منذ شهرين كان المخرج المصري "أبوبكر شوقي" على موعد مع السعادة، تصفيق حاد لنحو 15 دقيقة في القاعة الرسمية لمهرجان "كان" السينمائي بعد عرض فيلمه الأول "يوم الدين" بالمسابقة الرسمية، لحظة خاصة ونادرة في عُمره وتاريخ مصر، بينما يقف بين الحضور من نجوم السينما والجماهير، تعلو ملامحه ابتسامة كبيرة، تحمل ورائها قصة ملهمة عن شاب أمسك بحلمه ولم يُفلته وظل لنحو 5 أعوام يقاوم من أجل إتمام فيلمه. مصراوي حاور شوقي بعد حصوله على جائزة "فرانسوا شالية" بمهرجان كان.. بماذا شعر بعد احتفاء الجميع ب "يوم الدين"، سبب عدم حضور أبطال العمل إلى فرنسا، وكواليس صناعة الفيلم ولماذا استغرق تلك الفترة من أجل الانتهاء منه. كما تحدث شوقي لمصراوي عن الصعوبات التي واجهته خلال تصوير العمل، كيفية تكوين فريقه من دول مختلفة، التعامل مع أبطال العمل رغم أنهما يقفان أمام الكاميرا للمرة الأولى، وعن اختيار الفيلم للعرض في مهرجان "الجونة" ومتى يظهر في دور العرض بمصر. - ماذا يعني لك حصولك على جائزة Francois chalai بمهرجان "كان"؟ الحصول على الجائزة شرف كبير جدًا، خاصة وأن أسماء كبيرة ورنانة نالت نفس الجائزة، خصوصًا أن يوسف شاهين حصل عليها عام 1999. - هل توقعت وصول الفيلم إلى "كان"؟ وكيف حدث ذلك؟ حين شرعنا في العمل على الفيلم، لم يكن لدي أي توقعات، خاصًة أنني لم أصنعه من أجل المهرجانات، عملت عليه لأنها قصة أحببت أن يراها الناس. وقبل قبول الفيلم في "كان" واجهتنا مشاكل، أحد المهرجانات الكبرى رفض الفيلم، كانت لحظة سيئة لكن لحسن حظنا، كان هذا الرفض سببًا في التقديم لكان، ولولا الرفض ما كان وصل الفيلم للمهرجان الفرنسي "الموضوع بيحتاج حظ كبير، وإن الناس الصح تشوفه في الوقت الصح". - بماذا شعرت حينما وصلك خبر اختياره في المسابقة الرسمية؟ راودنا شعور مميز جدًا، صعب حتى وصفه بالكلمات، لكنها كانت لحظة فريدة بالنسبة لنا، خصوصًا بعد فترة عمل امتدت لسنوات حتى يخرج الفيلم للنور "وإن أول فيلم ليا يدخل مسابقة كان الرسمية، كان شرف كبير بالنسبة لي". - شاهدنا تصفيق حاد عند عرض الفيلم هناك.. حدثنا عن تلك اللحظة. مشاعر مختلفة مررنا بها، نحن الآن في أكبر مهرجان في العالم، ومتواجد وسط اسماء أحببت أفلامها وتعلمت منها، من بينهم سبايك لي الذي علمني السينما بجامعة نيويورك، كان إحساس لا قدرة لي على وصفه سوى الاعتزاز بما صنعناه "خصوصا إن الفيلم خد وقت طويل وكان ممكن نقول خلاص الموضوع مش جايب همه". - لماذا لم يذهب أبطال العمل رفقتك إلى فرنسا؟ حينما أُعلنت مشاركتنا في "كان" لم يكن هناك وقت كبير، خاصة أن أحمد وراضي لم يسبق لهما السفر بالخارج من قبل، وبعدما انتهينا من استخراج جواز سفر وفيزا لهما، اكتشفنا ونحن في المطار أن الفيزا الخاصة بهما لفرنسا فقط وسفرنا كان عن طريق زيورخ، بعد مناقشات في المطار لم نفلح، رغم ذلك كان هناك اهتمام واحتفاء بهما في فرنسا خاصة إنهما غير محترفين للتمثيل، ووعدناهم بوجودهما معنا في مهرجان الجونة. - كيف رأيت تفاعل الجمهور المصري مع الحدث؟ "اتبسطت جدًا" من تفاعل الجمهور المصري مع الفيلم، وكم الرسائل التي استقبلتها من الجمهور، لم أتوقع ذلك خاصة أنني غير معروف في المجال "لكن فرحت إني عرفت أثبت للناس إن الواحد ممكن يعمل حاجة لوحده حتى لو الدنيا مش مساعدة حواليه لو اشتغل واجتهد وعنده طموح يخليه يكمل". -عودة إلى نقطة الانطلاق.. متى جائتك فكرة "يوم الدين"؟ منذ 10 سنوات، خلال صناعة فيلم تسجيلي عن مستعمرة الجذام في الخانكة، حكى لي عدد من الأهالي والمرضى "إن أكتر من واحد اتحط في المستعمرة دي وهما عيال صغيرة، ومحدش سأل فيهم من ساعتها ومش عارفين مين أهلهم" تولدت لدي رغبة في صنع فيلمي الروائي الأول عن تلك التجربة، ثم بدأت خيوط القصة في عقلي. - لماذا تأخرت الخطوة إذا؟ أنهيت دراستي في معهد السينما بمصر ثم غادرت إلى أمريكا والتحقت بجامعة كبرى بنيويورك، وشرعت في كتابة الفيلم خلال السنة الدراسية الأخيرة، وبعد التخرج عدت إلى مصر من أجل البدء في الإعداد للعمل والتصوير، كما استغرق الحصول على تمويل لإنتاج الفيلم نحو 5 أعوام. - تمويل الأفلام طريق صعب.. لكن لماذا ازداد الوضع صعوبة معك؟ "إني أول مرة أخرج فيلم، محدش يعرف اسمي، الأبطال مش ممثلين محترفين، القصة مختلفة" لذا حاولت إقناع رجال أعمال "ملهمش دعوة بالسينما، ناس كتير موافقتش وناس وافقت" لأنهم شعروا بحماسي وإيماني بالفيلم "وإني عايز أعمل حاجة مختلفة" فضلًا عن استعدادي جيدًا قبل لقائهم "كان معايا الفيلم جاهز وخطة واضحة". - متى عدت إلى القاهرة لتنفيذ الفيلم؟ في 2013 بعد التخرج من الجامعة الأمريكية، خضت تجربة السفر إلى كافة محافظة مصر وحدي "مشيت بالعربية من القاهرة لحد حدود أسوان، كنت عايز أعدي على كل القرى والنجوع وأشوف مصر على حقيقتها" كان بحثًا ميدانيًا هامًا ساعدني قبل تصوير الفيلم. - أبطال العمل من مستعمرة الجذام.. كيف وقع الاختيار عليهم؟ كما ذكرت من قِبل تعرفت على عدد كبير من أفراد المستعمرة أثناء فيلمي التسجيلي، كنت أتواصل معهم من حين إلى آخر، وعند عودتي إلى القاهرة زرت المكان "كنت بدور على ست صورت معاها في الفيلم التسجيلي، عشان تكون بطلة الفيلم، بس للأسف كانت تعبانة ومش قادرة تمشي" وفي الوقت نفسه التقيت ب "راضي" رجل موهوب "فهم الفيلم وظروف الشغل والقصة بتمشي إزاي". - هل اقتنع سريعًا بتجربة المشاركة في "يوم الدين"؟ كان مهمًا بالنسبة لي أن نتعرف أولًا كأصدقاء "قبل ما يعرفني كمخرج" حتى لا يظن أنني قادم من أجل استغلاله أو المتاجرة بمرضه "كنت عايزه يعرف بالظبط إحنا بنعمل إيه، وإني مقتنع بموهوبته". لم يصدق أحد وقتها أنه قادر على إتمام الدور لكننا اثبتنا العكس في النهاية "وإن إي حد لو بيشتغل في معطيات صح وقصة صح هيقدر يوصل لأفضل نتيجة" وراضي من الأشخاص الذين يستحقون فُرص مختلفة في الحياة "ولما بتجيلهم بيكونوا قدها". - كيف قمت تدريب "راضي وأحمد" خاصة أنهم لم يقفا أمام كاميرا من قَبل؟ تجهيز الأبطال لأداء أدوارهم كان يحتاج إلى وقت كبير لأن راضي وأحمد ممثلين غير محترفين، لذلك قضينا 4 أشهر في ورش عمل وتدريب ومناقشة حول الشخصيات "كنت عايزهم يعرفوا كل تفاصيل الفيلم، وإزاي يتعاملوا مع الكاميرا خلال التصوير وكنا بنقرا السيناريو سوا لأنهم مبيعرفوش يقروا ولا يكتبوا". - متى تحديدًا بدأت التصوير؟ بدأنا في أكتوبر 2015 وانتهى التصوير في يناير 2016، فترة طويلة مقارنة بالأعمال الفنية الأخرى، علاوة على التعطيل بسبب الأمور الإنتاجية. - ما هي المواقع التي قمت بالتصوير بها؟ انتقلنا بين أماكن عدة "احنا لفينا حتت كتير في مصر" من بينها الجيزة والبحيرة وبني سويف والمنيا، وهناك مناطق في السيناريو قمت بتصويرها في أماكن بديلة لتقليل النفقات. - هناك قطار استهلك جزء كبير من ميزانية العمل.. لماذا؟ من أبرز أحداث الفيلم مشاهد عديدة داخل قطار "كتبتها في السيناريو قبل ما أعرف إن الموضوع بيحتاج فلوس كتير وإجراءات بتاخد وقت وصورنا مشاهد القطر في 3 أيام بس، لو عليا كنت عايز أسبوع بس الوضع كان صعب". أتذكر أن اليوم الأخير كان علينا تصوير مشاهد هامة، وتمكننا من إنجازها بصعوبة، وأعتقد أن تلك الصعوبات هي ما تجعل الشخص يفكر بطريقة مختلفة ومبتكرة "وإزاي يطلع بأفضل حاجة.. يمكن لو الظروف سهلة مكناش عرفنا نعمل شغل كويس". - واجهت أزمات بعد تصوير العمل لإتمام الفيلم؟ الأزمات الأساسية في الحصول على تمويل لإتمام العمل، حين عرضنا "يوم الدين" على عدد من المنتجين "الناس كانت شاكة، محدش متوقع إن الفيلم دا يعمل حاجة أو حد هيتهم بيه" في الوقت نفسه لم نكن نملك أجور المونتاج والتلوين. - كيف تغلبت عليها؟ حصلنا على منح ساعدتنا بشكل كبير، واحدة من جامعتي بأمريكا وآخرى من مهرجان الجونة، فضلًا عن مساندة المنتح محمد حفظي وشركته "فيلم كلينك": "واشتغلت لمدة سنة في مسلسل أمريكي عشان أوفر شوية فلوس أكمل بيهم الفيلم". - تجربة مرهقة.. هل مررت بلحظات إحباط خلال إتمام "يوم الدين"؟ طبعًا، خمس سنوات أعمل على مشروع دون بارقة أمل أو معرفة مصيره "ومش عارف هعمل فيلم تاني ولا لأ"، كانت ذروة لحظات الإحباط حين أوقفنا العمل سنة "عشنا نقدر نشتغل ونجيب فلوس نقفل الفيلم". لكن كل تلك اللحظات تبددت حين انتهى فريق الفيلم من العمل "مهم تبقى مقتنع ومؤمن إنك هتقدر تكمل الفيلم وحد يحب يشوفه، مش مهم الإحباط المهم تقدر تتجاوزه". - فريق عمل "يوم الدين" من جنسيات مختلفة.. كيف قمت بتكوين هذا المزيج؟ بعضهم زملائي بجامعة نيويورك، آخريين من الأرجنتين، "المونتيرة" من أمريكا، وعدد آخر من مصر "ناس اشتغلت معاهم قبل كدا زي المنتج الفني محمود جمال أو مهندس الصوت شريف زين زميلي في معهد السينما" جميعهم "اتعاملت معاهم واستريحت للشغل بتاعهم وكان فيه بينا كيميا". - شارك في"يوم الدين" فنانين لم تلتقِ بهم.. كيف جرى ذلك؟ مؤلف الموسيقى عمر فاضل، من أصول مصرية يعيش في لوس أنجلوس "مقبلتوش قبل كدا، بس كانت كل مناقشاتنا على الاسكايب" أجلس طوال الليل لمدة شهر "نشتغل على المزيكا ونعدل". وأيضًا المسؤول عن التلوين "الموضوع متشابه، بنعمل مناقشات لايف وبنشتغل أونلاين". - لزوجتك دور هام في نجاح الفيلم.. حدثنا عن الشراكة القائمة معها. نحن شركاء في كل شئ، دينا إمام كانت منتجة العمل "بس كانت بتشتغل بإيديها، في مشهد مفروض نصور في قرافة ومعرفناش، وكنا في صحرا، وهي راحت حفرت التُرب دي بنفسها، وعملت اليفط، وساعدتني جدًا إننا نقدر نخلص الفيلم بالشكل دا". - متى يُعرض العمل في مصر؟ في مهرجان الجونة أواخر سبتمبر المقبل، ثم نفكر في توزيعه داخليًا سواء في مصر أو الوطن العربي، وعالميًا لشركة "وايل بنشر" الفرنسية. - تعليقك على مشاركته في مهرجان "الجونة"؟ شرف كبير عرضه في مهرجان الجونة في النسخة التانية، خاصة أن النسخة الأولى كانت قوية جدًا، ووضع نفسه في مكانة هامة على خريطة الوطن العربي، خصوصًا أننا فوزنا بمنحة من المهرجان في النسخة الأولى. - توقعاتك لرد فعل الناس في مصر بعد عرض العمل؟ أتمنى أن ينال إعجابهم "ويشوفوه كفيلم جديد ومختلف شوية، ويدخلوه وهما متفهمين إنه مش لازم يكون فيها أبطال معروفة، لإنه فيلم مصري جدًا، وإنساني، وبيبين إن الحياة حلوة رغم الصعوبات، نفسي الناس تحب تشوفه". - ما هي المشاريع القادمة لك؟ لدي عدة أفكار مختلفة، لكنني أحب التركيز على الأفلام التي تتناول المهمشين والأقليات "اللي صوتها مش مسموع وعندها صعوبات إنها تعمل أي حاجة عكس ناس تانية، وأحب أتكلم عن عالم إحنا منعرفوش ومشفنهوش قبل كدا".