قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية بساعات، كانت الآلام تُداهم "عطيات"، السيدة الستينية، لكنها انشغلت بحمل هم النزول للإدلاء بصوتها. طرحت السؤال على زوجها باهتمام "تفتكر هقدر أمشي لحد اللجنة وانتخب زي الانتخابات اللي فاتت؟"، ليُجيبها الزوج السبعيني "ربنا يقوينا". قبل 4 سنواتٍ، أُصيبت عطيات بكسر في القدم أثناء مُشاركتها في انتخابات الرئاسة 2014. ومن وقتها وهي لا تستطيع السير أو التحرك بسهولة. تفزع كلما زارت أحد الأطباء ليذكرها بضرورة إجراء عملية بقدمها "بيقولولي هتتكلف 60-70 ألف جنيه، طب هجيب منين وجوزي ع المعاش". إلا أن تلك الآلام لم تُثنيها عن المشاركة التي قررتها سابقًا. ربما ظروف عطيات جعلت منها حالة خاصة، لكن في الطابور الانتخابي لم تكن السيدة الستينية كذلك، ففي الصف كانت تقف عشرات السيدات من مختلف الأعمار، وفي المشهد الكلي سيطرت المرأة على العرس الانتخابي، تماما كما حدث في انتخابات 2014، وقتها تخطت نسبة تصويت المرأة ال 40%، وفقا للجنة العليا للانتخابات. في الطريق إلى لجنتها الانتخابية، تعكزت "عطيات" على زوجها واستندت إليه ليعينها على السير، بالقرب من مدرسة "أحمد عرابي" الابتدائية، وعلى بُعد أمتارِ منها، كادت أن تنفد قواها، جلست على الرصيف، فهرع إليها عسكري التأمين بكرسي متحرك خصصه قطاع حقوق الإنسان بوزارة الداخلية لخدمة المسنين، فانهالت عليه بالدعوات. "الحاجة عطيات" شاركت في العديد من الانتخابات من قبل إلا أنها نزلت هذه المرة خصيصًا لتأييد الرئيس السيسي "عاوزاه يصلح حال البلد ويعملّي معاش". على جانب الطريق، أمام مدرسة جمال عبد الناصر بالزاوية الحمراء، جلست "منى محمد" وهي تضع شال بألوان علم مصر حول رقبتها، بينما تمسك بعلم مصر بإحدى يديها. إلى جوار مُنى، جلست جارتها دُنيا بعد أن أتمت كلتاهما عملية الانتخاب. استطعن أن ينتصرن على شيخوختهن، وقررتا النزول والمشاركة "كلمتها قولتلها يا دنيا مينفعش مننزلش، لازم نشجع بعض وننزل ونقول رأينا عشان بلدنا". ستون عامًا لم تقوم خلالها السيدتين بالإدلاء بأصواتهما في أي عملية انتخابية من قبل، سوى انتخابات 2014، حيث كانت المرة الأولى التي تشاركان فيها بالانتخاب بحسب دُنيا "نزلنا ننتخب عشان حال البلد وقتها كان صعب وكنا عاوزين نحس إننا بنعمل حاجة عشان نغيره". عقب تلك المشاركة قررت السيدتان عدم التخلي عن ممارسة حقهما السياسي مرة أخرى والنزول إلى كُل انتخاباتٍ قادمة بل وحث أبنائهما وأحفادهما أيضًا على المشاركة. "الوضع دلوقتي اتغير عن زمان والسيسي بياخد خطوات للإصلاح، الأول صوتنا مكنش هيفرق لكن دلوقتي غير"، قالتها منى، مضيفة: نزلت خصيصًا هذه المرة لانتخاب الرئيس السيسي مرة أخرى لأنه الأصلح لإدارة البلاد الآن، وأطلق العديد من المشروعات القومية التي ستساعد في النهوض بالبلاد على المدى البعيد. تلتقط "دنيا" الستينية طرف الحديث من مُنى، وتقول: "صحيح الدنيا غليت بس لازم نستحمل عشان الوضع يتغير قدام، مفيش حاجة ببلاش ولا بالساهل". ذلك المنطق هو الذي دفع مُنى هي الأخرى لعقد اجتماعِ لبناتها وأزواجهم مع بداية العملية الانتخابية للتشديد عليهم بضرورة الانتخاب والإدلاء بأصواتهم "هينتخبوا معايا في نفس المدرسة، مش هتحرك غير لما أتأكد إنهم انتخبوا هما وأجوازهم". على الجانب الآخر من المشهد، كانت "مروة"، تجلس 12 ساعة يوميا داخل اللجنة الانتخابية بمدرسة النقراشي بحدائق القبة، لمعاونة القاضي في تسيير العملية الانتخابية. على مدى أيام الانتخابات الثلاثة، كانت "مروة" تترك منزلها في الثامنة صباحا، وتذهب لتستلم مهام عملها داخل اللجنة. تترك السيدة صغيرها الأكبر بالروضة، ورضيعها الثاني لدى والدتها، لتستقر وسط القضاة والموظفين الآخرين، في لجنة الانتخابات. للمرة الأولى تشارك الموظفة في العمل داخل لجنة انتخابات رئاسية، لكنها شاركت في تنظيم الانتخابات البرلمانية من قبل، "فيه فرق كبير، الانتخابات الرئاسية حدث أكبر بكثير بالتأكيد، من كل الجوانب". تنتقد الموظفة والأم عزوف البعض عن المشاركة في الانتخاب، تراه "ليس الحل الأمثل"، فممارسة العملية الانتخابية هو حق ديمقراطي مكتسب للجميع، وعلى الصناديق أن تأتي برئيس يعمل على حل مشاكل الشعب، وتغيير أوضاعه. تتوقف قليلا عن الحديث قبل أن تضيف: "كفاية إن بقى عندنا ثقافة الانتخاب أصلًا، زمان مكناش نعرف يعني إيه انتخابات ويمكن عشان كده الستات بتنزل كتير، حتى لو انهاردة مش أحسن لينا بكرة هيبقى أحسن لولادنا".