غلاف - مايكل عادل: سيارة خدمات نقل الدم التابعة لوزارة الصحة، تقف وسط ميدان رمسيس في ساعات النهار، حيث الصخب الذي لا يهدأ؛ لتستقبل من يرغب بالتبرع، يتطوع أحد أفراد طاقمها، باستمالة القادمين من محطتي القطار والمترو: "تبرعك بالدم ينقذ طفلًا مريضًا"، مؤكدًا على من يخاطبه عدم وجود خطورة "السيارة معقمة، وبيتم تطهيرها وتبخيرها عقب كل متبرع لعدم نقل العدوى أو الإصابة ب"كورونا"، ينجح في إقناع قلة منهم في بعض الأحيان، بينما لا يستجيب كثيرون. "تبرع الناس بالدم بعد "كورونا" قل جدًا؛ بسبب الخوف من الإصابة بالفيروس"، يقول ديفيد ميلاد أحد أفراد طاقم السيارة التي يميزها اللون الأبيض مع الأحمر. قلق الناس من العدوى أو الإصابة أثناء التبرع بالدم موجود من قبل ظهور "كورونا"، واعتاد عليه "ديفيد" خلال عمله في سيارات التبرع بالدم، التي تمتد إلى عامين في العديد من ميادين مصر الرئيسية، منها الإسعاف والجيزة ورمسيس والسيدة عائشة. فريق العربة المكون من 8 أفراد، تعود على مثل هذه الحالات ومواجهتها؛ بالشرح والتوضيح للمارة والمتبرعين من أجل حثهم على التبرع بالدم وإزالة القلق الذي يراودهم: "بنشرح إحنا مين وإزاي بيتم التبرع بطريقة آمنة، إنه ممكن ينقذ حياة إنسان"، كما يروي "ديفيد"، بخلاف توضيح فوائد التبرع بالدم وأهميته بالنسبة لصحة الإنسان. لكن مع ظهور وانتشار فيروس "كورونا المستجد..كوفيد-19"، تحول قلق أغلب المتبرعين إلى رفض قاطع بعدم التبرع: "الأمور بقت أصعب بكتير من الأول"، ولا يقتصر أسباب انخفاض المتبرعين بحسب "ديفيد" على الخوف والقلق من الإصابة بفيروس "كوفيد-19"، لكنه يروي أن الإجراءات الاحترازية التي اتخدتها الحكومة كحظر التجول وإغلاق العديد من المؤسسات، ساهمت في انخفاض أعداد المواطنين المتواجدين في الميادين العامة وبالتالي قل عدد المتبرعين. خاصة أن حملات التبرع بالدم تعتمد على حركة المواطنين، وتستهدف التجمعات في الشوارع: "كنا بنروح الأماكن العامة زي الميادين والحدائق، لكن دلوقتي الناس بقت تخاف تنزل من البيت، وده أحد أسباب الأزمة"، ويقدر "ديفيد" انخفاض المتبرعين بالدم على العربة التي يعمل بها: "العدد قل أكثر من نصف الناس اللي كانت بتتبرع في الأيام العادية". وفي منتصف مايو الماضي، تقدم النائب البرلماني فايز بركات، بطلب إحاطة لوزيرة الصحة؛ للتحذير من وجود أزمة محتملة قد تواجهها "بنوك الدم" في مصر خلال الفترة المقبلة، في حالة استمرار تراجع أعداد المتبرعين بالدم، بما ينذر بتراجع مخزون الدم وتهديد حياة آلاف المرضى، مطالبًا باتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة الأزمة في بدايتها. الدكتور إيهاب سراج الدين، مدير بنك الدم المركزي بوزارة الصحة؛ يرجع مخاوف المواطنين من الإصابة بالفيروس أثناء التبرع بالدم؛ إلى قلة وعيهم معتبرًا أن خوفهم ليس له داعٍ: "الناس بقى عندها فوبيا من كلمة "كورونا" بس نقل الدم ليس له علاقة بالإصابة بالفيروس". داخل استراحة المتبرعين ببنك الدم المركزي التابع للهلال الأحمر المصري بالقرب من ميدان رمسيس، كانت الأجواء هادئة، حيث خلت المقاعد من المترددين الراغبين في التبرع مقارنة بما كان يحدث قبل انتشار فيروس "كورونا"، لخصت الدكتورة سهام إلباز، مدير البنك هذا المشهد بقولها: "كان في ناس بتيجي تتبرع لكن دلوقتي مفيش". انخفاض أعداد المتبرعين دفع العاملين بالبنك إلى الاتصال بالمتبرعين المنتظمين، من خلال قاعدة بياناتهم المسجلة في السجلات المخصصة للمتبرعين، لدعوتهم إلى التبرع حفاظًا على أرواح الأطفال والمرضى الذين يعانون من الأمراض التي تحتاج نقل دم بصفة دورية "كأنيميا البحر المتوسط"، ويتلقون جرعات ثابته من الدم بالبنك، بحسب الدكتورة سهام. ويعد المتبرع المنتظم من أفضل المتبرعين، بحسب منظمة الصحة العالمية، لكونه يلتزم بالذهاب كل فترة زمنية للتبرع بالدم: "كانوا دايما بيجوا يتبرعوا، لما تأخر أغلبهم تواصلنا معهم"، فهؤلاء إقناعهم أسهل ممن يجهل الأمر تماما. كل متبرع يسجل المركز بياناته الأولية؛ كالاسم وفصيلة الدم ورقم هاتفه، لكي نتمكن من الرجوع إليه في حالة الطوارئ أو الاحتياج إلى فصيلته: "في فصائل نادرة لما بنحتاج بنكلم المتبرعين واللي بيكون حابب يتبرع بيجي"، كما تروي الدكتورة سهام إلباز. مع ظهور بوادر للأزمة في أواخر مارس الماضي، وقلة أعداد المتبرعين التي تسببت في نقص المخزون الاستراتيجي ببنوك الدم، وضعت وزارة الصحة خطة بديلة تمكنها من تفادي تفاقم الأزمة والتداعيات التي قد تتسبب فيها، وفقا لمدير بنك الدم المركزي بوزارة الصحة، بحيث لا يكون الاعتماد بشكل كلي على المخزون الاستراتيجي بشكل أساسي، وتنقسم هذه الخطة إلى جزءين؛ الأول توعوي، والثاني ميداني، وفي الأخير تم تكثيف الحملات في الميادين والتجمعات بهدف تجميع أكبر قدر ممكن من الأكياس لسد الاحتياجات اليومية بجانب رفع المخزون من الدم: "كل كيس هيجي من بره هيكون له فايدة في وقت من الأوقات"، يقول مدير بنك الدم. "ممكن في حملة يوم كامل نرجع ب5 أكياس دم بس"، يحكي "ديفيد" الذي يؤكد أن هذه المرة الأولى التي يرى فيها انخفاضًا حادًا في أعداد المتبرعين؛ مقارنة بالأيام العادية قبل انتشار الفيروس: "في رمضان قبل "كورونا" كنا بنجمع كميات كبيرة بعد الإفطار وناس كتير كانت بتتبرع أثناء وقوف الحملة بجوار أحد المساجد الكبيرة، وهذا لم يحدث هذا العام بعد غلق المساجد". ومن ضمن الحلول المؤقتة التي وضعتها وزارة الصحة، كما يروي الدكتور إيهاب سراج الدين، تفعيل التعاون بين مراكز نقل الدم الإقليمية والتي يقدر عددها ب 28 مركزًا على مستوى الجمهورية، حيث تبادل المخزون في حالة النقص في أي منها: "يعني لو في مركز مفيش فيه دم؛ ممكن يأخذ من أقرب مركز ليه لسد العجز ". بينما الجانب التوعوي من خطة وزارة الصحة، ارتكز على مخاطبة وحث المواطنين على التبرع عبر منصات الوزارة الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، وباستخدام أساليب ترويجية مختلفة، ومواد بصرية متنوعة. وكان أبرز هذه الحملات الإلكترونية حلقات "وريد ووريدة" التي بثت وزارة الصحة منها 11 حلقة على منصاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، بمشاركة تطوعية من الفنان حسن الرداد والفنانة بشري والمطربة نسمة محجوب والموسيقار هشام خرما، وحققت هذه الحلقات نسب تفاعل ومشاهدات مرتفعة، حيث تجاوز التفاعل مع الحلقات، على مدار 3 أسابيع، 4 ملايين مشاهدة، و1700 مشاركة، 28 ألف تفاعل. وتقدر إجمالي أكياس الدم للمتبرعين العام الماضي؛ بمليون و650 ألف كيس دم، وفقا لبيانات وزارة الصحة، ويدل هذا الرقم السنوي على نقص وعجز يصل إلى 50% من النسبة التي حددتها منظمة الصحة العالمية، لسد احتياجات المرضى في مصر، حيث يفترض ألا يقل عدد المتبرعين عن 3% من إجمالي سكان الدولة: "المفروض مصر يكون فيها 3 ملايين كيس دم، لسد النقص واحتياجات المرضى" يقول الدكتور إيهاب سراج الدين. المتبرع بالدم لا بد أن تنطبق عليه عدة شروط، أهمها: ألا يقل سن المتبرع عن 18 سنة ولا يزيد على 60 عامًا، وألا يكون قد تبرع بالدم في آخر 3 أشهر أو ذهب إلى طبيب أسنان، وأن يكون خاليًا من أمراض الضغط والسكر أو غيرها من الأمراض المزمنة، حتى لا يحدث له أي مضاعفات صحية، يقول ديفيد ميلاد، الذي يتأكد من توافر هذه الشروط في أي متبرع قبل سحب الدم منه، فهناك بعض الأشخاص يكون لديهم رغبة في التبرع ويتم استبعادهم لعدم مطابقتهم شروط التبرع المعمول بها حرصًا على سلامتهم. الدكتور أمجد الخولي، استشاري الأوبئة بمنظمة الصحة العالمية، يؤكد عدم انتقال فيروس "كوفيد-19" خلال عملية نقل الدم، موضحًا أن طرق انتقال الفيروس، تكون عبر مخالطة الأشخاص المصابين وليس نقل الدم، ولكن يمكن إصابة المتبرع بالفيروس؛ في حالة أن يكون شخص مصاب بالفيروس تبرع قبله في نفس المكان وخلال عملية التبرع نقل العدوى للفريق الطبي أو أحد أفراده، ويعتبرها "ديفيد" نفس احتمالية الإصابة التي قد تحدث في أي مكان آخر. ولتجنب نقل العدوي، يتم تعقيم كل المعدات والسيارة بالكامل بعد كل متبرع ومن قت لآخر، وذلك حرصًا على سلامة المتبرع والفريق الطبي، يقول الدكتور إيهاب سراج، مدير بنك الدم المركزي، ويتم ذلك تحت إشراف فرق الطب الوقائي، وتحرص مراكز نقل الدم الإقليمية بكافة المحافظات على اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية قبل عملية نقل الدم، مثل الفحص الأولي للمتبرع، من خلال قياس درجة حرارته، وإجراء بعض التحاليل للتأكد من خلوه من الأمراض، بجانب عمليات التعقيم المستمرة عقب كل عملية تبرع.