اليوم.. الكنيسة القبطية تستضيف اجتماع لجنة الإيمان والنظام بمجلس الكنائس العالمي    23 أكتوبر 2025.. تراجع معظم مؤشرات الأسهم الآسيوية بعد هبوط وول ستريت    عاجل- الرئيس السيسي يلتقي رئيسة البرلمان الأوروبي ويوقع في سجل الشرف    محافظ أسوان يشدد على تكثيف الحملات الميدانية لضبط الأسواق واستقرار أسعار السلع    تركيب 213 وصلة مياه شرب نظيفة للأسر الأولى بالرعاية بقرى ومراكز أسوان    رئيس مركز بحوث الإسكان: تطبيق معايير البناء الأخضر في المتحف المصري الكبير    محافظ المنوفية يشهد توريد سيارات مكنسية جديدة بقيمة استثمارات 51 مليون جنيه    الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات جديدة على روسيا تستهدف أسطول الظل    أضرار جسيمة في منشآت الكهرباء والمياه بعد هجوم بطائرة مسيرة في السودان    مقتل فلسطيني برصاص مسيرة إسرائيلية في بلدة بني سهيلا شرقي خان يونس    الهلال الأحمر المصري يدفع بأكثر من 6 آلاف طن مساعدات إلى غزة عبر قافلة زاد العزة ال57    سلوت: صلاح الأحق بجائزة أفضل لاعب في إفريقيا هذا العام    الزمالك يجهز شكوى لتنظيم الإعلام ضد نجم الأهلي السابق    عندنا أمم إفريقيا.. محمد شبانة يوجه رسالة هامة ل ياسر إبراهيم    الصيف رجع تاني: تعرف على طقس مطروح اليوم    29 أكتوبر الحكم على علياء قمرون فى نشر محتوى وفيديوهات خادشة    ضبط لحوم غير صالحة وسلع غذائية منتهية الصلاحية وتحرير 208 محضرا تموينيا فى أسيوط    بعد واقعة مدرس الدقهلية.. 5 نصائح فعّالة لحماية طفلك من التحرش    محمد الطوخي يتألق في مهرجان الموسيقى العربية بمشاركة علي الحجار    رانيا يوسف تكشف الفرق الحقيقي في العمر بينها وبين زوجها: مش عارفة جابوا الأرقام دي منين!    حنان مطاوع بعد فيديو والدها بالذكاء الاصطناعي: "اتصدمت لما شوفته وبلاش نصحي الجراح"    السادة الأفاضل.. انتصار: الفيلم أحلى مما توقعته ولا أخشى البطولة الجماعية    أحداث مثيرة في مسلسل «المدينة البعيدة» تكشف صراع جيهان وبوران    الحكومة توافق علي إصدار عملات تذكارية ذهبية وفضية بفئات متعددة.. تفاصيل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة قنا    مستشفى الجراحات الجديد بجامعة طنطا ينضم لمنظومة التأمين الصحي الشامل    وزيرا الصحة والتعليم العالي يشهدان افتتاح المؤتمر العلمي الدولي السنوي ال 66 للجمعية المصرية للأمراض الصدرية    إنجاز طبي نادر بجامعة الإسكندرية لإنقاذ مصاب فلسطيني من غزة    الصحة توقع مذكرة تفاهم مع الجمعية المصرية لأمراض القلب لتعزيز الاستجابة السريعة لحالات توقف القلب المفاجئ    ميدو جابر يخضع اليوم لأشعة تشخيصيه على الركبة لتحديد حجم إصابته    عمر عصر يخضع للتحقيق بالفيديو من ألمانيا بعد خناقة البطولة الأفريقية    تجدد القصف الإسرائيلي على خانيونس وغزة رغم وقف إطلاق النار    إطلاق القطار السريع وافتتاح مشروعات كبرى.. أحداث هامة بمعرض TransMEA القادم    الاتحاد الأوروبى: تم حظر استيراد الغاز المسال الروسى    محمد صلاح.. تقارير إنجليزية تكشف سر جديد وراء أزمة حذف الصورة    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    هل التدليك الطبى حرام وما حكم المساج فى الإسلام؟.. دار الإفتاء توضح    مقتول مع الكشكول.. تلميذ الإسماعيلية: مشيت بأشلاء زميلى فى شنطة المدرسة    مصرع عامل سقط من أعلى سقالة فى المنوفية    الجريدة الرسمية تنشر قرار باستبعاد بوروندى الجنسية خارج البلاد لأسباب تتعلق بالصالح العام    ستيفن وارنوك: ليفربول أثبت قدرته على الفوز دون محمد صلاح واستبعادُه قد يتكرر مستقبلاً    بعد قليل.. "الوطنية للانتخابات" تعلن القائمة النهائية الرسمية لمرشحى مجلس النواب 2025    بسبب تجاوزات في آليات اختيار مرشحي الحزب.. أمين حزب الجبهة الوطنية بسوهاج يتقدم بالاستقالة    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025    إطلاق مبادرة "ازرع" في موسمها الرابع لدعم 250 ألف فدان من القمح    الإعلان عن القائمة النهائية الرسمية لمرشحى مجلس النواب 2025    ليفربول يفك عقدته بخماسية في شباك آينتراخت فرانكفورت بدوري الأبطال    ترامب يدعو مربي الماشية إلى خفض الأسعار ويؤكد استفادتهم من الرسوم الجمركية    10 رحلات عمرة مجانية لمعلمي الإسماعيلية    سعر الذهب اليوم الخميس 23-10-2025 بالصاغة.. وعيار 21 الآن بعد الانخفاض الكبير    رئيس محكمة النقض يستقبل الرئيس التنفيذي لصندوق الإسكان الاجتماعي    علي الحجار يتأثر بغنائه «فلسطيني» في مهرجان الموسيقى العربية    سيصلك مال لم تكن تتوقعه.. برج الدلو اليوم 23 أكتوبر    4474 وظيفة بالأزهر.. موعد امتحانات معلمي مساعد رياض الأطفال 2025 (رابط التقديم)    هترم عضمك.. وصفة شوربة الدجاج المشوي التي تقاوم نزلات البرد    ميلود حمدي: فضلت الإسماعيلي رغم الصعوبات.. وأعد الجماهير ببذل كل ما أملك    داعية إسلامي: زيارة مقامات آل البيت عبادة تذكّر بالآخرة وتحتاج إلى أدب ووقار    مواقيت الصلاة في أسيوط غدا الخميس 23102025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صيدلي مصري يروي تفاصيل رحلته في جنوب السودان (حوار)
نشر في مصراوي يوم 07 - 11 - 2016

شابٌ يذهب كل صباح لعمله بإحدى شركات الأدوية، في المساء يُقابل أصدقاءه، يعود للمنزل كي ينام ويستيقظ في اليوم التالي ليلحق بالعمل. دائرة مُفرغة ظل رائف عزيز يدور فيها منذ تخرجه في كلية الصيدلة عام 2010، حتى انقلبت موازين الأمور منذ أقل من عام. بعدما جاءته فرصة للسفر والعمل في جنوب السودان، لدى منظمة "أطباء بلا حدود".
عالما بما سيواجهه هناك ذهب عزيز. فضّل التطوع على البقاء داخل دائرة الأمان الوظيفي. قبل السفر قرأ عمّا يحدث فيها من اقتتال بين الشمال والجنوب، ووجود متمردين على حكومة الدولة الأفريقية الوليدة، وعن حالات كثيرة ضربتها حُمى الملاريا والإسهال الدموي، وأطفال يُباعون بأسواق للعبيد، غير أن صعوبة تلك الأشياء توارت مع تواجده في قلب الحدث على أرض أحدث دولة في العالم؛ إذ أيقن أن الخطر يكمن فقط في الخوف من التجربة.
لم يكن جنوب السودان خيار عزيز، عُرض عليه هناك العمل لمدة ستة أشهر عقب مروره ببضعة اختبارات في المنظمة "وبعد تقديم عرض العمل إلى بقى لي حق القبول أو الرفض". سخرية الأصدقاء لاحقت الصيدلي بسبب قراره "قالولي انت مش هتستحمل".
في 2016 بدأت رحلة عزيز للأرض الغريبة، حيث استقر الفريق على أطراف قرية بسيطة، يتحركون داخلها برفقة أحد السكان، وذلك يحدث تحديدا في أيام الآحاد من كل أسبوع "كانت القرية فيها سوق مبيتباعش فيه إلا بامية وطماطم لونها أصفر.. مكنتش عارف إنها طماطم أصلا"، يقول عزيز ساخرا، قبل أن يحكي عن شيء آخر اعتاد رؤيته هناك "أزايز كوكاكولا هي الوحيدة اللي بتتباع في القرية.. مش عارف بيجيبوها إزاي"، فيما عدا ذلك فكل المواد الخام المُستخدمة في الأكل، تأتي بالطائرة كل أسبوعين أو شهر.
في جنوب السودان تجري الأمور سريعا، العمل يستمر لما يزيد عن 12 ساعة يوميا، ما ينبغي تعلمه في شهر، يجب إتقانه في يومين، لذا شدّ أفراد الطاقم من أزر بعضهم البعض، إن لم يكن بشكل مادي، فبالاحتواء والإنصات.
سمع عزيز عن المعيشة صعبة في جنوب السودان، حتى لمتطوعي "أطباء بلا حدود"، إلا أن معايشتها في الواقع ظلت أمرًا آخر. أول ما قابله عند وصوله هو المطار الصحراوي، والحرارة التي تصل أحيانا إلى 50 درجة مئوية. غير أن مسكن الشاب ظل أصعب مما تخيل، حيث كان عبارة عن أحد الأكواخ الصغيرة التي تُسمى "توكول" ويحيط بها وبمبنى الإدارة سور واحد. بداخل كل كوخ يوجد سرير حديدي، دولاب، ومروحة "قالولنا خلوا بالكوا منها عشان لو باظت الإمدادات هتاخد وقت على ما نجيب تاني". بجانب أماكن السكن، ثمة غرفة متسعة بها طاولة طعام تسمح بجلوس 15 فردا أو أكثر، وبها تلفاز أمامه أريكة يجلس عليها المتطوعون عقب يوم العمل، بحثا عن تسلية بسيطة في صندوق الدنيا.
عاهد الصيدلي نفسه أن يستفيد من التجربة قدر المستطاع. صار ضيق الكوخ الذي يسكن فيه تحديًا تعلّم من خلاله ابتكار حلول لحفظ أشياءه بشكل منظم، لم يعترض على عدم تنوع أصناف الطعام، ففكر في طرق أخرى تُقرب له روح الأكل المصري "اللحمة اللي كانت بتيجي مكنتش بحبها أوي فاضطريت اتعلم الطبخ عشان أعملها بخضار يضيع الطعم شوية"، إلا أنه افتقد بعض التفاصيل في مصر، على رأسها "أكلة معمولة حلو"، أو جلسة يأنس بها إلى من يحب من أصدقائه أو عائلته؛ فاستعاض عنها جزئيًا بصُحبة أصدقائه الجدد من الجنسيات المختلفة التي يعمل معها.
خلال رحلة العمل احتك الشاب بالسودانيين المحليين، بحكم عمله كمسؤول عن الصيدلية أو المخزن الطبي. وجدهم مختلفين عن المصريين حيث أنهم يتسمون بالهدوء والخجل "ده بالإضافة لظروف الحياة شديدة الفقر" يقول عزيز، مؤكدا أنه شعر بالأسى نحو السكان "كنا بنعاني من الحرارة واحنا داخل المباني ما بالك بالسكان هناك."
صاحب عزيز الشعور بالخطر في أحيان كثيرة، خاصة مع سماع أزيز الرصاص في القرية المحلية المجاورة، إلا أن توتر الأجواء في القرية واختلاف بيئات أعضاء البعثة، لم يدفعهم للتأفف، لأنهم تعاملوا مع الأمر وكأنه وثيقة أو عقد بينهم وبين المنظمة والمكان، أنجزوا مهامهم الطبية، وفي نفس الوقت تتولى الجهة المسئولة حمايتهم والحفاظ عليهم إذا حدثت مشكلة، فيقول: "في المجمل كانت فترة تعليمية مكثفة، 6 شهور تعلمت فيهم اللي ماتعلمتوش في 27 سنة".
التجول في مهبط طائرات بالقرب من مقر المنظمة ومشاهدة الغروب هناك صار هو فُسحة الشاب الوحيدة وزملائه، وإذا أراد أحدهم الذهاب له عليه اصطحاب شخص آخر "بس أكتر حاجة مُضحكة إن المطار نفسه يبعد عن المقر دقيقتين مشي.." كما أن الأبواب كانت تُغلق قبيل السابعة لاعتبارات الأمن.
علم الصيدلي أنه نجح في اختبار رحلته الأولى بآخر شهر من مُدة البعثة، عندما نشبت معركة بين أهالي البلدة الأصليين واللاجئين القادمين من السودان، حينما قرر المسؤول عن البعثة إخراج 15 شخصا من زملائه وإرسالهم إلى العاصمة جوبا، حتى يتبقى عدد محدود يكون لديهم فرصة ركوب الطائرة المخصصة لمغادرة المكان إذا حدثت كارثة ما. كان هو بين الباقين، فشعر بالفخر، سائلا مديره عن سبب تركه في القرية، لُيخبره الرجل بأنه لديه قدرة هائلة على التكيف مع الأمور "قالي انت بتتميز بمرونة شديدة، سهل يكون لك رد فعل سريع مع تغير الأحداث والظروف إللي حواليهم".
ظلت الأيام العشرة الأخيرة عسيرة على عزيز، أصيب بالإرهاق لعدم حصوله على كمية كافية من النوم لارتفاع حدة الأحداث في القرية المجاورة "المسؤول كان بيقولنا خلي الراديو جنبنا باستمرار عشان لو حصل حاجة هينقلونا لمكان بعيد مجهز لحمايتنا من الخطر" .
بعد عودته من السودان استقبله أهله كالأبطال، وصار تركيز عزيز على الاسترخاء وممارسة حياته الطبيعية "أشغل التكييف، أنام في سريري لأن اللي هناك مرتبته متعبة جدا". في المقابل كثرت العزائم وطالت مآدب الطعام، حتى يستعيد ما خسره من وزن "خسيت في جنوب السودان 15 كيلو".
ذكرى سكان جنوب السودان لم تفارقه، ما يزال يحفظ في قلبه احتياجات الناس وعجزه أحيانا عن تلبيتها "مفيش حاجة مش محتاجينها، الناس هناك عايزين حياة"، فهم يفتقرون للتغذية الصحية والمياه النظيفة، والرعاية الطبية . يتذكرالشاب مدى افتقار الأطفال لأبسط وسائل الترفيه فيلجؤون إلى اللعب بالطين قرب برك تجمع الماء ما يعرضهم للإصابة بالملاريا.
"في الرحلة عرفت أنا قد إيه بني آدم قوي وعمري ما كنت فخور بنفسي قد ما أنا فخور بيها بعد التجربة دي". هذا ما لم يكن سيدركه الشاب إذا استمرت حياته في القاهرة كما هي. بعد ثلاثة أشهر قضاها الصيدلي في القاهرة قرر مواصلة التطوع بالذهاب إلى بلد آخر يعاني من الأزمات في قارة آسيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.