تنتظر الأمهات المصريات يوم 21 مارس من كل عام، ليتم تكريمهن من قبل أبنائهن على التضحيات التي قدموها لهم طيلة حياتهم، لكن من بين هذه الأمهات من لا يجدون وقتًا للاحتفال بعيد الأم مع أبنائهن. من هذه الأمهات نساء تركوا مظاهر الحياة لينغمسوا في العمل، من أجل توفير القليل من المال لتلبية طلبات ذويهن، فافترشوا الأرض، وتحدوا الظروف التي لم تترك لهن خيار عيش حياة كريمة، بل أجبرتهم على الخروج للشارع بحثًا عن لقمة العيش. ففي ملامح يبدو عليها الشقاء والعناء، وتكسوها الطيبة والرضا، تظل زينات سيد، البالغة من العمر 50 عامًا تفترش السوق بمدينة بني سويف منذ شروق شمس كل يوم وحتى الغروب، فالراحة لم تعد من اهتماماتها، لكن كل ما يشغل بالها هو الرزق والبحث عن لقمة العيش. تحكي زينات بداية رحلتها في الكفاح من أجل تربية أبنائها الخمسة، فتقول: كان عمري لم يتعدى ال17 عامًا بعد حينما تزوجت لرجل أكبر مني ب 10 سنوات، إذ كان يعمل عاملًا في إحدى المدارس الحكومة، ولا يمتلك شيئًا سوى عمله البسيط في تلك المدرسة، ولم أكن أجيد القراءة والكتابة أو حتى حرفة لأستطيع مساعدته بها. تكمل زينات حديثها: بعد 16 عامًا من الزواج توفي زوجي إثر أزمة قلبية وهو يعمل، ليتركني أتحمل مسؤولية 5 أبناء وحدي، إذ لم تكن ابنتي البكر بلغت ال 16 عامًا بعد، أما الصغرى فكانت في عامها الأول، وكان جبل ثقيل من الحزن سقط عليا حينها لم أكن أمتلك شيء ليقويني على تربية الأبناء الخمسة الذين تحملت مسؤوليتهم وحدي الآن سوى المعاش الذي أخرجته لي وزارة التعليم من عمل زوجي والذي لا يكفي لتربية هؤلاء الأبناء. وبعين مليئة بالدموع تقول زينات: لجأت حينها للبحث عن لقمة العيش الحلال، والبحث عن العمل الذي لا يشترط به خبرة أو شهادات، لأجد سوق الغمراوي ببني سويف يفتح أبوابه لي، إذ لم يكن بيدي حينها إلا شراء الخضراوات وبيعها بالسوق. ورغم أن زينات كان عليها حمل ثقيل، لكن هدفًا قويًا جعلها تتحمل شقاء وعناء العمل، وهو تعليم أبنائها ليكون هو سلاحهم، حتى لا يتعرضوا مثلما تعرضت له من معاناة بسبب عدم إجادتها القراءة والكتابة. تستكمل زينات حديثها قائلة: مرت 10 سنوات على عملي بالسوق، أخرج كل صباح في شروق الشمس من منزلي لأشتري الخضار من التجار وأتجه باكرًا إلى السوق، ثم أفرش الخضار على الأرض، وأدعو الله أن يرزقني برزق أبنائي ال5. وبعد شقاءٍ لم ينتهي بعد، تمكنت زينات من تحقيق هدفها وهو تعليم أبنائها، إذ تزوجت بنتها البكر من دكتور صيدلي، وذلك بعدما أنهت دراستها بكلية الصيدلة، كما أن ابنتها الأصغر منها في السنة الدراسية الأخيرة بكلية التجارة، والتي تليها في الفرقة الأولى بكلية الآداب، أما الصبي فهو يدرس حاليا في الثانوية العامة، والصغرى في الصف الأول الإعدادي. وبابتسامة تعلو وجهها الذي ملأته تجاعيد الشقاء، وعيناها المليئة بنظرة الفخر والثقة تقول زينات: "استطعت تربية وتعليم أبنائي الخمسة أفضل تعليم رغم جهلي عن العلام، ولازلت أتابع العمل حتى أنتهي من إكتمال المهمة بتعليم باقي الأبناء وتزويجهم حتى أستطيع أن أقول بفخر أكبر مما فيه الآن أني انتهيت وتعبت من الشقاء لأرتاح إلى يوم أقابل فيه زوجي برأس مرفوعة وبفخر مما فعلت له بأبنائنا".