيل لحزب الله، مما يعد ضربة أخرى لفعالية "محور المقاومة" كآلية دفاعية. فيما يتعلق بإسرائيل، فقد تحركت بشكل هجومي لتأكيد مصالحها في الترتيبات الجديدة، إذ لم تكن إسرائيل صديقة لنظام الأسد، لكنها كانت تعرف نقاط ضعفه، حيث تسللت إليه منذ فترة طويلة. أما الجيران الآخرون، فهم "حذرون من الخسارة" بعد الإطاحة بالأسد، حسبما أكدت الأزمات الدولية.