تعرف علي المبادرات التي أطلقتها الدولة المصرية لتدريب الشباب وتأهيلهم وتمكينهم    محافظ الأقصر يتابع إزالة 14حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية اليوم    سلطنة عمان تشدد على ضرورة الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار في غزة    اليونان تكافح حرائق غابات وحالة تأهب بسبب الحرارة المرتفعة    جالانت: الوضع شمال إسرائيل سيتغير بتسوية أو بعمل عسكري واسع    التشكيل الرسمي لمباراة إسكتلندا ضد سويسرا في يورو 2024    إسكتلندا وسويسرا.. التعادل يسيطر على الشوط الأول    أعضاء اتحاد شباب كفر الشيخ فى زيارة إلى دار المسنين بسخا    كولر يتخذ قرارًا بشأن «العريس» قبل مباراة الأهلي والداخلية    خبر في الجول – موديست يقترب من الرحيل عن الأهلي بنهاية يونيو    أخبار مصر: موعد استئناف امتحانات الثانوية العامة.. "الهجرة" تتابع موقف الحجاج المفقودين وإجراءات عودة الجثامين.. والأرصاد تعلن بدء فصل الصيف    لطلاب الثانوية الأزهرية، موعد استئناف الامتحانات بعد إجازة عيد الأضحى    روبي تختتم جولتها الغنائية بأمريكا وكندا الجمعة المقبلة    إحالة مديرى مستشفى "ساقلتة" و"أخميم" للتحقيق لتغيبهما عن العمل فى العيد    بخطوات سهلة.. طريقة عمل كفتة داود باشا    ديتوكس طبيعي يخلصك من دهون وسعرات لحوم العيد    وكيل صحة الإسكندرية تتابع سير العمل بإدارة برج العرب الطبية    موقف محمد صلاح.. الكشف عن تشكيل ليفربول للموسم المقبل مع آرني سلوت    موعد صرف معاشات شهر يوليو 2024 بالزيادة الأخيرة.. كيفية الاستعلام وطرق الصرف    رنا سماحة تعلق على نجاح أول ليلة عرض لمسرحية «العيال فهمت»    بعد انتهاء أعمال الحج.. علي جمعة يكشف عن آداب زيارة مقام النبي والمسجد النبوي    فيفا يخطر اتحاد الكرة المصري بإيقاف قيد مودرن فيوتشر    في أول مقابلة له كمدرب.. آرني سلوت: متحمس للتحدي الجديد الذي ينتظرني في ليفربول    المفوضية الأوروبية تقترح موازنة بقيمة 270 مليار يورو لعام 2025    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج بكالوريوس الطب والجراحة (الشعبة الفرنسية) جامعة الإسكندرية    إجازات شهر يوليو 2024.. تصل إلى 11 يومًا    حماس: سنعمل على تحرير كامل أرضنا وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس    اللحمة ب 250 جنيهًا عند الجزارة «أم سعيد»    حماس: 40 طفلًا قتلهم الجوع بغزة والمجاعة تتفاقم نتيجة حرب الإبادة الجماعية    الملحن محمد يحيى يشارك لأول مرة كموزع في أغنية تتحبي لعمرو دياب    النائب العام يلتقي نظيره الصيني على هامش زيارته للعاصمة الروسية موسكو    رؤساء لجان فى مجلس النواب ل«الشروق»: الحكومة الجديدة تواجه تحديات «جسامًا» تتطلب تغييرات جوهرية بأدائها    تفاصيل استراتيجية جديدة لقطاع الصناعية المصرية حتى عام 2027    «بالألوان هنكافح الإدمان» بالحدائق العامة    تداول 74 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحرالأحمر    اليوم العالمي ل الأنيميا المنجلية.. 4 أعراض تكشف الإصابة بالمرض    بسمة بوسيل تطرح أغنيتها الثانية هذا العام بعنوان "قال في حقي"    عيد الأضحى 2024.. "اليخت والبانانا والبارشوت" أبرز الألعاب المائية بشواطئ مطروح    ما حكم ترك طواف الوداع لمن فاجأها الحيض؟.. الإفتاء توضح    حج عن أمه وترك أبيه وحيدًا في مكة.. «صيدلي كفر شلشلمون» يلحق بأخيه المتوفى أثناء «المناسك»    مايا مرسي تستقبل رئيس الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي    هل ينتهي الغياب المتكرر دون إذن إلى فصل الموظف من العمل؟    وزيرة الهجرة: نتابع موقف الحجاج المصريين والتنسيق مع الجهات المعنية بشأن المفقودين وعودة الجثامين    النيابة تندب لجنة من حى بولاق أبو العلا لمعاينة العقار المنهار    3 أبراج فلكية تكره النوم وتفضل استغلال الوقت في أشياء أخرى.. هل أنت منهم؟    ما هي علامات قبول الحج؟.. عالم أزهري يجيب    تنسيق الثانوية العامة 2024.. تعرف على درجات القبول في جميع المحافظات    في رابع أيام عيد الأضحى.. جهود مكثفة لرفع مستوى النظافة بشوارع وميادين الشرقية    علي جمعة ينصح: أكثروا في أيام التشريق من الذكر بهذه الكلمات العشر    مصرع 11 شخصا جراء الفيضانات وسوء أحوال الطقس في الهند    تعرف على خريطة 10 مشروعات نفذتها مصر لحماية الشواطئ من التغيرات المناخية    إصابة 6 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بالقناطر الخيرية    ما هي الأشهر الحرم وسبب تسميتها؟    محمد رمضان يعلن غيابه عن دراما رمضان 2025 للموسم الثاني على التوالي    أول تعليق من اللاعب محمد الشيبي على قرار المحكمة الرياضية الدولية | عاجل    استشهاد 7 فلسطينيين فى قصف إسرائيلى على شمال غربى مخيم النصيرات وغزة    ناقد فني: أعمال عادل إمام توثق مراحل مهمة في تاريخ مصر    «بايدن» يستنجد ب«المستنجد»!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاسم: إبراهيم والديانة ''مسلم ومسيحي''.. والمصاب ''دم مهدور''
نشر في مصراوي يوم 15 - 04 - 2017

أمام بناية رقم 12 في شارع الإسكندراني، بمنطقة محرم بك، عُلقّت ورقة مكتوب عليها "إنا لله وإنّا إليه راجعون، الشهيد إبراهيم السيد"، داخل المنزل تبكي فوزية حامد ابنها البكري، يعلو صوت القرآن كاسرًا الصمت، فيما كانت أسرة إبراهيم جرجس باخوم بشارع مصطفى مختار المتفرع من "الإسكندراني" تستقبل الأم جيهان جرجس، المصاب جراء تفجير الكنيسة المرقسية، في ساعتها الأولى بالمنزل دون زوجها الراحل في الحادث الإرهابي.
شارع واحد يفصل بين السيدتين، قبل يوم الأحد المنصرف لم يعرفا أنهما جيران في حي محرم بك، كما لم يعلما أن المصاب سيجمعهما، فتصير كل منهما أم مكلوم على فقيد. للاسم نفسه "إبراهيم"، 28 عامًا تفصل بين عمرهما، الفارق خطوات بين الوفاة على أبواب الكنيسة من الداخل والخارج، لكن الديانة لم تفرق في الدم المسال باسم "الدين".
تداول خبر رحيل "الإبراهيميين"، قررت فوزية الاطمئنان على جيهان بعدما التقت ابنها "كيرولس" وتبادلا التعزية، وبعودة الأخيرة إلى منزلها، توجهت والدة الشاب العشريني الراحل صوب الجيران.
على باب محفور عليه صورة السيدة العذراء، استقبل مينا الابن الأكبر لأسرة "باخوم" والدة إبراهيم، "قلبي عندك" تقولها فوزية لجيهان، العائدة لتوها من المستشفى، ترتدي السواد هي الأخرى، تجلس سارحة الاعين أمام صورة زفافها من إبراهيم جرجس.
بصالة المنزل، يصاحب جيهان أقاربها النساء وأبنائها، يهمّ مينا بتعريف فوزية "دي والدة شهيد برضه ابنها مات في التفجير"، يسود الصمت ثوان. تعرف فوزية أن ابن جيهان،فادي، هو زميل حُسام -ابنها الأصغر- بالمدرسة، لكن لا تدري الأم جيهان عن ذلك شيئَا.
منذ انتقلت "جيهان" إلى مستشفى الأنبا تكلا، أخذت تسأل عن زوجها، يخبرها الأبناء أنه في العناية المركزة، فيما تخفي أنفسهم النبأ العظيم، تصدق السيدة حديثهم مرغمة وتتمتم "يارب أشفيه هو وأنا لأ"، ليوم الثالث تلح في سؤالها عن "إبراهيم"، الشكوك تساور قلبها، حتى تأكدت يوم الثلاثاء المنصرف، "لقيت أسقافة وأبوات بيكلموني عن الاستشهاد" تحكي السيدة الأربعينية عن يوم معرفتها بوفاة زوجها، حين نظرت للوافدين، لا تفهم مقصدهم إلى أن قيل لها "بصي يا جيجي إبراهيم في السما".
تتشارك السيدتان الحُزن، تتذكر فوزية نهار الأحد الماضي الذي بدا عاديًا؛ اجتمعت الأسرة حول "الطبلية" لتناول الإفطار الذي أحضره ابنها "ابراهيم"، بعدها استعدّ الشاب ذو الثانية والعشرين عامًا للذهاب إلى المعهد الفني اللاسلكي، ومن ثم حضور إحدى الدروس الخاصة في مركز قريب من "المرقسية"، ارتدى تي شيرت لونه مائل للصفرة، تأنق بخواتم فضية بيده، نظر إلى أمه قائلًا "مش عايزة حاجة يا زوزّة"، ثم ذهب ليلتقي رفاقه.
تقول فوزية إن تفجير "المرقسية" لم يشغلها، سمعت عنه أثناء عملها، حزنت للمصاب الأليم، لكن القلق راودها عند الرابعة عصرًا، "قلبي أكلني عليه، كان عنده كورس في المنشية، هيخلصه وييجي"، انتظرت فوزية أكثر من خمس ساعات وصول ابنها، لكنه لم يأتِ.
تستحضر فوزية اليوم البغيض، إذ تنقلت بين أقسام الشرطة والمستشفيات حتى صباح يوم الاثنين، لم تجد مكان سوى المشرحة، ساقتها قدماها إلى "كوم الدكة"، استندت على سيارة اسعاف بينما كاد عقلها أن يشتّ، حتى رأت أحد الموظفين "سألته على ابني، قالي تعالي تعرفي عليه"، ومع رؤية الجثة الثالثة ارتمت عليها مُنهارة صارخة "ضنايا".
بصوت أتعبه الصراخ تقول جيهان "ربنا ما يوري عدو ولا حبيب"، وتنتحب فوزية "احنا في حلم.. أقول زمانه داخل.. قمت سخنت الأكل بالليل عشان إبراهيم يتعشى زي كل يوم"، فيما تشرد زوجة جرجس وهي تتمتم "نزلت بيه رجعت من غيره".
تتحدث فوزية عن حال ابنها الصغير حسام " الولا حالته زي الزفت.. يقول لي مين اللي هيذاكر لي" وتكمل الزوجة المكلوم شطر الجملة الحزينة، تذكرت حين اقترب منها ابنها "بيشوى"، ذي الثمانية أعوام، يسأل "يا ماما بابا فين؟"، فأجابته "يا حبيبي بابا ركب طيارة وهنروحله بعد كده"، يبتسم الصغير ويقول "لأ بابا في السما"، يخبرها أنه اليوم شاهد بالتليفزيون حوار مع شقيق الانتحاري الذي فجر نفسه في الكنيسة، ينقبض صدرها "ده عيل يرضي مين حرام والله" تقول قبل أن تدخل في نوبة بكاء، بينما يعتصرها الألم الجسدي.
تعود دائرة الحديث إلى فوزية تقول "حاسة بيكي عشان أنا جوايا نار". استلمت السيدة تقرير الطب الشرعي الذي وصف حالة الوفاة "جروح انفجارية تهتكية بالرأس والصدر والبطن والأرداف". دخل الشاب جثة هامدة إلى المشرحة في الساعة الواحدة والثلث، تعوّد إبراهيم على المرور من أمام كنيسة المرقسية أثناء ذهابه إلى الدرس، ولم يكن يعلم أن عبوره هذه المرّة سيلحقه ضمن 17 مواطنًا راحوا ضحية الانفجار.
تتذكر جيهان ما حدث يومها، اعتادت العائلة الاحتفال في "المرقسية". 5 أشقاء وزوجاتهم، وأبنائهم، علم الجميع بتفجير طنطا حين بلوغ الكنيسة، كانت العاشرة صباحًا، لم تدخل الرهبة قلوبهم، تركوا الأطفال يمرحون بالساحة، قبل الانتهاء من الصلاة في تمام الثانية عشر ظهرًا، غير أن نصف الساعة تلك التي انتظروا بها، يتبادلون الحديث، عن الأحوال ومخططات الأسبوع قبل العيد كانت ميقات الغدر.
رحل الأب "إبراهيم" وسقطت الأم مصابة، فيما حُجب عن الابن الصغير، فادي، الأذى "جري قبل دقايق من التفجير.. هو اللي كان ظاهر في الفيديو"، يخرج الصغير، الصدمة تغلف ملامحه منذ الحادث، يحتضنه شقيقه "مينا"، يحثه على الترحيب بالحضور، محاولا بين الحين والآخر ألا يتركه وحيدًا.
تدور في الجلسة كلمات "ربنا يجيب لهم حقهم"، فتقول جيهان "والله ما بدعي كده.. بقول ربنا يهديهم"، تشرد فوزية قليلًا، تشتمّ رائحة وليدها، مازال صوته يرنّ في أذنيها قائلًا "ايه يا زوزة قومي كدا أنتي تعبانة ولاايه"، لم يكن إبراهيم وحيدًا حين مرّ أمام الكنيسة، رافقه صديق له يدعى أحمد عبد المولى، الذي يرقد بالمستشفى مصابًا.
8 مسامير، وشريحة ومن فوقهم جبيرة تحيط بالذراع اليمنى لجيهان، جراء ثلاث شظايا اخترقتها "الدكتور قال لي احمدي ربنا لو كانت جت في الإيد من تحت كان ممكن مترجعش سليمة"، الجروح والكدمات تملأ جسد الزوجة، من وجهها، حتى أخمص قدميها، غير أن الفؤاد يدميه جرح لن يندمل لرحيل "أبو العيال".
يستقر جثمان "باخوم" في دير ماريمينا، بينما دفنت أسرة الشاب فقيدها بمدافن المنارة، تتذكر فوزية أن اسمه ذهب مع زملاء معهد اللاسلكي إلى القاهرة، لحضور امتحانات السنة النهائية "كان نفسه يقعدني ويستتني"، لكنها لا ترغب الآن سوى ب"ربنا يراضيني ويجيبلي حقه". تئن جيهان بتذكر طفليها التوأم –فادي وبيشوي- إذ بات عليها الأن أن تعيلهم وحدها.
ينفض جمع السيدتين، تودع كل منهما الأخرى، داعية أن تتغمدهما الرحمة من التفكير في كيفية تحمل المصاب، وتخرج والدة إبراهيم من باب منزل جيهان، الذي يعلوه صورة للأنبا كيرلس السادس، ممهورة بكلمات "كن مطمئنًا جدًا ولا تفكر في الأمر كثيرًا بل دع الأمر لمن بيده الأمر".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.