انعدام الخدمات وتهالك البنية التحتية أبرز سمات القرية قبيلة عرب العوازم القادمة من شبه الجزيرة أحد أهم التركيبات السكانية طقوس غريبة في الزواج والأفراح تتميز بها "قرية الجبل" قنا- أيمن الوكيل ومريم الرميحي: مضت أكثر من ساعتين، لا حياة سوى صيحات سيارات النقل المارة، وجبل ضخم بخلفنا، في انتظار إحدى السيارات، حيث لا وسائل مواصلات منها أو إليها بمنطقة كمين الشعانية، وبعد الاستجداء بصاحب سيارة ملاكي، استقبلتنا أخيرا قرية عزبة عبدالرحمن، أو للدقة "قرية الجبل" الجهة المقابلة للقرية التي تتبع الوحدة المحلية لقرية السلامية بنجع حمادي، وتبعد قرابة 18 كيلو مترًا عن مركز نجع حمادي. طرق غير ممهدة، طبيعة صحراوية قاسية، حيث "حضن الجبل" تعاني نقص الخدمات.. بساطة السكان جلية الوضوح كما تظهر في ملامحهم، ويحد القرية من الشمال قرية الهيشة، ومن الجنوب قرية عزبة البوصة، ومن الشرق جبل الطارف، والغرب ترعة الطارف وطريق مصر أسوان الزراعي الغربي، ويبلغ تعداد سكانها 3 آلاف نسمة من إجمالي الوحدة المحلية لقرية السلامية، البالغ عددها 65 ألفا و212 نسمة، وفقا لتعداد 2015. قاطنوها متنوعو الأصول، فبعضهم بدو وآخرين من المتوسعين من القرى المجاورة، من عزب الشراقوة والعشاموه والخمايسة والعسولة، لاسيما عائلات البلدة مثل الحرافيش والحمر وعرب العوازم وآل أبو زيد وآل محمود وآل زيدان والفراسية وعرب المراشدة، فيما يشير الأهالي إلى أن سبب تسميتها بهذا الاسم نسبة إلى الشيخ عبد الرحمن، الذي قدم إلى القرية وأول من سكن بها. التقينا من سكان القرية بعض رموزها، مثل الدكتور أحمد عبد الفتاح، مدرس مساعد بجامعة الأزهر، ممن يعتبرهم أهالي القرية أحد أعلامها، رغم حداثة عمره، والدكتور محمد مهدي خليفة، مدرس التاريخ بجامعة جنوب الوادي، وطبيب بشرى حازم شيبة علي، وباحث كيميائي، رفض ذكر اسمه، والشيخ منصور زيدان، مدرس ومقرئ القرية. الزراعة والرعي وأغلب أبناء القرية زراع وعاملين بصناعة البلاط، ويعيش أغلبهم على الرعي، ويلجأ آخرون للسفر لدول الخليج بحثا عن لقمة العيش، فضلا عن إتقان نسائهم صناعة الصوف، ويبدو ارتباطهم واضحا بالعادات والتقاليد وأهمها "بيت الشعر" وهو خيمة كانت تسكنها الأسر البدوية قديما. وعند حلول الظلام يتجمع أهالي القرية في جلسات عائلية، نظرا لعدم وجود تنوع قبلي أو طائفي بينهم ولعودتهم في الأصل إلى جد واحد، على حد قولهم. تدني الخدمات تعاني القرية من تدن في مستوى الخدمات الصحية ومياه الشرب، وقصور في العملية التعليمية وانقطاع شبه مستمر للكهرباء بالمنازل، وعدم وجودها بشوارع القرية. "الطلمبات لا تزال موجودة في بعض المنازل، والأهالي يعانون في البحث عن مياه الشرب التي لا تأتي إلا في ساعات متأخرة من الليل، فيما يلجأ البعض الآخر لتدبير احتياجاته من المياه من القرى المجاورة".. هكذا يقول أحمد عبد الفتاح، مدرس مساعد بجامعة الأزهر. معاناة المرضى يقول فارس عبد المولى، من سكان القرية، الذي استوقفناه وعلامات التذمر واضحة عليه، إنه يضطر للذهاب بمريضه إلى نجع حمادي بسبب إغلاق الوحدة الصحية بعد 11 صباحًا، لافتًا إلى عدم وجود طبيب مقيم بالوحدة. ويشير يونس عبيد اسماعيل، أحد الأهالي، إلى احتمالية تعرضهم المستمر لمخاطر اللدغ أو الإصابة من الحيوانات، نظرا لقربهم من الجبل في ظل عدم وجود أمصال أو كوادر طبية بالوحدة في الساعات القليلة التي تفتح بها. انقطاع الكهرباء ويورد قناوي محمد، أحد الأهالي، قائلًا إن مدخل القرية من ناحية الجبل عبارة عن جسر على ترعة الطارف، أقيم قبل 5 سنوات على خلفية زيارة لجنة مجلس الوزراء، التي صنفتها ضمن القرى الأكثر فقرا، وأوصت بإنشاء الجسر لخدمة الأهالي، مستطردا أنه متهالك ومعرض للانهيار. ويضيف أشرف عبدالمنعم، أحد الأهالي، أن مدخل عزبة عبد الرحمن البلد عبارة عن ممر ترابي ضيق غير ممهد بالمرة، لافتا إلى أن المدخلين يقطعهما طريق "مصر- أسوان" السريع، دون وجود مطبات أو علامات إرشادية، مما تسبب في سقوط العديد من أبناء القرية ضحايا. ويشير محمود علي عثمان، مزارع، إلى أن الكهرباء تنقطع باستمرار، مع عدم تمكن الأهالي من الخروج ليلا في منطقة الجبل، لعدم وجود إنارة بشوارع القرية، مما يؤثر على تحصيل تلاميذ القرية لموادهم الدراسية. المدارس ويلفت أسامة أحمد، تلميذ بالصف الخامس الابتدائي، إلى تغيب المعلمين الدائم عن المدرسة، وعدم التزامهم بتدريس المناهج، فضلا عن العجز في بعض المواد الدارسية. ويشكو أحمد من معاملة المدرسين السيئة للطلاب، واستخدامهم الضرب ووسائل منفرة في التدريس، متذكرًا موقفًا له عندما قام المعلم بإهانته وضربه وحمله لاستخدامه كماسح للسبورة. ويضيف محمد عماد، طالب بالصف الأول الإعدادي، أن القرية ليس بها مدرسة إعدادية، مما يجعله يذهب إلى مدرسة قرية الهيشة القبلية المجاورة التي تبعد عنهم قرابة 3 كيلومترات، ويشير الى أنه يضطر إلى الاستيقاظ 5 صباحًا مستغرقًا من نصف ساعة إلى ساعة سيرًا على الأقدام للوصول للمدرسة لعدم توافر وسائل مواصلات من وإلى القرية. مركز شباب ويشير محيي محمد، دبلوم صنايع، إلى عدم وجود مركز شباب بالقرية، ما يضطر الشباب إلى الجلوس على المقاهي واستخدام مصلى العيد في حضن الجبل كملعب لكرة القدم بعد أن قاموا بجمع قرابة 3 آلاف جنيه لتمهيده وتسويته لإمكانية اللعب عليه. ويطالب أشرف عبد المنعم، أحد أهالي القرية، بضرورة إنشاء مركز شباب أو ملعب لكرة القدم حتى يكون متنفس لهم، لاسيما وأن مساحة الأراضي المملوكة للدولة متوفرة. التركيبة السكانية وتعد قبيلة عرب العوازم البدوية، القادمة من شبه الجزيرة العربية، أحد أهم التركيبات السكانية بالقرية، باختلاف عاداتها وتقاليدها وخصوصيتها الفريدة عن باقي أهالي القرية، التي تجمعهم عادات الصعيد الواحدة. يقول عبد العزيز موسى خليل، عميد القبيلة، إن أجدادهم قدموا إلى القرية من قديم الزمان بعد أن استقر بهم المقام للعمل بالرعي في سفح الجبل، متخذين من المنازل المصنوعة بأيديهم من الصوف مأوى لهم، التي تطورت فيما بعد إلى منازل من الطين والزلط والتي لاتزال قائمة حتى الآن. ويلفت خليل الى أن قبيلتهم لا تزوج بناتها من الخارج، رغم أن للرجال الحق في الزوج من بنات القرية، معللا ذلك بالحفاظ على النسب، على حد تعبيره، فضلا عن تحدثهم بلغة خاصة فيما بينهم يتوارثها الأبناء جيلا بعد جيل، التي تميل إلى اللغة العربية الفصحى في مفرداتها مع اختلاف معانيها الأصلية، وفقا لمفاهيمهم. ويطالب عبد اللاه محمد، أحد أبناء القبيلة، بالاهتمام بهم وتوفير البنية الأساسية لهم، لافتًا إلى أن أبناء القرية وبناتها يدخلون المدارس ويؤدون الخدمة العسكرية كأبناء الوطن، ولكن لا حظ لهم في أي وظائف حكومية. البديل في الغربة ويضيف صلاح عبد العزيز، أحد أبناء القبيلة، أن عدم رواج تجارة الماشية التي كانوا يعتمدون عليها كمصدر رئيسي للدخل جعل من السفر للخارج وسيلة لكسب الرزق، رغم عدم توفيق الكثير منهم في رحلة عمله بالخارج. وتعد المرأة فى قرية عزبة عبد الرحمن "الجبل والبلد" عنصرا مهما لتربية النسل وسط عادات وطقوس شديدة الخصوصية التي منها ما توارثوها عن أصولهم البدوية وأخرى أساطير خرافية اكتسبت بحكم العيش في بيئة جبلية. ويختلف زي المرأة بشكل خاصة لدى سيدات قبيلة العرب العوازم عن بقية سيدات القرية بشقيها، رغم اشتراكهم في الزي الأساسي المعتاد، العباءة أو "الملاية اللف" فسيدات القبيلة يضعن الحجاب بطريقة مختلفة، فهو شبيه بالنقاب لحد كبير، حيث تغطي بالحجاب الجزء السفلي من وجهها، أي الذقن والفم، وتقول الحاجة سلمى، إحدى سيدات القبيلة، أنهن يرتدين تلك الملابس منذ صغرهن، لافتة إلى أن ليس كل الجيل الجديد من الفتيات ملتزمات به، فهم في تنوع بين ارتداء هذا الزي وغيره من المستحدثات، مشيرة إلى احتفاظهن بنوعية الملابس التي تميل إلى التطريز، مفضلين الألوان الداكنة. خرافة "بير الزنجة" وتشير سميرة عبد العزيز، إحدى سيدات القبيلة، إلى أسطورة "بير الزنجه" أنه عبارة عن مكان محفور أعلى جبل الطارف بجوارهم به عدة غرف، موضحة أن هناك أسطورة شاعت منذ زمن بأن هناك سيدة كانت لا تنجب وقامت بزيارة البير وممارسة طقوسه فحملت، مضيفة ان الطقوس تتلخص في أن تخطو السيدة على البئر 7 مرات وترمى به 7 حصاو، لافتة أن المكان مخيف ويجلب الرعب للسيدة، مؤكدة أنه مازالت هناك نسوة من القرية يزرنها. طقوس الأفراح أما عن الأفراح، فتقول عطيات أحمد، إحدى سيدات القرية، إن الرجال لهم عاداتهم في الاحتفال، ما بين "ضرب الكف" وهو الغناء وسط دائرة من الرجال ضاربين الكفوف ومرددين الغناء، ولعبة العصا، أما السيدات فالغناء داخل المنزل دون السماح للرجال بالدخول إلا الصبية الصغار، وقد ترقص بعض كبيرات السن معهم بالرقصة الخاصة بهم، وهي التمايل على ضارب الكف من الصبية. وتشير إلى أن الأمر بدأ يختلف في هذه الأيام، حيث استخدام "الدي جي" مع الحفاظ على بعض تقاليد الاحتفال الأساسية لهم، مؤكدة أن المرأة لعدم التحاقها بالتعليم، إلا في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية، يتم تزويجها في سن مبكرة ما بين 16 إلى 21 عامًا، راوية أن قديما كان يتم الزواج داخل خيمة من الصوف أو كما يطلقون عليها "شعر الصوف" كما أن على الفتاة أن تصنع هذه الخيمة، ومع تطور الزمن استحدث الأمر إلى ضرورة صنع الفتاة كليم من الصوف أو أكثر، كما أن من تتزوج الأخ الأكبر تشيد له منزلًا من الطين والزلط بيديها وتقوم بهذه العملية لكل أخوات زوجها ممن يقدمون على الزوج.