لايزال القرآن الكريم يبوح بأسراره، فلبلاغة القرآن دور بارز وواضح في التفرقة بين معاني المتشابهات من الألفاظ. ولنغترف من معين البلاغة الذي لا ينتهي نبدأ بالتفرقة بين الصوم والصيام: قال ابن تيمية في الفتاوى: الصيام في اللغة معناه الإمساك، ولكنه نوع بعينه من الإمساك هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج. وجاء في معجم الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري: الفرق بين الصيام والصوم (1): قد يفرق بأن الصيام هو الكف عن المفطرات مع النية، ويرشد إليه قوله تعالى: "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم"(2) .والصوم: هو الكف عن المفطرات، والكلام كما كان في الشرائع السابقة، وإليه يشير قوله تعالى مخاطبا مريم عليها السلام: "فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا"(3). فالمقصود بالصيام هو الامتناع عن تناول الطعام والشراب وأي من المفطرات خلال شهر رمضان المبارك. أمّا الصوم فهو يخصّ اللسان لا المعدة، وهو مفروض على كلّ مسلم في جميع الأيام سواء شهر رمضان أو بعده، أي أن الصوم يأتي قبل رمضان وبعده. فالصيام وحده لا يؤدّي الغرض المطلوب ولا يُكسبنا الأجر والثواب العظيم، فلا بد وأن يرتبط به الصوم، فمن السهل على الإنسان أن يمتنع عن تناول الطعام والشراب من الفجر حتى أذان المغرب، ولكن من الصعب عليه قول الحق وخاصة إذا كان لنفسه، فالصوم يخفف ضغط المحاكم ويقلل من المشاكل بين الناس، فصوموا صوماً وصياماً لتعم الفائدة. فالصيام مرتبط بالصوم وحُسن الخلق وقول الحق، فإذا اجتمع الصوم والصيام معاً نال الإنسان الأجر والثواب العظيم. ورد لفظ الصوم في القرآن الكريم مرة واحدة، في قوله تعالى: (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا*فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا) [مريم: 26-27]، والمقصود بلفظ الصوم في الآية الكريمة أي الإمساك عن الكلام بقرينة، ويمكن القول في نهاية المطاف أنّ كلّ صوم في القرآن الكريم فهو الصيام المعروف إلّا الذي في سورة مريم يعني صمتاً. ونورد بعض الآيات التي ورد فيها لفظ: "الصوم" والآيات التي ورد فيها لفظ: "الصيام" أولا: التي ورد فيها لفظ: "الصوم" - قال تعالى: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (184) (البقرة) - قال تعالى: (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا* فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا) [مريم: 26-27]. ثانيا: بعض الآيات التي ورد فيها لفظ: "الصيام" - قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (183) (البقرة) - قال تعالى: "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ..."(187) (البقرة) - قال تعالى: "... فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (196) (البقرة)