اعتمدت الدوحة لغة تصالحية في مواجهة الإجراءات العقابية التي اتخذتها بحقها المملكة العربية السعودية ودول أخرى، داعية إلى حوار صريح للخروج من إحدى أكبر الأزمات الدبلوماسية في المنطقة. وبدأت الكويت على ما يبدو وساطة بين الدوحة والدول التي أعلنت قطع العلاقات معها، بينما دعت أبوظبي الثلاثاء إلى العمل على "خريطة طريق" لإعادة العلاقات مع الدوحة، إلا أنها شددت على ضرورة وجود ضمانات لتنفيذ خريطة الطريق هذه. وقال وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن في مقابلة مع قناة "الجزيرة" القطرية بثت ليل الاثنين الثلاثاء "لن تكون هناك إجراءات تصعيدية مقابلة من قطر، لأنها ترى أن مثل هذه الخلافات بين الدول الشقيقة يجب أن تحل على طاولة حوار". وأضاف "يجب أن تكون هناك جلسة فيها مكاشفة وصراحة وطرح لوجهات النظر وتعريف مواقع الاختلاف والعمل على تضييق مساحات الاختلاف مع احترام آراء بعضنا البعض". واتهمت السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر الاثنين قطر "بدعم الإرهاب"، واتخذت سلسلة إجراءات تهدف إلى عزلها، وقطعت العلاقات الدبلوماسية معها. وعددت وزارة الخارجية السعودية على حسابها على موقع "تويتر" الثلاثاء بعض الأسباب التي أدت الى قطع العلاقات، واتهمت الدوحة بالتدخل في شؤون دول خليجية اخرى والتحريض ضدها في الإعلام، واستمرار "دعم جماعة الإخوان المسلمين واحتضانهم على الأراضي القطرية". وتواجه قطر، الدولة الصغيرة التي أثبتت حضورها على الساحة الدولية بفضل ثرواتها الهائلة من الغاز والنفط، اتهامات متكررة بالتقاعس في مكافحة تمويل الإرهاب، لكنها تنفي هذه الاتهامات على الدوام. وتأتي هذه الأزمة في الخليج بعد اكثر من أسبوعين على زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض حيث دعا الدول الإسلامية إلى التصدي للإرهاب وشن هجوما لاذعا على إيران. وبحسب محللين، شجعت سياسة ترامب الجديدة في المنطقة السعودية على اقتناص الفرصة لعزل قطر. وأكد وزير الخارجية القطري في المقابلة مع الجزيرة أن "علاقتنا استراتيجية مع الولاياتالمتحدة، هناك أمور لا نتفق عليها، لكن نقاط التعاون أكثر من نقاط الخلاف". وللولايات المتحدة قاعدة جوية في قطر ينتشر فيها عشرة آلاف جندي أمريكي، وهي مقر القيادة العسكرية لمنطقة الشرق الأوسط وتستخدم خصوصا في الغارات الأميركية ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا والعراق. وساط كويتية وقال الوزير القطري ان أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني كان يعتزم توجيه خطاب الى القطريين بشأن الأزمة، لكن نظيره الكويتي اتصل به متمنيا عليه تأجيل هذا الخطاب إلى الثلاثاء لإعطائه "مساحة للتحرك والتواصل مع أطراف الأزمة"، فوافق الشيخ تميم على ذلك. وسبق للكويت أن قامت بدور وساطة بين قطر والدول الخليجية في مجلس التعاون في 2014 تم على إثرها إعادة العلاقات مع الدوحة بعد فترة من قطعها من جانب الرياضوأبوظبي والمنامة. لكن أبوظبي أكدت الثلاثاء أن أي حل للأزمة يجب أن يكون مرفقا بضمانات. وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش على حسابه على تويتر "بعد تجارب الشقيق السابقة لا بد من إطار مستقبلي يعزز أمن واستقرار المنطقة"، مضيفا "لا بد من إعادة بناء الثقة بعد نكث العهود، لا بد من خريطة طريق مضمونة". كذلك دعت طهران وموسكو وواشنطن ودول أخرى قطر ودول الخليج المجاورة إلى استئناف الحوار لتسوية الخلافات بينها. وبدأت الأزمة الأخيرة في مايو عندما أعلنت قطر أنها تعرضت لقرصنة أدت الى نشر تصريحات نُسبت إلى أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على وكالة الأنباء القطرية الرسمية. وتضمنت التصريحات انتقادات للسعودية ودول الخليج بعد القمة الخليجية الأمريكية خلال زيارة ترامب للرياض، لجهة موقفها من إيران. ونقل عن الأمير قوله إن إيران "تمثل ثقلا إقليميا وإن ليس من الحكمة التصعيد معها". وأدت هذه المسالة إلى تأجيج التوتر بين دول الخليج. وبدا وكأن وسائل الإعلام الخليجية لم تصدق النفي القطري، وواصلت التعامل مع التصريحات المنسوبة للأمير على أنها واقع. "قطر لن تركع" ودخلت الإجراءات التي اتخذتها الدول الخليجية ومصر بحق قطر حيز التنفيذ الثلاثاء. ومن بين 35 رحلة كان مقررا أن تنطلق من مطاري دبي إلى الدوحة، ألغيت 27 رحلة، بحسب موقع مجموعة مطارات الإمارة. وأعلنت الخطوط الجوية القطرية تعليق رحلاتها إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر "حتى إشعار آخر". وتضمنت الإجراءات العقابية إغلاق المجالات الجوية أمام رحلات الخطوط الجوية القطرية، وإغلاق الحدود البرية مع السعودية. كما طلب من رعايا قطر المقيمين والزائرين في السعودية ودولة الإمارات والبحرين، مغادرة أراضيها في مهلة 14 يوما. ورغم التطمينات التي أطلقتها الحكومة القطرية للسكان، إلا أن ذلك لم يحل دون تشكّل طوابير طويلة أمام المتاجر لتخزين المواد الأساسية خشية نقصانها في الأسواق. وقام المتسوقون بملء العربات والسلال بمختلف البضائع، وخلت بعض الرفوف من المواد الأساسية مثل الحليب والأرز والدجاج. وتعتمد قطر بشكل كبير على الواردات في قطاع المواد الغذائية التي يأتي معظمها من الدول الخليجية. ومن المتوقع أن يكون قطاع الصادرات هو الاكثر تضررا في الاقتصاد القطري، وهي تشمل الالات والأجهزة الإلكترونية والماشية التي تنقل برا إلى السعودية. وبلغت قيمة الصادرات القطرية إلى السعودية 896 مليون دولار في 2015. ورغم ذلك، شددت الصحف القطرية على أن الدوحة ستقاوم محاولات فرض "وصاية عليها". وعنونت صحيفة "الراية" ان "قطر لن تركع"، بينما كتبت صحيفة "الوطن" على صفحتها الأولى "قطر يا سادة ذات سيادة".