أسوان عز الدين عبد العزيز منذ شهر واحد تقريبا وفي ذروة الاشتباكات التي اندلعت بين الدابودية وبني هلال في أسوان، دقت "الأهرام العربي" ناقوس الخطر حول تهريب السلاح إلي مصر من خلال الدروب الجبلية والحدود شبه المفتوحة، وتناولنا تحديدا قرية العدوة جنوب مدينة إدفو باعتبارها ملتقي الممنوعات. وقتها لم يكن تهريب السلاح فقط هو المقصود، وإنما كان هو إشارة إلي جزء قليل من كثير يحدث هناك، فالتهريب علي كل لون وصنف في الجنوب، تارة سلاح .. وأخري بشر يتخذون من مصر معبرا إلى إسرائيل وغيرها من الدول العربية .. وثالثة مخدرات .. وأخيرا مغامرات أحلام البحث والتنقيب عن الذهب. فجرت إصابة العشرات من المواطنين بالملاريا بقرية العدوة بمركز إدفو الأسبوع الماضي عدة ملفات غاية في الخطورة، علي رأسها تردد وتمركز المئات من الأشقاء السودانيين في هذه القرية تحديدا، بعد أن دخلوا إليها من خلال طرق غير شرعية للعمل مع الحالمين بالذهب. ومن خلال دماء هؤلاء انتقلت الملاريا إلي دماء أهالي القرية وبمجرد لدغة باعوضة تعرضوا لها لتصبح القري المجاورة علي شفا حفرة من الملاريا وهو ما يهدد الجنوب بكارثة. من هذا المنطلق تضع «الأهرام العربي» التفاصيل التالية أمام الأجهزة المسئولة لعلها تتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خصوصاً أن أسوان ساحرة الجنوب السمراء لم تعد الآن هي جسر السياحة فقط، وإنما تحولت وللأسف إلي معبر للأمراض المختلفة، بداية من حمي الوادي المتصدع وصولا إلي الملاريا. عند دخولنا إلي قرية العدوة التي تقع علي بعد 3 كيلومترات، جنوب مدينة إدفو، لفت الانتباه هذا الكم الهائل من السيارات نصف النقل الحديثة وذات الدفع الرباعي القادرة علي التعامل مع الجبال والدروب الصحراوية والغرز في الرمال، كما كان ملحوظا ومن خلف أسوار بعض الأحواش في البيوت البلدية الواسعة، مجموعات من الشباب تختفي ثم تعود لتظهر، وعندما تقدمنا نحوهم كانت مفاجأة الآبار في انتظارنا، حيث عرفنا بعد ذلك أن هذه الآبار ومن خلال الرمال تستخدم في تنقية رماد الذهب، لينتهي الأمر في نهاية المطاف إلي قطعة صفراء لامعة، هي ربما نتاج لطحن كميات كبيرة من الصخور. أهالي القرية لم يبدوا أي اعتراض حول التقاط الصور، حتي اقترب منا شاب يعمل سائقا، طالبا التحدث بدون ذكر اسمه وقال الموضوع أكبر كثيرا من كونه الملاريا، فهناك المئات من السودانين الذين نرتبط معهم بعلاقات نسب ومصاهرة وقرابة، باعتبار أن القرية تسكنها قبائل العبابدة والبشارية الأساتذة المحترفون في تقفي الأثر والدروب والمسالك الجبلية من حلايب وشلاتين وحتي هنا، وقال الأمر في غاية الخطورة، فنحن لا نرفض بقاء هؤلاء الأشقاء أو نطالب بطردهم، فعلي العكس نرحب بهم بشرط أن يدخلوا البلاد بالطرق الشرعية ومن المنافذ الرسمية، بحيث يتم الكشف عليهم والتأكد من خلوهم من الأمراض، خصوصاً الملاريا التي ظهرت بسبب وجود هؤلاء وانتشار البعوض في كل مكان لأسباب أخري. ويتدخل أحد الأهالي ويدعي عبد السلام أبو الوفا، قائلا: لابد أن تتدخل الدولة لوقف هذا العبث الذي لا تستفيد منه بشيء، فالكل يعرف أن هناك وادياً علي بعد 180 كيلومتراً شرقا بالقرب من مرسي علم، وعنده تبدأ رحلة البحث عن الذهب، ويقول إن معظم الوافدين علي قرية العدوة يتخذون من وادي الرديسية شرق القرية، محطة ترانزيت للاتفاق علي بروتوكولات العمل ونسبة الربح وتكاليف الرحلات لينطلقوا بعدها نحو الجبال، أما المصيبة الكبري فهي تهريب الأفارقة عبر هذه الجبال ليصلوا إلي إسرائيل والدول الأخري، وهي كارثة بكل المقاييس لارتفاع نسبة إصابتهم بالإيدز والملاريا، ويصرخ مناشدا الجهات السيادية التدخل بقوة قبل أن تستيقظ علي كارثة جديدة. أما المهندس أحمد سعيد، من أبناء القرية فقال: إن الملاريا التي أصابت العدوة ونجع الشيخ مصطفي، لن تكون هي نهاية المطاف، ما لم تقض الدولة تماما عليها وتقتلعها من جذورها، فالمرض ينتقل من شخص مريض إلي شخص سليم ومن خلال باعوضة الأنوفليس الفرعونية، وإذا ما أرادت الدولة أن تواجهه فعليها مراجعة الغرباء بالمنطقة وردم البرك والمستنقعات وإبادة البعوض الناقل للمرض، أما في حالة تقاعسها فالمتوقع أن يكون هناك العديد من الأمراض الأخري. ويكشف سعيد عن قصور الصحة والمحليات في مواجهة الملاريا قائلا: سيارات شفط طرنشات الصرف الصحي الذي لم يدخل القرية بعد أن تلقي بحمولتها علي بعد خطوات من القرية، ونتحدي أن يتحمل أحد هجوم جحافل البعوض علي القرية، بعد غروب الشمس، ويتساءل بالعامية هي فين أشهر عربية في مصر، ويقصد سيارات رش مبيد "التيفيا "الذي يبيد البعوض، فمنذ ثورة يناير وعلي مسئوليته اختفت هذه السيارات تماما عن الوجود. إذن يمكن القول إن أسباب ظهور الملاريا في عدوة إدفو هي أفراد مافيا البحث عن الذهب الذين نقلوا المرض، بالإضافة إلي انتشار البرك والمستنقعات وعدم دخول الصرف الصحي إلي القرية، وهو ما يستلزم تحرك الجهات المعنية سريعا قبل أن نفاجأ بتكرار كارثة أعوام 1942 1945 عندما اجتاحت الملاريا مصر وقضت علي الآلاف من المصريين بفعل بعوضة واحدة. الباعوض .. القاتل رغم أن ظهور أول حالة مصابة بالملاريا منذ أسبوعين، فإن انشغال أجهزة الدولة بالانتخابات الرئاسية جعلها لا تعير أي اهتمام بمعاناة أهالي قرية العدوة في أسوان. وفور تناول الإعلام للكارثة، توافدت فرق المكافحة والتقصي الوبائي علي المنطقة، وأقام الدكتور عمرو قنديل، رئيس شئون قطاع الطب الوقائي بوزارة الصحة، والدكتور محمد محرز، مسئول الملاريا بالوزارة، إقامة دائمة بإدفو وأعلنا حالة الطوارئ، وقبل أيام وصل الدكتور عادل عدوي، وزير الصحة لزيارة المصابين وللاطمئنان علي المكافحة الميكانيكية والبيولوجية للمرض من خلال ردم برك ومستنقعات محاجر الرمال بنجع الشيخ مصطفي ورش المبيدات. وكشف قنديل عن أن الملاريا التي انتشرت بشكل محدود تمت محاصرتها تماما ولا تعد وباء، حيث إنها من النوع الحميد الذي يستجيب إلي العلاج، وقال قنديل إنه تم سحب 900 عينة من الأهالي، ولم يثبت إلا إصابة 13 شخصاً فقط أثبتت التحاليل إيجابية عيناتهم. الجمال .. خطر قادم باعتبارها معبرا لتجارة الجمال بين مصر والسودان، فإن أسوان علي المحك من كارثة جديدة، ربما تكون أشد وطأة من الملاريا، فبعد أن ثبت علميا أن فيروس الكورونا الخطير ينتقل إلي الإنسان من الجمال، بات الخطر قادما علي أبواب الجنوب في أبوسمبل السياحية، حيث إن هناك قوافل كبيرة من الجمال السودانية تصل إلي هناك وتخضع للحجر البيطري، وتعد مدينة دراو من أكبر أسواق تجارة الجمال بين مصر والسودان، خصوصاً تلك التي تصل عبر درب الأربعين، ويذكر أن تاريخ أسوان مع الأمراض القادمة من الجنوب كان أشهرها مرض حمي الوادي المتصدع الذي حرم المحافظة من تناول اللحوم الحمراء شهورا عديدة منذ عشر سنوات. الهروب إلي إسنا أثناء زيارة وزير الصحة عادل عدوي، إلي إدفو، واجه الوزير غضبا جماهيريا كبيرا داخل مستشفي الحميات، حيث طلب منه الموجودون الالتقاء بأهالي قرية العدوة الذين تجاهلهم عقب تفقده بمحجر الرمال بالنجع المجاور لها. وهناك وجدها الوزير فرصة جيدة للالتقاء مع مسئولي فرق المكافحة والتقصي، ورصد "الأهرام العربي" حديثاً هامسا دار بين الوزير ومسئول بالمكافحة، والذي أشار إلي أن البعوض الأنوفليس الفرعوني المتوطن بالقرية، قد فر هاربا وجار تتبعه علي حدود محافظة الأقصر في مركز إسنا، خشية من أن يكون محملا بدماء مصابين بالملاريا، وأوضح بأن الباعوضة يمكنها الطيران لمدة 20 كيلومتراً بدون توقف، وهنا طلب الوزير طلب تكثيف عمليات رش المبيدات ومواصلة تعقب البعوض في كل مكان وبلا رحمة. الطوارئ في السد العالي أعلنت إدارة الجامبيا في أسوان حالة الاستنفار القصوي داخل بحيرة السد العالي وتعد إدارة الجامبيا إحدى أهم إدارات وزارة الصحة المصرية التي تعمل ومن خلال بروتوكول وقعته مصر مع السودان في عام 1970، لمكافحة بعوضة الجامبيا التي تنقل مرض الملاريا الخبيثة القاتلة. وتقوم بعثة الجامبيا المصرية السودانية المشتركة بتمشيط بحيرة السد العالي والعمل في عمق الأراضي السودانية لضمان عدم وصول الحشرة إلي البحيرة التي تعد بيئة خصبة لنمو وتكاثر البعوض. وخلال الأيام القليلة الماضية أنهت البعثة عملها الذي استمر لمدة شهر كامل، وسط تطمينات مؤكدة منها بخلو بحيرة السد العالي تماما من البعوض. يذكر أن ميناء السد العالي شرق تخضع حاليا لإجراءات صحية مشددة، حيث يصطحب فريق طبي مكون من 5 أطباء من بينهم 3 أطباء مصريين ركاب باخرتي ساق النعام وسينا في الرحلات الأسبوعية الأربع لهما، ما بين السد العالي وميناء الزبير بوادي حلفا، وخلال رحلة العودة إلي أسوان يتم الكشف صحيا علي جميع الركاب داخل المسطح المائي للبحيرة علي بعد 500 متر من الميناء وحجز أي مشتبه في حالته فورا. «العدوة» فى منظمة الصحة ربما لا يعرف كثير من الأسوانيين شيئا عن قرية العدوة التي يسكنها نحو 10 آلاف نسمة معظمهم ينتمون إلي قبيلة العبابدة، فجأة أصبحت العدوة هي محط اهتمام وسائل الإعلام وبرامج التوك شو، بسبب ظهور حالات الملاريا الحميدة، ومن النطاق المحلي إلي العالمي تردد اسم العدوة حيث كان من المفروض أن تعلن منظمة الصحة العالمية خلو مصر من مرض الملاريا في الأول من يونيو الخالي، ورغم تأكيدات وزير الصحة بأن هذه الحالات القليلة لن تؤثر علي قرار المنظمة، فإنها بكل تأكيد ستتسبب علي الأقل في تأخير هذا الإعلان. وعلي المستوي الإفريقي وصل إلي القرية الدكتور وليد علي، الرئيس التنفيذي لمجموعة إنراد لمكافحة الملاريا بإفريقيا، حيث من المنتظر أن يرفع علي تقريرا إلي المنظمة حول الحالة العامة للحالات المكتشفة، عقب انتهاء فرق المكافحة والتقصي الوبائي بوزارة الصحة من أعمالها. وصل عدد فرق المكافحة والتقصي التي كلفتها وزارة الصحة لمتابعة الملاريا في عدوة إدفو ونجع الشيخ مصطفي إلي 11 فرقة تضم 121 متخصصا، الفرق قامت بتوزيع إرشادات تثقيفية علي الأهالي طالبتهم من خلالها بنصب ناموسية داخل الغرف، وارتداء القمصان والجلاليب ذات الأكمام الطويلة، كما قامت الفرق بدهان المساكن بتركيبة كيميائية خاصة لطرد البعوض. فوبيا الأمراض المعدية من الواضح أن الدكتور عادل عدوي، وزير الصحة يصادفه سوء حظ كبير منذ توليه مسئولية الوزارة، حيث توالت في عهده الأمراض المعدية ومنها إنفلونزا الطيور والكورونا وأخيرا الملاريا، وأثناء اللقاء الذي جمعه علي دكة الشيخ عبد السلام مصطفي عبد السلام، بقرية العدوة، حاول عدوي الخروج من فوبيا هذه الأمراض بالحديث في السياسة، حيث أعلن عن بدء تطوير وإصلاح 31 مستشفي مركزياً علي مستوي الجمهورية، منها مستشفي إدفو بتكلفة 55 مليون جنيه، الجديد هنا هو تأكيد عدوي بأنه هذا التطوير كان ضمن برنامج الرئيس السيسي، كما أعلن الدكتور وحيد دوس، عميد معهد الكبد والأمراض المتوطنة بأن حالات الملاريا مطمئنة ولا ترقي لكونها وباء، وأكد دوس توفير عقار علاج التهاب الكبد الوبائي فيروس "سي" الجديد بالمستشفيات بالمجان، وذلك للمعالجين علي نفقة الدولة، اعتبارا من شهر سبتمبر المقبل، فيما ستكون تكلفته ألفي جنيه لمن هم دون ذلك شهريا.