على مسرح الهوسابير بوسط البلد، تعرض فرقة "استديو البروفة" عرضها الجديد منذ أسبوعين، وهو من نفس اسم الفرقة "البروفة"، الفرقة قد قدمت في 2011 مسرحية "1980 وإنت طالع" لتحدث جللا مسرحيا في رصدها لأحلام الشباب وإخفاقاتهم بعد ثورة يناير، استمرت المسرحية لمدة أربع سنوات وسط حضور جماهيري غفير، فيما بدأ أبناء الفرقة الشروع في مسرحيتهم الجديدة، والتي تتناول أوضاع الجيل بمنظور آخر. قصة متكاملة بشخصيات الممثلين الحقيقية، يظهرون على خشبة المسرح بأسمائهم، يطرحون فكرة "بروفة" مسرحية، تعرف من المشهد الأول أنهم يواجهون أزمة في الإنتاج، وايجاد مسرح يستوعب تدريباتهم، بالإضافة إلى بحثهم عن نص جديد، لكي يبهر الجمهور كما في سابق عملهم 1980 وانت طالع، تظن للوهلة الأولى أن العمل "بجد وبحق وحقيقي" وليس مسرحا، ليأخذك النص المسرحي إلى داخل "البروفة"، وتكشف أن العمل لم يكن فقط عن حلم مسرح ونص، ولكن عن جيل يبحث عن خلاصه، أحلامه المضطربة على أرض واقع منهزم، وصراع بين البحث عن حلم تقل احتمالات نجاحه، وفرص ل"أكل العيش" يبحثون عنها، يبتكرون مشاهد جديدة، يسخرون من حالهم، يلجئون لمشاهد درامية من الماضي، ولا يجدون في الثورة إلا صورة لجثث تفترش المسرح في مشهد هزلي، والمستقبل "كادر مظلم". كيف خرجت المسرحية للنور؟ وماذا عن الانتقادات التي واجهتها من جمهور المسرحية الأم "1980 وأنت طالع"؟، وماذا عن طموحات الفريق الذي صعدت بعض وجوهه إلى أفيش السينما وشاشة التلفزيون؟، عن "البروفة" والفريق توجه مصراوي بالأسئلة لكل من مخرج العمل "محمد جبر" وممثل الفرقة "محمد خليفة"، التجربة تشهد إقبالا جماهيريا منذ أول العرض، بعكس "1980" التي شهدت خفوتا في البداية قبل عاصفة النجاح التي جمعت بين تصفيق الجمهور وجوائز المسرح. "المسرحية تنقل "البروفة" بداخل كل شخص، ليس شرطا أن يكون ممثلا، لكن كواليس حياته".. يفتتح خليفة الحديث عن البروفة، مضيفا أن العرض يتخذ من كواليس المسرح "تيمة" لنقل مشاكل جيل تصطدم أحلامه بالواقع، ويشتبك الممثلين مع الجمهور في واقع تلك الأحلام، فالفريق يمثل مع بعضه البعض منذ أيام الجامعة، "عندنا حلم كبير يكون لينا مسرح بتاعنا نعرض فيه أفكارنا المميزة، وحلمنا الأكبر إننا نعمل سينما خاصة تنقل واقعنا". يصرح مخرج العمل محمد جبر أن المسرحية هى في الأصل بروفة "1980 وأنت طالع"، وفي البروفة يخرج عدد كبير من المشاهد التي وقعت بالفعل قبل ظهور المسرحية، تعتمد على تلك المشاهد والشخوص الحقيقية،"أسهل بكتير نطلع بشخصيتنا الحقيقة، ده بيحسس الناس بالطبيعية وقربنا من الواقع" يردف جبر، وهذا لم يمنع وجود نص عملت الفرقة عليه منذ حوالي ثلاثة أشهر، انقسام شهدته الفرقة بين تقديم نفس النهج القديم بمشاهد منفصلة، وجزء آخر من الفرقة يطمح لشكل متجدد، تخرج فيه الفرقة من عباءة المسرحية الأم "1980 وانت طالع"، حُسم الجدل بالشكل الجديد، أن تكون القصة متصلة، يتم سرد قصة الفريق والعواقب التي واجهته، وبين الجد والهزل، تدور المسرحية. جزء من "دراما" يصنعه الفريق في "البروفة"، مواقف مرتجلة مثل علاقة حب بين ممثل يحب من طرف واحد، وتخلق حالة من الضحك، يقول الممثل محمد خليفة إن هذا جعل من المسرحية تتطور من يوم لآخر، خرج النص من ورشة استعد لها الفريق، كان فيها الكاتب المسرحي محمود جمال الحديني يصيغ المشاهد في نص "البروفة"، ويسمح النص لكل صناعه بالوقوف على خشبة المسرح، فالمخرج والمؤلف يخرجون من الكواليس و"يتورطوا" في عرض "البروفة" أمام الجمهور. وعن الجمهور، يؤكد مخرج "البروفة" على ما بدا في العروض الأولى من العمل، إن الجرعة السياسية في "البروفة" أقل بكثير في سابق عملهم، ورغم وجود تلك الإفيهات السياسية التي تشير إلى صندوق تحيا مصر وتعويم الجنيه وحلق زينب، إلا أن قلتها بدت واضحة، فهل خفت صوت الثورة في العمل؟ المخرج يقول إن 1980 عرض ملحمي به وجهة نظر ثورية واضحة، لكن هذا لا يعني أن من يمثل على المسرح "ثوار"، بل هم في الأساس ممثلون ولديهم أطروحات مختلفة، وتختلف أحيانا مع ما ينتظره الجمهور، فالعرض الأول ثوري وأشبه بالجريدة الحية التي تسمح بالتطور اليومي لمشكلات البلد، أما البروفة هو عمل فني مخلص للقصة الواحدة والشخصيات الواحدة، والتي أيضا تنقل مشكلات الجيل، مؤكدا "كان عندنا اختيارين إما نكرر نفسنا وإما نخرج برة الصندوق، لكننا مش مفلسين فنيا، وحبينا نقدم فكرة مختلفة"، وفي هذا السياق يؤكد جبر أن المقارن بين العملين "ظالمة"، فلكل نسق يختلف عن الآخر رغم الرابط الدرامي البسيط بينهما. من جانب آخر، خرجت "البروفة" أيضا من عباءة 1980 ليس فقط من جرعة السياسة، لكن أيضا من سعر التذكرة، الذي تمت مضاعفته في الأخيرة بقيمة 25 جنيها مقابل 10 جنيهات للأولى، الأمر الذي أثير هو الآخر على خشبة المسرح نفسه، ليس سعر التذكرة لكن ما ورائها من مسرح يتم تأجيره بآلاف الجنيهات لليوم الواحد هو الذي يحدد قيمتها، والذي يصعب على الفرقة التي نشأت من مسرح الجامعة أن تظهر على مسرح بمقابل أقل، يحكي خليفة أن الفرقة لجأت لمسارح صغيرة جدا، لم يكن في جامعة عين شمس – أو الدولة كافة- مسرحا يستوعب طاقة الشباب حتى بمبلغ ضئيل، "ده حصل في 1980..كنا دايما نعرض 10 أو 15 يوم ونقف بسبب إن تكلفة المسرح غالية". يسطرد جبر أن بالمسرح عُمال يحتاج تجهيزات ولهم رواتب، يسخر قائلا "ممكن نعتبر أن تذكرة المسرح في مصر زي كل حاجة وغليت، زيها زي علبة السجاير وأسعار الكهرباء.. لو علينا نفسنا ما نغليش على الناس خالص لو هنقدر نعرض ببلاش هنعمل كدة"، يؤكد جبر "مفيش مسارح في مصر، كل همنا إننا نلاقي مسرح فيه كراسي سليمة وإضاءة مناسبة ويكون مكيف، وده مكلف زي تذكرة السيما، ليؤكد المخرج والممثل معا على فكرة الربحية في المسرح الخاص بواقع الحال، بالإضافة إلى أن الممثلين أصبح منهم الآن من يتفرغ بالكامل للمسرح، والتمثيل على الخشبة يبقى هو دخله الوحيد. ورشة عقدها الفريق منذ أن لمعت الفكرة، امتزج الارتجال بالدراما، يستقون من الواقع ثم تلعب الدراما دورها في استكمال المشاهد، لا تتوقف المناقشات بين فرقة استديو البروفة، يذكر خليف "فيه أجزاء كتير وقعنا فيها مع بعض بنقرر ننفذها زي ما هى"، ويلتقط جبر طرف الخيط "كان عندنا أكتر من تحدي، نأجل العرض ولا نكمل؟ نستخدم نفس الأسلوب ولا نجدد؟ لكن قررنا نسير في طبيعية مطلقة وأن كل شئ يبدو حقيقي"، يتابع خليفة أن الخط الكوميدي في العمل لم يكن فقط للضحك، لكنه متعلق بفكرة، تخرج من هموم الحياة، تسخر من أزمات واقعنا "الجمهور اللي جيه يتفرج عنده كبت زينا، نفس المشاكل زي الأسعار والسياسة". ينفي مخرج العمل أن يكون حدث اعتراض من جانب الرقابة على أي من مشاهد "البروفة"، يؤكد أن الصدام هذه المرة أقل، فيما كانت أزمات كثيرة في 1980 وانت طالع، اعتراض الرقابة لم يكن فقط على الجرعة السياسة بالمسرحية التي تنتقد حال البلد بعد ثورة يناير، لكن أيضا لإن الفريق كان لا يزال من الموهوبين فحسب، لإنه فريق جامعي يمثل في جراجات قبل مسارح محترفة، فيما يذكر خليفة أن الرقابة الآن - رغم حصولهم على التصريح- تبدو أكثر شدة لمراقبة الورق المسرحي. ورغم تطور الفريق في عمل ثاني، ينفي مخرج العمل توقف عرض 1980 وأنت طالع بشكل نهائي، يؤكد أن العرض من الممكن إعادة عرضه في المستقبل، قائلا "العرض على الخريطة"، المسرحية الأم التي خرجت من "الزيرو" وأصبحت قطعة فنية مر ت بكل حالات التطور كما يذكران ل"مصراوي"، يتابعان أن تلك الاحترافية تنتظر "البروفة"، وأن يتم تطوير العمل من احتكاك العمل مع جمهوره في الفترة المقبلة، يفسر خليفة "يعني لو بقول 10 إفيهات فيه 8 بس بيضحكوا أكيد في العرض القادم مش هقول الاتنين الباقيين"، ورغم ردود الفعل الإيجابية على العمل في شهر عرض فيه العمل، بدت في الحضور الحي للعمل وأيضا عبر مواقع التواصل الاجتماعي على هاشتاج #البروفة، يقول المخرج "النجاح بتاع ربنا، التجربة وليدة، ومش كل التجارب لازم تبقى أعظم التجارب".