جميلة هي البدايات دائما، كإشراقة شمس في صباح يوم يحمل أمل جديد، وصوت "زقزقة" العصافير على أغصان أشجار يمنحك لونها الأخضر طاقة وانطلاقة لا تتوقف، وشغف بمشاعر حب تدق باب القلب للمرة الأولى، لكن استمرارها يحتاج لعوامل أخرى، خاصة وأن حسابات العقل تأتي في مرحلة ما بعد البدايات، وهو ما جعل "شمس نور الدين" بطلة فيلم "بشتري راجل" تصطدم بأفكار بالية، فتقرر عدم الزواج. صنّاع "بشتري راجل" نجحوا من خلال حملة تسويقية مختلفة، في إثارة ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، بنشر فيديو لفتاة تُدعى شريهان نور الدين، تطلب فيه رجل يتبرع بحيواناته المنوية لتتمكن من تحقيق حلمها بالأمومة دون زواج، حتى كشفت دينا حرب منتجة الفيلم عن حقيقة الفيديو وأنه أسلوب للدعاية، لإثارة انتباه الجمهور حول الفيلم وقصته. الفيلم يتماس مع الواقع ممزوجا بجرأة وخيال صنّاع الفن السابع، فكثيرات أصبحن ترددن -اليوم- نغمة عدم الرغبة في الزواج، مفضلات الابتعاد عن تحكمات الرجال، التي أدت في حالات عدة للطلاق، لكن حلم الأمومة -تلك المشاعر التي تحلم بها كل فتاة-، ينغص عليهم هذا حياتهم، لتجد "شمس" -الفتاة المستقلة والناجحة في عملها- الحل في طفل الأنابيب، صحيح أنها تذهب للمأذون ولكن ليكمل الشكل الاجتماعي فقط، بزواج صوري تستطيع من خلاله الحصول على حيوانات منوية من الرجل الذي سيتزوجها على الورق، لترتدي الفستان الأبيض إرضاءا لوالدتها من ناحية، وتحقيقا لحلمها من ناحية أخرى. تبدأ شمس رحلة البحث عن الرجل المناسب، لتأخذه إلى المأذون وتدفع له المقابل المادي، سعيا لإنجاب طفل قبل فوات الآوان، بعدما أكد لها خالها طبيب أمراض النساء، أن نسبة حملها تتقلص بمرور الوقت، فتجد ضالتها في الدكتور البيطري بهجت أبو السعد، شاب يملك مزرعة أخذ بضمانها قرض وتعثر في سداده، بصورة تهدد "مزرعته" التي لا يتخيل حياته بعيدا عنها، ورغم ارتباطه بقصة عاطفية مع فتاة أخرى، إلا أنه يقرر خوض التجربة إنقاذا لمزرعته. موسيقى الفيلم التي وضعها أمير هداية، كانت من بين العناصر الجاذبة، سيطر فيها البيانو مع آلات وترية، لتتنوع الأنغام حسب المشاعر التي يمر بها أبطال العمل، فتارة تعبر عن التوتر الذي يسبق اتخاذ قرار مهم، فيتحول الدق على أصابع البيانو ليشبه دقات الساعة، وفي الوقت الذي تفكر فيه شمس أن تحول زواجها من بهجت لزيجة طبيعية بعد فشل العمليات الثلاث –طفل الأنابيب- التي أجرتها، تعكس الموسيقى لحظات ضعف شمس وتخرج من أصابع البيانو مع الآلة الوترية صوت ناعم ، يضع شمس في حالة التأمل التي تسبق قرار يجد ميلا في نفوسنا، وفي مرة ثالثة حققت موسيقى البيانو في أوقات الانفصال حالة الحنين والألم لدى شمس وبهجت. تعود نيللي كريم للكوميديا بعيدا عن الأعمال الفنية التي اعتاد الجمهور على مشاهدتها فيها، والتي تقوم على قصص مؤثرة، ونجحت مع محمد ممدوح في انتزاع ضحكات الجمهور في المشاهد القائمة على لعبة "القط والفأر"، ويقدم ممدوح من خلال الفيلم دور رومانسي لايت لشخصية أكثر إتزانا من دوره في مسلسله الأخير "جراند أوتيل"، الذي لعب فيه دور رومانسي حالم أقرب للسذاجة، وأضاف دور لطفي لبيب بخفة ظله المعهودة مسحة كوميدية لطيفة، إلى جانب المشهد الوحيد الذي استعان فيه المخرج ببيومي فؤاد. قصة الفيلم البسيطة قدمها المخرج محمد علي بصورة جذابة، تجعلك لا تشعر معها بالملل، وكان التصوير من أجود عناصر الفيلم، وكان استخدام اللقطات الواسعة خاصة في المساحات الخضراء، والبيت الريفي مع شروق الشمس، تعبير عن فكرة الميلاد التي تنتظرها البطلة، ميلاد الحب وميلاد مشاعر الأمومة الحقيقية والمنتظرة. يقترب الزوجان من بعضهما بفضل خطة الأم، وهي المشاهد التي كانت تحتاج تمهيد أكبر في السيناريو، فكيف لهذه الفتاة العنيدة بين ليلة وضحاها، أن تستسلم وتشعر بالضعف، وتوافق على الاقتراب من رجل لا تعرفه –حسب تعبيرها-، ولا تجمعهما أي نقاط مشتركة، ومع ذلك قدمها المخرج بطريقة جاذبة، لن تجعل الجمهور يتوقف كثيرا عند هذا التحول، وتحاول شمس النصف الثاني من الفيلم، أن تساعده في حل أزمته المالية، وتخطط معه لتطوير المزرعة، ويقربها هو من عالمه "تربية الحيوانات، المكان الذي يحب السهر فيه، لماذا يطلق عليه أصدقاءه بوجي، الوقوف في المطبخ لصنع الطعام الذي يعشقه". "بشتري راجل" فيلم خفيف لا يحتمل تعقيد، قائم على فكرة جريئة، صدم بها الجمهور في حملته التسويقية –الغير معتادة-، ويناسب الوقت الذي طُرح فيه "عيد الحب"، وسيدخله الجمهور وهو متأكد من نهايته السعيدة، التي تثبت ما قاله "العندليب الأسمر" عبدالحليم حافظ في رائعة نزار قباني "قارئة الفنجان": " وبرغم الريح وبرغم الجو الماطر والإعصار.. الحب سيبقى يا ولدي أحلى الأقدار". "بشتري راجل" تأليف إيناس لطفي من خلال ورشة عمل أشرف عليها السيناريست وائل حمدي، بطولة نيللي كريم، محمد ممدوح، محمد حاتم، لطفي لبيب، ليلى عز العرب، ومن إخراج محمد علي، إنتاج دينا حرب.
