وقّعت قبيلتا "البني عامر والحباب" و"النوبة" في ولاية البحر الأحمر بالسودان، اتفاق صُلح مُجتمعي، بعد اشتباكات بين الطرفين وُصِفت بأنها "فِتنة أهلية"، تمخّض عنها إعلان حالة الطوارئ وسقوط ما لا يقل عن 16 قتيلًا الشهر الماضي. وتضمّن اتفاق الصُلح، الذي أُطلِق عليه "عهد القلد"، تشكيل لجنة اتحادية لتقصي الحقائق في هذه الأحداث، وبدء دفع التعويضات، وتكوين آلية ولائية لجمع السلاح المُرخّص وغير المُرخّص، والنظر في إطلاق سراح المعتقلين في هذه الأحداث وفق القانون، وتكوين لجنة للإعداد لمؤتمر ببورتسودان للصُلح والتعايش السلمي، حسبما أفادت وكالة أنباء السودان (سونا). وجرى توقيع الاتفاق في قاعة السلام بمدينة بورتسودان، أمس الأحد، بحضور أعضاء المجلس السيادي السوداني؛ الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والفريق الركن ياسر العطا، وحسن شيخ إدريس، ومحمد حسن التعايشي، بجانب أعضاء لجنة الأمن، والمكتب التنفيذي للإدارة الأهلية على المستوى المركزي، وقيادات الإدارة الأهلية من الولايات المختلفة في السودان. "يوم تاريخي" وصف حميدتي يوم توقيع مراسم الاتفاق بأنه "تاريخي"، داعيًا الطرفين إلى التمسك به وتنفيذ بنوده، في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد وتقتضي التعاون بين الجميع ونبذ الاقتتال والقبلية. وقال إن الحضور الكبير لمجلس السيادة يؤكد أهمية هذه المناسبة للسودان التي انهت النزاع المؤسف الذي شهدته المدينة مؤخرًا . كما حضّ الجميع للتعاضد والتوحد في نسيج اجتماعي واحد يعبر عن مكونات ولاية البحر الأحمر، موضحًا أن العهد الجديد الذي تعيشه البلاد يرتكز على إرساء أسس العدالة والمواطنة وحكم القانون والتعايش السلمي بين المواطنين. وبشأن نقص خدمات الكهرباء والمياه بمدينة بورتسودان، كشف حميدتي عن صدور توجيه بمعالجتها عبر صندوق تنمية وإعمار الشرق، مُضيفًا أن توجيهًا آخر صدر لهيئة الموانئ البحرية بفتح فرص العمل لاستيعاب الشباب؛ بالنظر إلى دورهم المهم في عملية البناء والتعمير خلال المرحلة القادمة. وأكّد والي ولاية البحر الأحمر السودانية، اللواء ركن حافظ التاج، أهمية عمل الإجراءات اللازمة وتكامل الجهود لاستمرار الخطة الأمنية، مشيرا إلى بقاء القوات المشتركة بالولاية، ومطاردة الجماعات المسلحة، وفتح مراكز للشرطة بالأحياء، خاصة في المناطق التي تأثرت بالصراع. "تهديد حميدتي" وخلال توقيع الاتفاق، هدّد حميدتي بترحيل الأطراف القبلية المتنازعة من بورتسودان إذا لم تحترم للقانون، مؤكدًا أن الحكومة لن تسمح بالانفلات أو حدوث فوضى، خاصة في بورتسودان، لاعتماد السودان عليها في حركة الصادرات والواردات باعتبارها الميناء الرئيسي. وقال حميدتي، الذي يقود أيضًا قوات الدعم السريع: "إذا ما اتفقتم والله لنرحلكم إنتوا الاتنين"، مُضيفًا: "الآن نحنا دفعنا ديات القتلى، والتي بلغت 88 مليون جنيه، ولكن إذا حدث أي قتل فإن القبائل هي التي سوف تدفع"، حسبما نقلت شبكة "الشروق" السودانية. وشدد على ضرورة الالتزام بالاتفاق، وإنفاذه على الواقع، مُشددًا على أن "التوقيع على الورق لا يحل المشكلة، إذا لم تكن هناك نوايا صادقة لإنفاذه". ودفع التصريح الحضور من السكان ورجال الجيش والمسؤولين للتصفيق الحار، وليتابع دقلو، المعروف باسم حميدتي: "نحن نريد حلا جذريا للمشكلة، سببها وجود متفلتين وسلاح.. أي زول لازم يتحاسب ما في كبير على القانون، الآن بعد التوقيع، الزول اللي يغلط يتحمل المسؤولية". وطلب حميدتي، الذي يقود أيضا قوات الدعم السريع، من الطرفين تسليم الأسلحة غير المرخصة قائلا: "السلاح ممنوع رسميا، أي زول عنده بندقية يسلمها الليلة قبل بكرة". وتعهد بحل مشكلات إمدادات المياه والكهرباء في الولاية. كما أعاب على أطراف الاتفاق ظهور تباين بينهم لحظة التوقيع، وقال لقيادات القبائل: "كل الإدارات الأهلية بالسوادن شاركت في هذا التوقيع وشاهدة عليه، الأمر الذي يحتم على الأطراف احترام هذا الواقع". وأشار إلى أن ولايات دارفور عانت من الصراعات القبلية التي أدت إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى، إلا أن كل الأطراف تواثقت على الصلح ولم تنكص منه، دفعًا لعملية السلام الاجتماعي. ماذا حدث في بورتسودان؟ كانت اندلعت اشتباكات دامية استمرت لعدة أيام من 21 أغسطس الماضي، بين قبيلتيّ بني عامر والحباب من جهة، وبين قبيلة النوبة من جهة أخرى، وسط تحشيد ودعوات إلى القتال صاحبتها خطابات عنصرية. وأوقعت الاشتباكات 17 قتيلًا وما لا يقل عن 100 جريح، حسبما أعلنت لجنة الأطباء المركزية السودانية. وعلى إثر الأحداث، أُقيل والي البحر الأحمر ومدير جهاز الأمن بالولاية، وأعلِنت حالة الطوارئ في ولاية البحر الأحمر، وشُكِلت لجنة تحقيق في الأحداث الدامية التي اندلعت في مدينة بورتسودان. كما أرسلت قِوى إعلان الحرية والتغيير وفدًا إلى للعمل مع المجتمع المحلي في المدينة من أجل وقف نزيف الدم. والصراع بين قبائل البني عامر والنوبة في مدينة بورتسودان بصفة خاصة، والإقليم الشرقي بصفة عامة، له خلفيات وجذور قديمة. وكانت السلطات والإدارات الأهلية تُسيطر عليها سريعًا وبخسائر بشرية ومادية قليلة للغاية. وترجع بدايات النزاع بين القبيلتين في مدينة بورتسودان إلى عام 1986. وفي أوائل يونيو الماضي، سقط العشرات من قبيلتيّ بني عامر والنوبة، تزامنًا مع أحداث فض الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش بالخرطوم يوم 3 يونيو. وتعتبر مدينة بورتسودان التي تقع على ساحل البحر الأحمر، الميناء الرئيس للسودان. وتضم المدينة أعراقا وقبائل متعددة تعيش في أجواء من السلم الاجتماعي منذ سنوات بعيدة.