"أمهات شقيانة" جئن من الريف للكفاح في العاصمة سعياً وراء لقمة العيش الشريفة.. يترددن يومياً علي القاهرة حاملات مئات الكيلوجرامات من البضائع فوق رءوسهن للمتاجرة فيها في رحلة كفاح يومية يتكبدن فيها مشقة السفر والترحال وتقلبات المناخ. وتلف السلع ومطاردات شرطة "البلدية". أرامل ومطلقات وزوجات لأزواج عاجزين أو مرضي أو أزواج هجروا أسرهم.. هذا هو ملخص قصص هذه النماذج التي نجدها قريباً من محطات المترو وأماكن تجمع المواطنين في الشوارع والميادين الكبري بالعاصمة.. ليرجعن لأسرهن في القري بما قسمه الله لهن من الرزق.. نماذج رائعة تجسد أروع معاني الأمومة.. اقتربنا منهن وروين هذه الحكايات. * "أم عادل" اختارت ميدان لاظوغلي ميداناً تواصل فيه كفاحها بتلقائية قالت المكان يشهد علي كفاحي أجيء يومياً من بنها للاتجار في الخضار والفاكهة للانفاق علي أولادي بعد وفاة زوجي الذي تركنا بلا معاش أو أموال ننفق منها.. أحمل يومياً 40 كيلو علي رأسي لأتاجر هنا في العاصمة حيث المكسب أكبر مما لو تاجرت في بنها.. أتحمل المسئولية انطلاقاً من معرفتي أن أكل العيش مر وان الانسان لابد أن يواجه الصعوبات بنفس راضية حتي لا يصيبه الإحباط.. لم ألجأ لأسرتي فأهلي غلابة كيف أطالبهم بالانفاق علي أبنائي وهم غير قادرين.. أضافت تواجهني صعوبات كثيرة وهي الابتعاد عن أولادي ساعات طويلة من النهار وهم أطفال صغار في المرحلة الابتدائية في حاجة لرعايتي لكن ما باليد حيلة.. أتواجد بالقاهرة حتي نفاد الكمية التي أتاجر فيها لكي أعود لأبنائي برزق يكفيهم شر الحاجة. أضافت: أواجه صعوبة الانتقال الي القاهرة بعد أن كنت أجيء بالقطار توقف عقب الحوادث الارهابية الأخيرة والفزع من القنابل التي توضع فيه فأضطر الآن لركوب أكثر من مواصلة حتي أصل لمكاني هنا بلاظوغلي عموما كله يهون من أجل أبنائي وأعلم أنه كفاح يمتد إلي ان ينتهي الأجل.. وشقائي من أجلهم أدعو لهم ليل نهار أن يوفقهم الله ويصلح حالهم وأشوفهم في أحسن حال ويمنع عنهم أي شر. * أم سيد- 65 سنة: كافحت من أجل أبنائي الثلاثة عملت خادمة في البيوت سنوات طويلة حتي أدبر نفقاتهم... رحلة حياتي كلها معاناة فلم أعرف طعما للراحة ولما ضعفت صحتي واعتلت من تربية أولادي والخدمة في البيوت فكرت في النزول للقاهرة والعمل في تجارة الخضروات فهي تحتاج مجهوداً أقل من أي مهنة أخري كما أنها لا تتطلب مهارات فأي حد يمكنه التجارة لأنها أسهل مهنة. أضافت لقمة العيش قادتني إلي القاهرة اللي هي سوق مفتوح والطلب فيها كثير كيفت ظروفي مع مواعيد الموظفين فهم زبائني حتي أنني آخذ إجازة الجمعة والسبت لأن حركة البيع تكون شبه منعدمة. قالت أنا سعيدة بأنني واصلت رسالتي مع أبنائي ولم أمد يدي لأحد من أهلي أو أهل زوجي وأتمني أن أواصل الكفاح حتي آخر لحظة في حياتي وأنتظر المكافأة والأجر والثواب من الله ولا أنتظر هدية من أولادي وكل ما أتمناه أن أحج بيت الله لأختتم حياتي بعمل يرضي ربي. أم إبراهيم قالت أكافح من أجل أبنائي الثمانية بعد عجز والدهم الذي بُترت ساقه ولم يعد قادراً علي الكفاح والانفاق علي الأسرة.. قالت آتي يومياً من طوخ وأستقل عدة مواصلات بموتوسيكل من مشتهر إلي طوخ ومن طوخ الي كلية الزراعة.. ومن كلية الزراعة الي القاهرة في رحلة عذاب يومي من أجل أبنائي وأسرتي التي لن أتخلي عن رسالتي تجاههم كل ما أتمناه علاج زوجي علي نفقة الدولة فهو يعاني من السكر ونشتري له أنسولين شهرياً بأكثر من 250 جنيها. * في ميدان الاسعاف وأسفل الكوبري تبيع منيرة كامل خردوات.. قالت أنا من شبرا نزلت للتجارة للإنفاق علي الأسرة بعد مرض زوجي الذي يعاني من الربو وضغط الدم المرتفع واعتلال صحته لدرجة تحول دون العمل ورضيت أن أتحمل إعالة الأسرة زوجي وبناتي الثلاث وكل ما أتمناه أن أسترهن في بيوتهن وأطمئن عليهن. وبجوارها.. وجدت الأختين هند ورحمة محمد من شبين القناطر.. هند أرملة توفي زوجها تاركا لها ولداً عمره 6 سنوات وبنت 4 سنوات وأختها تحمل طفلا رضيعاً وتكافح معها. قالت هند لولا احتياجي ما تعرضت لبهدلة السفر ومطاردة البلدية خرجت للكفاح حتي لا أتسول أو أسرق وبدلاً من أن يساعدني المجتمع تطاردني البلدية. أضافت يومي يبدأ مع الفجر حيث أتجه لسوق العبور لأتسوق ثم آتي إلي هنا في الاسعاف ولي زبائن يثقون في الخضار والفاكهة التي أتاجر فيها أنتظرهم وينتظرونني وبعد نفاد الكمية أعود إلي بلدي وأولادي. قالت أتحمل ظروف الجو الصعبة لوجودي في الشارع في الهواء الطلق من أمطار ودرجات حرارة منخفضة شتاءً وحرارة الشمس صيفاً التي تتلف الخضار والفاكهة لكن ليس لي حيلة فأنا مضطرة أن أقبل المكسب والخسارة ولا بديل عندي. وفي شارع كلية الزراعة اتخذت الكثير من الريفيات مكاناً للكفاح.. إنصاف زغلول- 36 سنة- من كفر برك الخيم بالجيزة- قالت أنا ضحية ظروف اجتماعية سيئة انفصلت عن زوجي الذي لا يعمل ولا ينفق علي أنا وبناتي أسماء وندا 13 و9 سنوات وأقيم مع والدتي وهي فقيرة من الصعب ان أعتمد عليها في الانفاق عليَّ وعلي بناتي والحمد لله ربنا يسر لي فكرة التجارة التي أكسب منها لقمة عيش شريفة لي ولبناتي وأنا حريصة علي تعليمهما حتي لا تعانيا مثلي عموما أنا أفتخر بتعبي وشقائي ومكسبي الحلال. مريم سعد تحمل علي كتفها ربع قرن من الكفاح لمساعدة زوجها المريض وأولادها الأربعة سيف ويوسف ومريم ومينا وقالت: لم أفكر في الهروب من المسئولية فأري أنها متعلقة في رقبتي.. وزاد الأمر صعوبة بعد الحادث الذي أصيب فيه زوجي وتطلب المزيد من المصروفات لعلاجه عموماً أشعر بالرضا لما أقوم به من رسالة تجاه أسرتي وأطالب الحي بأن ينظر لنا بعين الرحمة وكثيراً ما يأخذ البضاعة التي نستدين منها ولم ندفع ثمنها.. ويقول لنا إنه يرسلها لدور الأيتام وهو غير صحيح ويبدو أن العاملين بالحي يتقاسمونها رغم علمهم بقلة حيلتنا. في ميدان المساحة تعمل أم نهي علي عربة فول وطعمية وبطاطس قالت أنا من صفط اللبن وفجأة وجدت نفسي مسئولة عن إعالة أسرتي فزوجي لا يعمل وأولادي في مراحل تعليم مختلفة ولم يكن هناك حل سوي النزول للشارع وما أدراك ما صعوباته والبهدلة فيه والتعامل مع السائقين والبلطجية وسماع الألفاظ الصعبة التي تجرح مشاعرنا لكن ما باليد حيلة. وبجوارها تجلس أم أحمد- من شبين القناطر أيضاً تبيع منتجات الريف من جبنة قريش وجبنة قديمة وبيض بلدي وتنظف الخضروات للموظفين قالت زوجي مشلول ولا يقدر علي العمل خرجت للفكاح بدلا منه فأنا علي قناعة أن المرأة قادرة علي عمل أي شيء طالما أنه شريف. أضاف: واجهتني مشكلة ابني الذي يرفض نزولي للقاهرة ويشعر أنني أتعرض للبهدلة والإهانة ويرفض أن أتحدث لأحد عن كفاحي عموما هو صغير وعندما يكبر سيفخر بما أفعله.