مع اقتراب غروب الشمس، تجمع الأطفال كعادتهم بالقرب من مسجد القرية، لبدء جولة جديدة من اللعب تحت أنظار أسرهم الذين يطمئنون عليهم بين حين وآخر، إلا أن ثمة جديدًا طرأ على السيناريو المعتاد بعد اختفاء حسناء (اسم مستعار) وشقيقها الذي يكبرها بعامين في ظروف غامضة، انتهت بالعثور على الأولى مذبوحة داخل حمام المسجد. الساعة تقترب من السادسة مساء أمس السبت، يستعد الأهالي لأداء صلاة المغرب قاصدين مسجد العمدة بقرية برطس التابعة لمركز أوسيم شمال محافظة الجيزة، لكن قبل وصولهم الباب استوقفهم "رضا" عامل السيراميك البسيط ليطالبه أحدهم بالتقاط أنفاسه "مالك يا مارادونا؟" ليجيبهم "بنتي حسناء مش لاقيها"، حسب رواية الأهالي. قسم الأهالي أنفسهم إلى مجموعتين، الأولى للبحث عن الطفلة المختفية، والثانية للوضوء استعدادًا للصلاة التي تفصلهم عنها دقائق معدودة. على غير عادته، لم يصعد عم "علي" إلى الطابق الثاني في المسجد، وانطلق إلى دورة المياه الواقعة في الطابق الأرضي بعدما تذكر أنه أغفل الوضوء في منزله، لكنه أصيب بصاعقة من السماء أطلق بعدها أصوات استغاثة دوت أرجاء المسجد "إلحقوووني". هرع المصلون إلى مصدر الصوت، ليتلقوا الفاجعة مرة واحدة "جثة طفلة مقتولة داخل دورة المياه". تسمر الجميع، لم يستطع أحد التحرك من موضع قدمه، ليقرر عامل بالمسجد الاقتراب من الجثة لاكتشاف هويتها ليتلقى الصدمة الأكبر "دي ميادة بنت مارادونا.. نادوا عليه بسرعة". في غضون دقائق، جاب الخبر جنبات القرية الصغيرة، حضر "مارادونا" إلى المسجد متمنياً لو أن الأمر محض إشاعة أو كابوسًا سيستفيق منه لكن مع وصوله ورؤيته للجثة من على بعد؛ انفجر باكياً صارخًا "بنتي بنتي.. مين اللي عمل فيكي كده"، سقط بعدها مغشياً عليه، وفق صاحب محل بالمنطقة. "حي على الصلاة.. حي على الفلاح.. الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله".. ارتفع صوت المؤذن لصلاة المغرب، منع بعدها الأهالي دخول أي شخص للطابق الأرضي -حيث جثة الطفلة- انتظارًا لوصول الشرطة، وأخرجوا والد حسناء لإفاقته. فور وصوله، فرض العقيد محمد عرفان، مفتش مباحث شمال الجيزة، كردونًا أمنياً بمحيط المسجد، طالب الحضور بالانصراف "لو سمحت.. عاوزين نشوف شغلنا علشان نجيب حقها". تبين أن الضحية تبلغ من العمر 4 سنوات، ترتدي ملابسها كاملة، بها آثار جرح قطعي بمنطقة الرقبة. انطلق المقدم مصطفى مخلوف، رئيس مباحث أوسيم، لجمع المعلومات حول أسرة الضحية، والوقوف على وجود خلافات أو عداوات بين والد الطفلة وآخرين ترتقي لحد القتل، إلا أن تحريات المصادر السرية استبعدت هذه الفرضية لما يتمتع به العامل البسيط من حب واحترام جيرانه. خلال سيره بمحيط المسجد، لاحظ رئيس مباحث أوسيم وجود كاميرات مراقبة خاصة بالمسجد، أسرع إلى القائمين على المسجد مطالباً إياهم بعرض ما التقطته خلال الساعات القليلة الماضية، خاصة التوقيت المتزامن لارتكاب الجريمة. شاب متوسط القامة بعلامة مميزة في وجهه دلف إلى المسجد وبصحبته طفلان قبل صلاة المغرب، أيقن رجال المباحث أنه المشتبه به الرئيسي، لكن زاوية كاميرا المسجد حالت دون كشف وجهه، لتبدأ رحلة البحث عن كاميرات المحلات المجاورة التي التقطت المتهم، ليوجه اللواء إبراهيم الديب، مدير مباحث الجيزة، عناصر البحث الجنائي بسماع أقوال الجيران وأصحاب المحال ومكان لهو الأطفال. انتهى رجال النيابة العامة والمعمل الجنائي من مناظرة الجثة ورفع البصمات من مسرح الجريمة وسط تواجد أمني مكثف بقيادة الرائد محمود بسيوني، نائب مأمور قسم أوسيم، فى الوقت الذي كسا الحزن والخوف القرية والأهالى، خاصة أن الواقعة جاءت بعد أيام من كشف جريمة مقتل طفل على يد زوجة عمه، التي ألقت جثته داخل صندوق قمامة بسبب الغيرة من والديه، وظنها أن الأم تقوم بأعمال سحر لها. بعد إفاقته، طالب والد ميادة الأهالي بإحضار نجله الذي كان برفقة شقيقته قبل اختفائها، سأله عن تفاصيل ما دار، لكنه لم يكن قد استوعب المشهد بعد لصغر سنه. قادت المشاهدات وأقوال المصلين المباحث إلى هوية المتهم ويدعى "محمد.ش"، 24 سنة، عامل، وأكدوا أنهم شاهدوه لحظة مغادرته للمسجد دون الطفلة في عجلة من أمره، وبدا عليه التوتر وعدم الاتزان، وخلال ساعات قليلة تمكنت مأمورية من ضبطه، فيما حاول بعض أهالى القرية الفتك به انتقامًا منه، إلا أن قوات الأمن حالت دون ذلك، وبمواجهته أقرّ بارتكاب الجريمة وراح يدلي باعترافات تفصيلية. "ماكنش قصدي أقتلها.. هي اللي صرخت".. أكد المتهم أنه استدرج الطفلين إلى المسجد، طالبًا من شقيق الضحية التوجه إلى شيخ المسجد في محاولة لإبعاده، ثم اصطحب الطفلة إلى الحمام ولدى محاولته خلع ملابسها بالقوة، بدأت في الصراخ تزامنًا مع وصول بعض المصلين، فأخرج سكينا من طيات ملابسه وذبحها، ولاذ بالفرار. اصطحبت قوات الأمن بقيادة العميد طارق الأحوال، مأمور قسم أوسيم، المتهم لإجراء المعاينة التصويرية للجريمة، وحرر اللواء فخر الدين العربي، مدير قطاع الشمال، محضر أحاله اللواء عصام سعد، مدير أمن الجيزة، إلى النيابة العامة للتحقيق.