في صباح يوم السادس من يونيو عام 2017، استيقظ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليكتب مجموعة من التغريدات على حسابه بموقع تويتر، اتهم فيها الحكومة القطرية بدعم وتمويل الإرهاب، وكانت هذه خطوة وصفتها مجلة فورين بوليسي بالكبيرة والمفاجئة لقادة الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب السعودية، الإمارات، مصر والبحرين، الذين كانوا أعلنوا مقاطعتهم لقطر في اليوم السابق على خلفية دعمها للإرهاب، وتمويل المجموعات المتطرفة في المنطقة. وتقول مجلة فورين بوليسي الأمريكية، في تقرير لها، إنه مع استمرار ما اسمته الحصار لأشهر طويلة، يبدو أن ترامب راض ومقتنع بنتائجه حتى الآن، على الرغم من وجود عدد من المكالمات الهاتفية بين ترامب وقادة الدول الأربع حثهم فيها على إعادة العلاقات إلى مجراها، إلا أن تلك القضية لم تكن من أولويات البيت الأبيض. عاد ترامب يتدخل في الأزمة القطرية مرة أخرى، ولكن بموقف يختلف عن سابقه، فبدلًا من مهاجمة القطريين كما فعل في يونيو الماضي، أرسل وزير خارجيته الجديد مايك بومبيو إلى الشرق الأوسط حاملًا رسالة إلى نظيره السعودي عادل الجبير يقول فيها: "عليكم بإصلاح المشكلة مع قطر، فهذا يكفي". وتساءلت المجلة، ما الذي حدث ليغير ترامب من موقفه بهذه الطريقة؟ لقد أدركت الإدارة الأمريكية أن علاقاتها مع إيران قد تنتهي بمواجهة حتمية، وأنها بحاجة إلى مجلس تعاون خليجي مُوحد بجانبها، وقرار ترامب بتغيير رأيه حول قطر يعني - بشكل كبير - أنه قرر أن يخرج الولاياتالمتحدة من الصفقة النووية الإيرانية في الأيام القادمة. ولكن - بحسب المجلة – "من المثير للسخرية، أن الحصار العربي ضد قطر أصبح واقع المنطقة، مع استخدام قطر لمواردها المالية لتجاوز تلك الأزمة، حيث أنشأت خطًا خاصًا بها لصناعة الألبان، غيرت من المسارات الجوية التي تقوم بها الخطوط الجوية القطرية، عمّقت علاقاتها مع تركيا، واستقبلت السفن المحملة بالطعام من إيران، خاصة في الأيام الأولى من المقاطعة". تضيف المجلة الأمريكية "الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، حاليا استوعبوا أن قطر لن تخضع للمطالب الثلاثة عشر التي خصصوها لإنهاء المقاطعة، اتجهوا لعزل الدوحة نهائيًا عن المنطقة، وأصبح الصراع ما بين الطرفين يعتمد على تصيد كل طرف لأخطاء وهفوات الآخر، ونشر الأخبار الكاذبة والتسريبات، والاختراقات الإلكترونية لإحراج الآخر، فعلى سبيل المثال، حذفت شركة الاتحاد الإماراتية للطيران، كلمة قطر من برامج خريطتها المتحركة". وتتابع المجلة، الخلاف بين قطر والدول الأربع انتشر إلى ما وراء الخليج، فجميعهم بالإضافة إلى تركيا لديهم مصالح في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وطورت تركياوقطر علاقاتهم العسكرية مع السودان مؤخرًا، مما أغضب المصريين، وزاد من الخلاف القائم بين كلًا من مصر والسودان وإثيوبيا حول توزيع مياه نهر النيل وبناء سد النهضة، كما أن هناك بعض توابع الخلاف تظهر في كلًا من ليبيا وتونس، حيث تدعم دول المقاطعة وقطر أطرافًا متنازعة هناك. كما أن الصراع أيضًا اتجه لداخل الولاياتالمتحدة، حيث أنفق السعوديون والقطريون أموالًا طائلة لكسب أصحاب القرارات السياسية، وأعضاء الكونجرس، وخليات التفكير إلى جانبهم، إلا أن كل هذا لم يتسبب في أي تغيير، والاتجاه العام في واشنطن ما زال كما هو قبل 11 شهرًا: "ليس أي من الطرفين يتسم بالكمال، وعلى الرغم من أن القطريين ليسوا ملائكة، إلا أنهم لهم أهمية في العلاقات مع الأمريكيين، وقاعدة العديد الجوية مهمة للغاية بالنسبة لهم". كان تعيين مايك بومبيو وزيرًا للخارجية بدلًا من ريكس تيلرسون، خطوة رحّبت بها دول المقاطعة، حيث كان يعتبر مسؤولو الرياض وأبوظبي، تيلرسون جزءًا من المشكلة، بحمايته المتكررة لقطر من غضب الرئيس ترامب الذي أعلن شن حملة عنيفة ضد الإرهابيين، مصادر تمويلهم، والإيرانيين، وعلى الرغم من أن الولاياتالمتحدة وقعت عددًا من اتفاقيات مكافحة الإرهاب مع قطر في فبراير، واستقبال ترامب لتميم بن حمد داخل البيت الأبيض في أبريل، إلا أنه بتعيين بومبيو في وزارة الخارجية يبدو أن الأمور ستأخذ منحنى آخر بالنسبة للقطريين. ولكن - بحسب المجلة - لم يحدث هذا، ويبدو أن معظم التفسيرات التي تناولت أسباب تغير رؤية واشنطن للصراع في منطقة الخليج ما زالت هشة ولا تعتمد على حقائق، سواء كان هذا التغير عن طريق دفع قطر لأموال كثيرة عن طريق الأشخاص المؤثرين لديها، أم إداراك واشنطن أن القطريين كانوا الأشخاص الجيدين في الصراع. وتقول المجلة "فإذا كان هذا التغيير عن طريق دفع الأموال لواشنطن، فلماذا يحدث الآن وليس في وقت سابق؟ فهذا لا يمثل تغييرًا حقيقيًا خاصة بعد تعيين جون بولتون مستشارًا للأمن القومي بدلًا من إتش آر ماكماستر، وتعيين بومبيو وزيرًا للخارجية بدلًا من ريكس تيلرسون، حيث لم يُمنح أي من الشخصين الجديدين في الإدارة الأمريكية الفرصة بعد للتعبير عن جملة "الإرهاب الإسلامي المتطرف"، كما أن كلًا منهما وصف جماعة الإخوان المسلمين بالمنظمة الإرهابية، وسيؤدي هذا بالتأكيد إلى اصطفافهما بجانب الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب. ما طلبه بومبيو مؤخرًا بأن تُسوي دول الخليج خلافاتها منطقيّ إلى حد ما، إذا وضعنا تاريخ 12 مايو في اعتبارنا، على أساس أنه التاريخ الذي سيحدد ترامب فيه ما إذا كان سيسحب العقوبات ضد إيران، أم سيكررها مرة أخرى، مما يعني انسحاب الولاياتالمتحدة من الصفقة النووية. وتابعت المجلة، أكثر ما يقلق واشنطن حول "الحصار" الذي تفرضه الدول الأربع ضد قطر، خاصة في أيامه الأولى، كان كيف سيؤثر الانشقاق في المنطقة على قدرة الولاياتالمتحدة وحلفائها على مواجهة إيران، ولم يكن هذا بسبب كون قطر - على الرغم من صغر حجمها - إحدى الدول الأساسية في المواجهة، ولكن بسبب أن عدم الاستقرار على الشواطئ الغربية للخليج العربي، سيمنح الفرصة لطهران لإلحاق المزيد من الضرر بشبه الجزيرة العربية، من خلال القيام بما برع به الإيرانيون في كثير من الأحيان، ألا وهو استغلال مشاكل العالم العربي لصالحهم. ولكن هذا الاستغلال لم يكن أبدًا حقيقيًا، حيث كل هذا مجرد فرضيات، فالإيرانيون - بحسب المجلة - لم تقوَ شوكتهم بسبب المشاحنات القطرية، لكن من السهل تصور أن يتغير ذلك، إذا انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي وأعادت فرض عقوبات على طهران، ويبدو أن الإدارة الأمريكية تريد خليجًا موحدًا للتخفيف من أي تداعيات محتملة لزعزعة الاستقرار، ومن غير المرجح أن يحاول الجنود الإيرانيون الوصول إلى الشواطئ الشرقية للسعودية، ولكن هناك افتراضية بأن تحاول إيران التخريب الداخلي، بالإضافة إلى حرب المعلومات التي تهدف لإرباك وتخويف دول الخليج. وأضافت المجلة: "سيكون من الأفضل ألا تشترك هذه الدول في أي نشاط ضد بعضها البعض، لأن هذا سيؤدي لإتاحة الفرصة أمام إيران وعملائها". ترامب - عادة - يميل إلى إصدار بعض التلميحات المخادعة قبل أن يتخذ قرارات مهمة، ولكن لم يكن هناك أي من هذه التلميحات قبل أن يتم إصدار القرار النهائي الخاص بالصفقة النووية الإيرانية، ولكن تغيير ترامب لآرائه حول قطر يدل على أنه سيرفض الصفقة، وجاء ذلك بعد افتراضات من بومبيو في بروكسل، بأنه لا يعتقد أن الرئيس سيبقى في الصفقة، وأيضًا فشل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الحصول على التزام من ترامب بضرورة الحفاظ على بل وتقوية الاتفاق. واختتمت المجلة تقريرها بالقول: "أصبح القطريون خارج صندوق العقوبات الخاص بترامب، بسبب إصراره على الالتزام بكلمته التي قالها إن الولاياتالمتحدة ستنسحب من الاتفاق النووي الإيراني، وقد يكون في هذا راحة لبعض الأشخاص، ولكن بالنظر لما قد يحدث لاحقًا من مواجهات بين الولاياتالمتحدةوإيران، فقد يندم الأمير القطري تميم بن حمد على هذا لاحقًا".