لاورا بالمس، كتالونية تعيش في برشلونة، تدرس علوم اللغة العربية في جامعة برشلونة وفي معهد بورقيبة بتونس، تعمل كمنسقة لدراسات الماجستير بجامعة اوتونوما ببرشلونة. ظلت لاورا تعمل حتى الرابعة صباحا، ولم يكن هناك مجال للنوم؛ حيث اتجهت بعد نصف ساعة لمقرها الانتخابي المدرج به اسمها، كي تحمي صناديق الاقتراع استعداد ليوم طويل شاق، هو الأول من أكتوبر حيث الاستفتاء على انفصال كتالونيا عن إسبانيا. وظهرت نتيجة الاستفتاء بنحو 89.3 % وافقوا على الانفصال، ووقعت مناوشات بين الشرطة المركزية والناخبين أسفرت عن إصابة نحو 800 شخص. وإلى نص الحوار.. كيف يرى الكتالونيين نتائج استفتاء الأول من أكتوبر؟ قبل الإجابة على سؤالك، هناك 7.5 مليون نسمة بكتالونيا، وهم عبارة عن موازييك متنوع من أعراق متنوعة، علاوة على اختلاف طرق تفكيرهم. لقد تزايدت مطالب الكتالونيين بالاستقلال بشكل كبير خلال الأعوام السبعة الماضية، وفي هذه الأثناء، طلب الشعب الكتالوني من السياسيين في الإقليم الاستجابة لهذه الأمر ( في إشارة إلى الاستقلال عن إسبانيا)، هذه النقطة مهمة جدا، لأنها مختلفة عما يقال في أنحاء إسبانيا، وهو أن الأحزاب الكتالونية هي من دفعت الناس إلى المناداة بالاستقلال عن إسبانيا، ومن ثم فإن هؤلاء السياسيين أجبروا على الاستماع إلى أراء أهل كتالونيا الذين كانوا يخرجون في مظاهرات بشكل مستمر لا من أجل الانفصال عن إسبانيا بل من أجل الاستفتاء. وهل نجح الاستفتاء من وجهة نظركم؟ الكتالونيون يرون نتائج استفتاء الأول من أكتوبر مبهرة؛ لأنه بالرغم من عدم "قانونيته" من وجهة نظر الحكومة الإسبانية ومن صوتوا ضده، إلا أن الكتالونيين على اختلاف أعمارهم وأعراقهم خرجوا إلى الشارع للتصويت. قبل الأول من أكتوبر- يوم إجراء الاستفتاء- هددت الحكومة الإسبانية الكتالونيين المؤيدين للاستفتاء، وطلبت من القائمين على المقار الانتخابية عدم المشاركة، ودفعت بألاف العناصر من الحرس الوطني والشرطة المركزية لعدم إتمامه . وماذا كان رد فعلكم؟ كرد فعل أمام هذه العقبات التي وضعتها الحكومة، خرج الالاف الكتالونيين الى مراكز الاقتراع، وطبعوا أوراق للتصويت ( بعد أن سحب الحرس الوطني ملايين الأوراق والمظاريف) ونظموا فاعليات ثقافية وشعبية أثناء الراحة الأسبوعية لهم، في المقار الانتخابية كي تظل مفتوحة ولا يتم إغلاقهما، فيما قام متطوعون بالنوم في هذه المقار لحمايتها أثناء الليل. كيف قضيت يوم الاستفتاء؟ ظللت في العمل حتى الرابعة صباحا، ثم توجت إلى المقر الانتخابي في الرابعة والنصف، فيما قامت الشرطة الكتالونية بحماية النظام العام، بينما قامت الشرطة المركزية بالتواجد أمام المقار الانتخابية في السادسة صباحا، وهو ما جعل الكتالونيون يتجمعون أمامها في الخامسة لحمايتها،، أمطرت السماء واعتقدت أننا سنفشل، وأن الناس سيعودون إلى منازلهم بسبب الأمطار الغزيرة، لكن المفاجأة أن أعداد الناس تزايدت، كان الجو باردا، لكن شعور ما بالمحبة والتضامن كان مسيطرا على الأجواء. أحضر الناخبون طعامهم وشرابهم لتحمل البرد والسهر امام المقر الانتخابي. في ساعات الصباح الأولى لهذا اليوم " التاريخي" بحسب لاورا، كانت الشرطة الكتالانية أمام المقار الانتخابية والتي كانت مليئة بالناس، وحماية لهم إذا تعرضوا لعنف، لكن ما حدث أن الشرطة المركزية والحرس الوطني اقتحما المقار بشراسة، واستخدما الرصاص المطاطي ( ممنوع في كتالونيا منذ 2014 ) وكذلك الغاز المسيل للدموع ، وطلبوا من القائمين على عملية التصويت في المقار الانتخابية هوياتهم الشخصية، لقد استخدموا العنف ضد الأشخاص الذين حاولوا حماية صناديق الاقتراع والدفاع عن حقهم في التصويت من ( شيوخ وأطفال ونساء)، واستولوا على أوراق التصويت والصناديق ومنعوا الناخبين من الدخول. بالرغم من هذا تستدرك لاورا، ورغما عن العنف والخوف والتهديدات وكذلك المطر، ، فإن 2.26 مليون كتالوني ( 42.57 % من عدد سكان الاقليم) صوتوا في الأول من أكتوبر، ما يعني ان 89.3 % صوتوا لصالح الاستقلال. اعتقد بشكل شخصي ان ما حدث نجاح، وأظهرنا للعالم اننا قادرون على نكافح سليماً من أجل حقوقنا، لكن الحكومة لم تتفهم ذلك، وقابلت السلم بالعنف، ولم تجعل الباب مواربا للحوار مع الشعب الكتالوني بعد ذلك. صباح الثلاثاء الثالث من أكتوبر، خرج الملايين إلى شوارع كتالونيا لإدانة عنف الشرطة المركزية ضدهم ومن أجل الديمقراطية وحرية التعبير، وعندما حل الليل وللمرة الأولى، وجه ملك إسبانيا فيبلبي السادس خطابه للشعب الإسباني عن مجريات الاستفتاء وما حدث في ذلك اليوم. هل تعتقدي بوجود حل سياسي رغم ما حدث بعد الاستفتاء ووقوع مصابين ؟ الحل الوحيد هو الحوار والديمقراطية الحقيقية، والإيمان بأن حقوق الانسان والديمقراطية تعلوان دستور 1978 ؛ هذا الدستور تم كتابته عقب موت الديكتاتور الإسباني فرانسيسكو فرانكو في عام 1975، وكانت بداية مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية، لكن المشكلة إنه إذا لم نستطع تغيير الدساتير فإن من الصعوبة بمكان التحديث والانتقال نحو المستقبل. أغلب من صوتوا صالح دستور 1975 ماتوا، هذا دستور عفى عليه الزمن، اذا لم يتغير فلن تسطيع النساء التصويت في الانتخابات. هناك الكثيرون في اسبانيا مع الاستفتاء ومع الحرية والديمقراطية، وعلى مدار التاريخ، وخاصة في السنوات الماضية، اتضح ان الفكرة الأولية أن إسبانيا بلد الجميع المتسامح ليس ممكنا، إسبانيا بلد غني بالتنوع وبه يمكن ان نكون شعوبا ولغات متنوعة، لكن اسبانيا تضرب هذا التنوع بعنف ولا يستطيع أي من الحزبين الكبيرين الاحتفاء بالاستفتاء لا يريدون ولا يودون معرفة أي شئ قبل الحوار ما هو رأي الشعب الكتالوني. الحل هو الحوار بين حكومتي اسبانيا وكتالونيا، لكن الحزب الحاكم ( pp ) يرفض الحوار منذ سنوات، اتوقع استقالة رئيس الحكومة مانويل راخوي، وإجراء انتخابات جديدة في اسبانيا، ويجب على إسبانيا والعالم احترام إرادة الشعب الكتالوني، اياً كانت النتيجة. اسبانيا يمكن أن تستعيد الكتالونيين عبر معاملة جيدة، ودولة ديمقراطية كاملة تجمع ولا تفرق . لقد علمنا التونسيون أن: "الكرامة تأتي قبل الخبز"، الشعب الكتالوني يشعر بالخيبة والتهميش، والاتحاد الاسباني يجب أن يكونوا مفيدا عبر اتفاقية صداقة تجمع كل الأطياف والسكان وألا يفرض عليهم شيئا. ما هي خيارات الكتالونيين مستقبلا؟ الحكومة الإسبانية انتهت، بسبب تصرفاتها وخطابها، شرعيتها انتهت بالنسبة لنا ككتالونين، لأنها عندما انتبهت لما يجري، طالبت بالحوار مع كتالونيا، لكن هذا تأخر جدا للأسف. عندما تعهد كل من "زين العابدين بن علي" الرئيس التونسي الأسبق، " وحسني مبارك" الرئيس المصري الأسبق في أيامهم الاخيرة بتحقيق الديمقراطية الحقيقة، كان القوت قد مضى وتجاوزهم، ستفهم الحكومة الإسبانية متأخرا جدا انهم لن يستطيعون الوقوف ضد شعب يعاني من الظلم، ولم يعد يخاف ولا يمكن تهديده ولا يخشى العنف.