لحظة استهداف سفينتين محلمتين بأسلحة وعربات قتالية قادمتين من الإمارات إلى اليمن (فيديو)    إيران: أي عدوان علينا سيواجه ردًا قاسيًا فوريًا يتجاوز خيال مخططيه    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الثلاثاء 30 ديسمبر    أحمد شوبير يعلن وفاة حمدى جمعة نجم الأهلى الأسبق    زيلينسكي: لا يمكننا تحقيق النصر في الحرب بدون الدعم الأمريكي    كروان مشاكل: فرحي باظ وبيتي اتخرب والعروسة مشيت، والأمن يقبض عليه (فيديو)    الداخلية تكشف حقيقة فيديو تحذير المواطنين من المرور بأحد الطرق ببدر    هدى رمزي: الفن دلوقتي مبقاش زي زمان وبيفتقد العلاقات الأسرية والمبادئ    "فوربس" تعلن انضمام المغنية الأمريكية بيونسيه إلى نادي المليارديرات    حسين المناوي: «الفرص فين؟» تستشرف التغيرات المتوقعة على سوق ريادة الأعمال    بيان ناري من جون إدوارد: وعود الإدارة لا تنفذ.. والزمالك سينهار في أيام قليلة إذا لم نجد الحلول    الإمارات تدين بشدة محاولة استهداف مقر إقامة الرئيس الروسي    محافظة القدس: الاحتلال يثبت إخلاء 13 شقة لصالح المستوطنين    وزارة الداخلية تكشف تفاصيل واقعة خطف طفل كفر الشيخ    النيابة تأمر بنقل جثة مالك مقهى عين شمس للمشرحة لإعداد تقرير الصفة التشريحية    مندوب مصر بمجلس الأمن: أمن الصومال امتداد لأمننا القومي.. وسيادته غير قابلة للعبث    إسرائيل على خطى توسع في الشرق الأوسط.. لديها مصالح في الاعتراف ب«أرض الصومال»    بعد نصف قرن من استخدامه اكتشفوا كارثة، أدلة علمية تكشف خطورة مسكن شائع للألم    أستاذ أمراض صدرية: استخدام «حقنة البرد» يعتبر جريمة طبية    القباني: دعم حسام حسن لتجربة البدلاء خطوة صحيحة ومنحتهم الثقة    سموم وسلاح أبيض.. المؤبد لعامل بتهمة الاتجار في الحشيش    انهيار منزل من طابقين بالمنيا    عرض قطرى يهدد بقاء عدى الدباغ فى الزمالك    حوافز وشراكات وكيانات جديدة | انطلاقة السيارات    ناقدة فنية تشيد بأداء محمود حميدة في «الملحد»: من أجمل أدواره    الناقدة مها متبولي: الفن شهد تأثيرًا حقيقيًا خلال 2025    صندوق التنمية الحضارية: حديقة الفسطاط كانت جبال قمامة.. واليوم هي الأجمل في الشرق الأوسط    حسام عاشور: كان من الأفضل تجهيز إمام عاشور فى مباراة أنجولا    نيس يهدد عبدالمنعم بقائد ريال مدريد السابق    تحتوي على الكالسيوم والمعادن الضرورية للجسم.. فوائد تناول بذور الشيا    أمم إفريقيا – خالد صبحي: التواجد في البطولة شرف كبير لي    الزراعة: نطرح العديد من السلع لتوفير المنتجات وإحداث توازن في السوق    في ختام مؤتمر أدباء مصر بالعريش.. وزير الثقافة يعلن إطلاق "بيت السرد" والمنصة الرقمية لأندية الأدب    الكنيست الإسرائيلي يصادق نهائيًا على قانون قطع الكهرباء والمياه عن مكاتب «الأونروا»    أحمد موسى: 2026 سنة المواطن.. ونصف ديون مصر الخارجية مش على الحكومة علشان محدش يضحك عليك    مجلس الوزراء: نراجع التحديات التي تواجه الهيئات الاقتصادية كجزء من الإصلاح الشامل    هيفاء وهبي تطرح أغنيتها الجديدة 'أزمة نفسية'    التعاون الدولي: انعقاد 5 لجان مشتركة بين مصر و5 دول عربية خلال 2025    وزير الخارجية يجتمع بأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي من الدرجات الحديثة والمتوسطة |صور    سقوط موظف عرض سلاحا ناريا عبر فيسبوك بأبو النمرس    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي    الصحة: ارتفاع الإصابات بالفيروسات التنفسية متوقع.. وشدة الأعراض تعود لأسباب بشرية    الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد: دمج حقيقي وتمكين ل11 مليون معاق    توصيات «تطوير الإعلام» |صياغة التقرير النهائى قبل إحالته إلى رئيس الوزراء    الإفتاء توضح مدة المسح على الشراب وكيفية التصرف عند انتهائها    معدل البطالة للسعوديين وغير السعوديين يتراجع إلى 3.4%    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    نيافة الأنبا مينا سيّم القس مارك كاهنًا في مسيساجا كندا    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    وزير الصحة: تعاون مصري تركي لدعم الاستثمارات الصحية وتوطين الصناعات الدوائية    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    السيمفونى بين مصر واليونان ورومانيا فى استقبال 2026 بالأوبرا    تاجيل محاكمه 49 متهم ب " اللجان التخريبيه للاخوان " لحضور المتهمين من محبسهم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    أسود الأطلس أمام اختبار التأهل الأخير ضد زامبيا في أمم إفريقيا 2025.. بث مباشر والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسين طنطاوي.. الجنرال الشاهد على عصور التحولات
نشر في مصراوي يوم 21 - 09 - 2021


غلاف- مايكل عادل:
في الثلاثينيات خرج الجنين إلى الوجود، وجه أسمر وملامح جنوبية، وفي الأربعينيات التحق بمدارس القاهرة، وفي الخمسينيات كان التخرج من الكلية الحربية في حرب 1956، وفي الستينيات خاض حرب 1967، وحرب الاستنزاف، وصولاً إلى حرب أكتوبر في السبعينيات، التي خرج منها ليتدرج في المناصب حتى أصبح على رأس الجيش في أوائل التسعينيات، وفي مطلع العقد الثاني من الألفية الثالثة وجد نفسه، وهو في الخامسة والسبعين، يدير شؤون البلاد بعد ثورة شعبية أسقطت الرئيس.
المشير محمد حسين طنطاوي الذي رحل اليوم عن عمر85 عاما، شهد من 1935 إلى 2011 وما بعدها ومعه مصر أحداثاً كثيرة وتحولات عاصفة على مستويات عدة، فمن ملكية إلى جمهورية صبياً وطالباً، ومن هزيمة عسكرية إلى نصر وعبور محارباً وقائداً، ومن حرب تحرير الكويت إلى غزو العراق وزيراً ومشيراً، وصولاً إلى ثورات الربيع العربي حاكماً ورئيساً.. فصول من حياة الرجل وصفحات من تاريخ مصر.
المكان: حي عابدين بالسيدة زينب، في قلب القاهرة. الزمان: 31 أكتوبر 1935. فوران في العاصمة، وزارة محمد توفيق نسيم والقصر على بعد أيام من انتفاضة شعبية، بدأت في القاهرة وامتدت إلى الأقاليم، ونجحت في الإطاحة بالوزارة وعودة العمل بدستور 1923. في ذلك اليوم، وُلد محمد حسين طنطاوي، لأسرة نوبية من أسوان.
نشأ طنطاوي بين شوارع القاهرة وحواريها، التحق بمدراسها حتى حصل على الثانوية العامة من مدرسة الخديوي إسماعيل الثانوية بمنطقة السيدة زينب، فيما ظلّ حلم الالتحاق بالكلية الحربية يداعب خيالات الصبي، تحقق الحلم وتخرج منها في الأول من أبريل عام 1956 العاصف.
اندرج طنطاوي في سلك الضباط بسلاح المشاة، وبعد أشهر قليلة سيصير قائد فصيلة مشاة في حرب العدوان الثلاثي، التي بدأتها إسرائيل قبل يومين فقط من ذكرى ميلاده. أتم محمد حسين طنطاوي عامه الحادي والعشرين على الجبهة، مقاتلاً يذود مع رفاقه ضباطاً وجنوداً، ومن خلفهم مقاومة شعبية، عن وطن يبحث عن استقلاله وكبريائه في وجه عدوان غاشم، فشلت أطرافه في تحقيق أهداف عملياتها العسكرية على مصر.
طنطاوي، ابن الدفعة (35) الذي تتلمذ على يد الفريق محمد فوزي أبو العسكرية المصرية الحديثة، عَرف في ساحات القتال معنى الدفاع عن الأرض، والحفاظ على أمن البلاد، كيف يكون القتال بضراوة في معارك المصير، أدرك كلمات جمال عبد الناصر وقت العدوان "لو لم نقاتل اليوم فلن نقاتل أبداً، لا بد لنا من القتال حتى لو أجبرنا على الانسحاب إلى الوجه القبلي واللجوء إلى حرب العصابات". دروس مبكرة حصل عليها الضابط في بداية مساره المهني، أُثقلت لاحقاً بخوض حرب 1967 وحرب الاستنزاف. دروس نقلها "طنطاوي" لأجيال من الضباط، تتلمذوا على يديه في فترة الستينيات، خلال عمله معلماً بالكلية الحربية. فيما كان على موعد مع درس أكبر وبطولة لافتة في حرب أكتوبر المجيدة.
"بسم الله الرحمن الرحيم، العميد أركان حرب محمد حسين طنطاوى قائد الكتيبة 16 مشاة فى حرب أكتوبر.."، ببدلة عسكرية، وصوت يليق بقائد في جيش منتصر، ظهر "طنطاوي" في تسجيل تليفزيوني نادر، بعد انتهاء الحرب بفترة ليروى بطولات كتيبته، صاحبة معركة "المزرعة الصينية" الشهيرة، التي مُنيت فيها إسرائيل بخسائر فادحة، باعتراف قادتها.
السادس عشر من أكتوبر 1973، اليوم العاشر من الحرب والمعارك مستمرة بضراوة بين مصر والعدو الإسرائيلي، الذي حاول في ذلك اليوم العبور لغرب القناة وإقامة كوبري على ضفتي القناة بمنطقة الدفرسوار لمحاصرة السويس والجيش الثالث. على الضفة الشرقية للقناة، تقدم أربيل شارون بقواته المدرعة للاختراق، فيما أهداهم المقاتلون المصريون كابوساً لم يستيقظوا منه، أطبق على صدورهم وكبّدهم خسائر فادحة.
في الشريط التليفزيوني روى "طنطاوي" تفاصيل ما جرى في المعركة الشهيرة استناداً إلى رواية الإسرائيليين أنفسهم عن الخسائر التي لاحقتهم، قبل أن يحكي ما شاهده وعاينه بنفسه، كقائد للكتيبة التي تصدت مع غيرها لهجوم مدرعات العدو، ثم عرج على ذكر بطولات كتيبته، موجهاً التحية لأفرادها وأدوارهم اللافتة في الحرب.
وقت الحرب، كان "طنطاوي" في الثامنة والثلاثين من عمره. سنوات قضى نصفها تقريباً مقاتلاً في جميع حروب مصر الكبرى، أثقلت شخصيته العسكرية، ورسمت ملامحها، مقاتل ذكي، يُجيد التخطيط، وتكتيكات الخداع في المعارك، يتحلّى بالصبر، قبل أن يكشف أوراقه للعدو، يحبس نيران مدفعيته، حتى يعاين ويقدّر حجم قوة العدو بدقة، وحين تحين اللحظة المناسبة، تنطلق نيران أسلحته وقذائفها لتوقع الخسائر بالعدو.
وضعت الحرب أوزارها، هو الآن يبدأ عامه التاسع والثلاثين، سيستمر "طنطاوي" بضع سنوات في عمله بالجيش، ثم رحلة قصيرة للعمل ملحقاً عسكرياً لدى باكستان عامي 1977 و1978، يعقبها عودة إلى مصر، ليستكمل رحلته الطويلة الممتدة داخل القوات المسلحة، يتدرج في المناصب القيادية، حتى يصبح قائداً للجيش الثاني الميداني، ومنه إلى قيادة الحرس الجمهوري، ثم رئيساً لهيئة عمليات القوات المسلحة، ثم وزيراً للدفاع في 20 مايو 1991.
بعد إنجازات عديدة قادته إلى الحصول على أوسمة وأنواط عسكرية مختلفة، أصبح "طنطاوي" وزيراً للدفاع وقائداً عامة للقوات المسلحة، ليُصبح أول وزير دفاع من خريجي الكلية الحربية ما بعد ثورة يوليو 1952، وسيقضي أطول مدة وزير دفاع في تاريخ مصر الحديث، حيث استمر في منصبه لنحو 20 عاماً، جرت فيها مياه كثيرة في نهر مصر.
حين جاء "طنطاوي" إلى منصبه الوزاري، كان الرئيس مبارك يبدأ عقده الثاني في الحكم، مرت بضع سنوات على إطاحته بوزير دفاعه المشير عبد الحليم أبو غزالة في مشهد درامي أواخر عقد الثمانينيات، وهو العقد الذي بدأت فيها العلاقة بين مبارك وطنطاوي، بعدما وقع اختيار الرئيس على طنطاوي لتعيينه قائداً للحرس الجمهوري عام 1987. هذه العلاقة التي دخلت مرحلة جديدة مع تعيين طنطاوي وزيراً للدفاع، وامتدت لعقدين، وسط ظروف ومواقف متباينة، وعلاقات مختلفة بين المُشير ورجال نظام مبارك.
وجد مبارك في "طنطاوي" شخصاً غير طموح في السلطة، فقد كان متجهماً حين اختير لرئاسة الحرس الجمهوري، وكان يحب أن يكمل حياته في المجال العسكري، على ما روى مصطفى الفقي، سكرتير مبارك للمعلومات في برنامجه "سنوات الفرص الضائعة"، الذي قال فيه أيضاً: "كان لطنطاوي حظوة معينة لدى مبارك، كان شخصية قوية تفرض نفسها ولا يقبل أن يُعامل بشكل غير عسكري".
ظل المُشير طنطاوي بعيداً عن الأضواء خلال عقدين من حكم مبارك، ظهوره الإعلامي نادر، يفسّر الفقي ذلك بأنه "قرأ شخصية الرئيس بذكاء، فمبارك، مثل كل الرؤساء، كان لا يريد لقائد الجيش أن يكون تحت الأضواء ويتمتع بشعبية قوية"، ويستشهد الفقي في ذلك بإطاحة مبارك لأبو غزالة، الذي أرجعه إلى "قلق الرئيس من المشير وحب الناس للأخير وشخصيته ذات الحضور اللافت".
لكن الحال تغيّر عند نهاية العقد الثالث لحكم مبارك.
الخامس والعشرين من يناير عام 2011، مظاهرات حاشدة تُطالب بإسقاط الرئيس، الذي ينتهي به الحال بعد 18 يوماً من اندلاع ثورة يناير، إلى الرحيل عن السلطة مُجبراً، فيما سيجد المُشير طنطاوي، وهو في الخامسة والسبعين من عمره، نفسه يتولى رئاسة مصر بصفته رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي أسندت له مهمة إدارة شؤون البلاد في الفترة الانتقالية.
في هذه الفترة، كان المُشير في دائرة الضوء، ينتظر الشعب باهتمام، أحاديثه وتعامله، ومن ورائه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، مع الأحداث والتطورات المتلاحقة التي شهدتها مصر بعد سقوط مبارك، فيما كان طنطاوي يؤكد على أن: "القوات المسلحة واجهت في الماضي عدواً ظاهراً وهزمته وكان يقف خلفها شعب مصر العظيم، فكان نصر أكتوبر، وكان أسهل مما نحن فيه الآن، لأن هناك من يعملون مع الخارج ويحاولون أن يثنونا عن دورنا وعزمنا في حماية مصر وشعبها، ونحن لن نسمح بذلك، ومستمرون في أداء مهامنا حتى نصل بمصر إلى بر الأمان".
لم يكتُب المُشير طنطاوي شهادته، من الحرب إلى السلام، ومن سقوط نظام مبارك إلى ثورة يناير والأدوار التي لعبها بعد اندلاعها، والأزمات التي واجهته، لكنه يظلّ صاحب دور بارز وشاهداً على أحداث وتحولات عاصفة في مصر، عايشها محارباً وقائداً ومُشيراً.
كتب- أحمد شعبان:
غلاف- مايكل عادل:
في الثلاثينيات خرج الجنين إلى الوجود، وجه أسمر وملامح جنوبية، وفي الأربعينيات التحق بمدارس القاهرة، وفي الخمسينيات كان التخرج من الكلية الحربية في حرب 1956، وفي الستينيات خاض حرب 1967، وحرب الاستنزاف، وصولاً إلى حرب أكتوبر في السبعينيات، التي خرج منها ليتدرج في المناصب حتى أصبح على رأس الجيش في أوائل التسعينيات، وفي مطلع العقد الثاني من الألفية الثالثة وجد نفسه، وهو في الخامسة والسبعين، يدير شؤون البلاد بعد ثورة شعبية أسقطت الرئيس.
من 1935 إلى 2011 وما بعدها، عاش المشير محمد حسين طنطاوي ومعه مصر أحداثاً كثيرة وتحولات عاصفة على مستويات عدة، فمن ملكية إلى جمهورية صبياً وطالباً، ومن هزيمة عسكرية إلى نصر وعبور محارباً وقائداً، ومن حرب تحرير الكويت إلى غزو العراق وزيراً ومشيراً، وصولاً إلى ثورات الربيع العربي حاكماً ورئيساً.. فصول من حياة الرجل وصفحات من تاريخ مصر.
المكان: حي عابدين بالسيدة زينب، في قلب القاهرة. الزمان: 31 أكتوبر 1935. فوران في العاصمة، وزارة محمد توفيق نسيم والقصر على بعد أيام من انتفاضة شعبية، بدأت في القاهرة وامتدت إلى الأقاليم، ونجحت في الإطاحة بالوزارة وعودة العمل بدستور 1923. في ذلك اليوم، وُلد محمد حسين طنطاوي، لأسرة نوبية من أسوان.
نشأ طنطاوي بين شوارع القاهرة وحواريها، التحق بمدراسها حتى حصل على الثانوية العامة من مدرسة الخديوي إسماعيل الثانوية بمنطقة السيدة زينب، فيما ظلّ حلم الالتحاق بالكلية الحربية يداعب خيالات الصبي، تحقق الحلم وتخرج منها في الأول من أبريل عام 1956 العاصف.
اندرج طنطاوي في سلك الضباط بسلاح المشاة، وبعد أشهر قليلة سيصير قائد فصيلة مشاة في حرب العدوان الثلاثي، التي بدأتها إسرائيل قبل يومين فقط من ذكرى ميلاده. أتم محمد حسين طنطاوي عامه الحادي والعشرين على الجبهة، مقاتلاً يذود مع رفاقه ضباطاً وجنوداً، ومن خلفهم مقاومة شعبية، عن وطن يبحث عن استقلاله وكبريائه في وجه عدوان غاشم، فشلت أطرافه في تحقيق أهداف عملياتها العسكرية على مصر.
طنطاوي، ابن الدفعة (35) الذي تتلمذ على يد الفريق محمد فوزي أبو العسكرية المصرية الحديثة، عَرف في ساحات القتال معنى الدفاع عن الأرض، والحفاظ على أمن البلاد، كيف يكون القتال بضراوة في معارك المصير، أدرك كلمات جمال عبد الناصر وقت العدوان "لو لم نقاتل اليوم فلن نقاتل أبداً، لا بد لنا من القتال حتى لو أجبرنا على الانسحاب إلى الوجه القبلي واللجوء إلى حرب العصابات". دروس مبكرة حصل عليها الضابط في بداية مساره المهني، أُثقلت لاحقاً بخوض حرب 1967 وحرب الاستنزاف. دروس نقلها "طنطاوي" لأجيال من الضباط، تتلمذوا على يديه في فترة الستينيات، خلال عمله معلماً بالكلية الحربية. فيما كان على موعد مع درس أكبر وبطولة لافتة في حرب أكتوبر المجيدة.
"بسم الله الرحمن الرحيم، العميد أركان حرب محمد حسين طنطاوى قائد الكتيبة 16 مشاة فى حرب أكتوبر.."، ببدلة عسكرية، وصوت يليق بقائد في جيش منتصر، ظهر "طنطاوي" في تسجيل تليفزيوني نادر، بعد انتهاء الحرب بفترة ليروى بطولات كتيبته، صاحبة معركة "المزرعة الصينية" الشهيرة، التي مُنيت فيها إسرائيل بخسائر فادحة، باعتراف قادتها.
السادس عشر من أكتوبر 1973، اليوم العاشر من الحرب والمعارك مستمرة بضراوة بين مصر والعدو الإسرائيلي، الذي حاول في ذلك اليوم العبور لغرب القناة وإقامة كوبري على ضفتي القناة بمنطقة الدفرسوار لمحاصرة السويس والجيش الثالث. على الضفة الشرقية للقناة، تقدم أربيل شارون بقواته المدرعة للاختراق، فيما أهداهم المقاتلون المصريون كابوساً لم يستيقظوا منه، أطبق على صدورهم وكبّدهم خسائر فادحة.
في الشريط التليفزيوني روى "طنطاوي" تفاصيل ما جرى في المعركة الشهيرة استناداً إلى رواية الإسرائيليين أنفسهم عن الخسائر التي لاحقتهم، قبل أن يحكي ما شاهده وعاينه بنفسه، كقائد للكتيبة التي تصدت مع غيرها لهجوم مدرعات العدو، ثم عرج على ذكر بطولات كتيبته، موجهاً التحية لأفرادها وأدوارهم اللافتة في الحرب.
وقت الحرب، كان "طنطاوي" في الثامنة والثلاثين من عمره. سنوات قضى نصفها تقريباً مقاتلاً في جميع حروب مصر الكبرى، أثقلت شخصيته العسكرية، ورسمت ملامحها، مقاتل ذكي، يُجيد التخطيط، وتكتيكات الخداع في المعارك، يتحلّى بالصبر، قبل أن يكشف أوراقه للعدو، يحبس نيران مدفعيته، حتى يعاين ويقدّر حجم قوة العدو بدقة، وحين تحين اللحظة المناسبة، تنطلق نيران أسلحته وقذائفها لتوقع الخسائر بالعدو.
وضعت الحرب أوزارها، هو الآن يبدأ عامه التاسع والثلاثين، سيستمر "طنطاوي" بضع سنوات في عمله بالجيش، ثم رحلة قصيرة للعمل ملحقاً عسكرياً لدى باكستان عامي 1977 و1978، يعقبها عودة إلى مصر، ليستكمل رحلته الطويلة الممتدة داخل القوات المسلحة، يتدرج في المناصب القيادية، حتى يصبح قائداً للجيش الثاني الميداني، ومنه إلى قيادة الحرس الجمهوري، ثم رئيساً لهيئة عمليات القوات المسلحة، ثم وزيراً للدفاع في 20 مايو 1991.
بعد إنجازات عديدة قادته إلى الحصول على أوسمة وأنواط عسكرية مختلفة، أصبح "طنطاوي" وزيراً للدفاع وقائداً عامة للقوات المسلحة، ليُصبح أول وزير دفاع من خريجي الكلية الحربية ما بعد ثورة يوليو 1952، وسيقضي أطول مدة وزير دفاع في تاريخ مصر الحديث، حيث استمر في منصبه لنحو 20 عاماً، جرت فيها مياه كثيرة في نهر مصر.
حين جاء "طنطاوي" إلى منصبه الوزاري، كان الرئيس مبارك يبدأ عقده الثاني في الحكم، مرت بضع سنوات على إطاحته بوزير دفاعه المشير عبد الحليم أبو غزالة في مشهد درامي أواخر عقد الثمانينيات، وهو العقد الذي بدأت فيها العلاقة بين مبارك وطنطاوي، بعدما وقع اختيار الرئيس على طنطاوي لتعيينه قائداً للحرس الجمهوري عام 1987. هذه العلاقة التي دخلت مرحلة جديدة مع تعيين طنطاوي وزيراً للدفاع، وامتدت لعقدين، وسط ظروف ومواقف متباينة، وعلاقات مختلفة بين المُشير ورجال نظام مبارك.
وجد مبارك في "طنطاوي" شخصاً غير طموح في السلطة، فقد كان متجهماً حين اختير لرئاسة الحرس الجمهوري، وكان يحب أن يكمل حياته في المجال العسكري، على ما روى مصطفى الفقي، سكرتير مبارك للمعلومات في برنامجه "سنوات الفرص الضائعة"، الذي قال فيه أيضاً: "كان لطنطاوي حظوة معينة لدى مبارك، كان شخصية قوية تفرض نفسها ولا يقبل أن يُعامل بشكل غير عسكري".
ظل المُشير طنطاوي بعيداً عن الأضواء خلال عقدين من حكم مبارك، ظهوره الإعلامي نادر، يفسّر الفقي ذلك بأنه "قرأ شخصية الرئيس بذكاء، فمبارك، مثل كل الرؤساء، كان لا يريد لقائد الجيش أن يكون تحت الأضواء ويتمتع بشعبية قوية"، ويستشهد الفقي في ذلك بإطاحة مبارك لأبو غزالة، الذي أرجعه إلى "قلق الرئيس من المشير وحب الناس للأخير وشخصيته ذات الحضور اللافت".
لكن الحال تغيّر عند نهاية العقد الثالث لحكم مبارك.
الخامس والعشرين من يناير عام 2011، مظاهرات حاشدة تُطالب بإسقاط الرئيس، الذي ينتهي به الحال بعد 18 يوماً من اندلاع ثورة يناير، إلى الرحيل عن السلطة مُجبراً، فيما سيجد المُشير طنطاوي، وهو في الخامسة والسبعين من عمره، نفسه يتولى رئاسة مصر بصفته رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي أسندت له مهمة إدارة شؤون البلاد في الفترة الانتقالية.
في هذه الفترة، كان المُشير في دائرة الضوء، ينتظر الشعب باهتمام، أحاديثه وتعامله، ومن ورائه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، مع الأحداث والتطورات المتلاحقة التي شهدتها مصر بعد سقوط مبارك، فيما كان طنطاوي يؤكد على أن: "القوات المسلحة واجهت في الماضي عدواً ظاهراً وهزمته وكان يقف خلفها شعب مصر العظيم، فكان نصر أكتوبر، وكان أسهل مما نحن فيه الآن، لأن هناك من يعملون مع الخارج ويحاولون أن يثنونا عن دورنا وعزمنا في حماية مصر وشعبها، ونحن لن نسمح بذلك، ومستمرون في أداء مهامنا حتى نصل بمصر إلى بر الأمان".
لم يكتُب المُشير طنطاوي شهادته، من الحرب إلى السلام، ومن سقوط نظام مبارك إلى ثورة يناير والأدوار التي لعبها بعد اندلاعها، والأزمات التي واجهته، لكنه يظلّ صاحب دور بارز وشاهداً على أحداث وتحولات عاصفة في مصر، عايشها محارباً وقائداً ومُشيراً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.