تصوير ومونتاج- هادي سيد: زاد عدد الأدوية التي تشهد نقصًا في الصيدليات خلال شهر يناير الماضي، مقارنة بالأشهر السابقة، ووفقًا لنشرة نواقص الأدوية الصادرة عن الإدارة المركزية للشؤون الصيدلية بوزارة الصحة، فإن عدد الأصناف التي لا يوجد لها أي مثيل بلغت 42 صنفًا، علاوة على أن عدد الأدوية التي تشهد نقصًا ملحوظًا لكن لها بدائل يمكن استخدامها شريطة استشارة الطبيب، 193 صنفًا. "ولاد البلد" أجر تحقيقًا مع عدد من صيادلة بني سويف، والمعنيين بصناعة الأدوية، للوقوف على حقيقة الأزمة وأبرز الأدوية التي غابت عن الصيدليات، والأسباب التي أدت إلى هذا التقص، وما قد يصاحب غياب هذه الأصناف الدوائية من آثار. تقول الدكتورة عزة محمد، صيدلانية، إن مشكلة غياب ونقص الأدوية جاء بسبب بعض شركات الأدوية التي توقف إنتاج هذه الأنواع لفترة، بنية إعادة طرحها في الأسواق بضعف السعر، وهو ما حدث بدواء مثل "الجوسبرين" الذي أوقفته الشركات لفترة ثم أعادته بضعف سعره، وكذلك اليورفين، والذي منعته الشركة مؤخرًا لنيتها في إعادة طرحه بسعر 11 أو 12 جنيهًا بدلاً من سعره الحالي 5 جنيهات. وأضافت عزة أن المشكلة تتفاقم عندما يكون الصنف الدوائي غير موجود، والأطباء يكتبونه في الوصفات للمريض، وهو ما اعتبرته سوق سوداء لأن منع الدواء لمدة 5 أشهر ثم إعادته بأضعاف سعره يمثل سوقًا سوداء، وحملت وزارة الصحة والرقابة الدوائية مسؤولية الرقابة على شركات الأدوية، لأن زيادة بعض الأنواع لخمس أضعاف السعر يمثل عبء على المواطن، فبعض الأدوية زادت من 5 جنيهات إلى 50 جنيهًا، وهي لا تجد مبررًا لذلك مادامت الشركات المصنعة مصرية والمادة الفعالة كما هي. وأوضحت عزة أن أبرز الأنواع الناقصة هي أدوية السكر والضغط وتوجد لها بدائل، والطبيب يضطر لتغيير الوصفة للمريض لأن هذه أمراضًا مزمنة ولن يتحمل مريضها غياب الدواء. وأضاف أشرف عبد التواب، مساعد صيدلي، أن موضوع نقص وغياب بعض الأنواع الدوائية موجود بصفة مستمرة، إلا أنه زاد في الأونة الأخيرة، متوقعًا أن يكون ارتفاع سعر الدولار هو سبب ارتفاع المادة الخام التي تستوردها شركات صناعة الأدوية، وهو ما تبرر به الشركات غياب بعض الأدوية، لافتًا إلى أن أبرز الأنواع التي غابت من السوق هي: (التكلو للضغط)، و(الجوسبرين علاج السيولة)، و(الدفراو فيتامين د للأطفال)، وبعض الأسعار ارتفعت إلى الضعف مثل: (الكولجوسين أقراص)، والمواطن لا يتقبل ارتفاع النوع الدوائي إلى خمس أضعاف سعره، وربما يتهم الصيدلي بأنه يسرقه. ولا يستبعد أشرف أن تكون المسألة سوق سوداء في الدواء، فهو يؤكد أن العديد من الأنواع تعود بعد غيابها من السوق بأضعاف سعرها. وأضافت الدكتورة نسرين خيري، صيدلانية، أن هناك نقص في العديد من الأدوية ومعظمها يتوفر لها بدائل ماعدا الأنسولين، وتتوقع أن تكون المشكلة بسبب ارتفاع سعر الدولار، والمواد الخام، وأن الشركات نفسها بها مشكلة، ويكون الرد على الشركات هو أن الصنف ناقص، لافتة إلى أن توريد الأدوية للمخازن يؤدي إلى احتكار الدواء بهدف طرحه للسوق السوداء بعيدًا عن الصيدليات، لافتة إلى أن مخازن الأدوية تخفي بعض الأنواع لأشهر طويلة. ويقول الدكتور عاطف فجري، صيدلي، إن أهم الأنواع الدوائية التي غابت مستوردة مثل "اليكوزيم حقن فيتامينات الفشل الكلوي"، مؤكدًا أن شركة الأدوية مظلومة في هذا الجانب لأن تسعير الدواء تكون جبريًا ولا تملك تحريك السعر إلا بموافقة وزارة الصحة، لافتًا إلى أن بعض الأدوية لم يتحرك سعرها منذ 15 عامًا وكان سعر الدولار وقتها 4 جنيهات، وصناعة الدواء تعتمد على استيراد المواد الخام من الخارج. ويوضح الدكتور أسامة الجندي، أمين عام نقابة الصيادلة وأمين لجنة الصحة بمجلس محلي المحافظة سابقًا، أن هناك أزمة شديدة في الدواء هذه الفترة، لأن من بين الأدوية الناقصة أدوية لأمراض حساسة وحيوية لا يمكن الاستغناء عنها، ومنها مثلاً أدوية الأنسولين، وكذلك "حقن أنتي أر إتش" وهي تعطي للسيدة عند الولادة إذا كانت تعاني مشاكل من الدم وغياب هذه الحقن عند الولادة تمثل مشكلة، بالإضافة إلى حقن جلطات القلب التي لا يمكن التأخير في إعطائها للمريض أكثر من ساعتين، وأصناف أخرى للكلى، مناشدًا وزارة الصحة أن يتم توفير هذه الأدوية الحيوية بشكل مستمر وينظر لها في المرتبة الأولى. وأضاف الجندي أن بعض الشركات لها حاجتها في غياب بعض الأنواع، وخاصة الأصناف التي يقل سعرها عن جنيهين، وربما يكون لديهم بعض الحق في ذلك لأن هذه الأنواع تحقق خسارة وتمثل عبء على الشركات لأن سعرها أقل من سعر المادة الفعالة، مناشدًا شركات الأدوية بالرفق بالفقراء لأن توجد أصناف أخرى تحقق مكاسب أعلى، والأصناف تعوض بعضها في الخسارة والمكسب. وأكد الجندي أن وزارة الصحة سمحت مؤخرًا للجنة من نقابة الصيادلة بالتمثيل في لجان التسعير، لأن النقابة هي حس المواطن والصيدلي على حد سواء، لافتًا إلى أن هناك بوادر جديدة لحل الأزمة في مصر والعالم العربي، وأنه حضر مؤخرًا في مؤتمرات مؤخرًا لمتابعة الموقف ومنها مؤتمرات في فرنسا وألمانيا ودبي، وكان هناك موضوعات عن احتياجات السوق المصري للأدوية، وأنه يجد من وزارة الصحة استماعًا لمطالب واحتياجات الصيادلة، مضيفًا أنه سيتم إعادة فتح مصنع "أبيكس" الخاص بصناعة الأدوية في بني سويف بعدما كان مغلقاً، والذي استلمته شركة الحكمة الأردنية. وشدد الجندي على أنه لا توجد سوق سوداء في الدواء المصري على الإطلاق، خاصة وأن تسعير الدواء تكون موحدة على مستوى الجمهورية من أسوان إلى الإسكندرية، لافتًا إلى أن الأدوية المستوردة التي لم تمر بالرقابة الدوائية وتدخل من خلال الحقائب الدبلوماسية أو المسافرين لا علاقة لوزارة الصحة بها وغير مسؤولة عنها. واختتم الجندي أن مسألة ارتفاع الدولار لم يظهر أثرها حتى الآن على صناعة الدواء، حيث أن الأزمة الحالية نتاج لأشهر طويلة مضت، وأن ظهور مشكلة الدولار وأثر ارتفاعه على الدواء قد تظهر بعد خمس أشهر من الآن مالم يتم وضع حد للأزمة، ولكنه لا يستبعد أن يكون غياب الأنواع بادرة لرفع سعرها من الشركات، مطالبًا وزارة الصحة بأن تراعي المواطن البسيط في إعادة التسعير الذي يتم المغالاة فيه إلى خمس أضعاف في بعض الأحيان. ومن جانبه يوضح الدكتور ياسر شلبي، الأمين العام لنقابة صيادلة بني سويف وأمين عام اتحاد المهن الطبية ببني سويف، أن مصر تعاني في الفترة الأخيرة من نقص بعض الأدوية، والسبب أن مصر كلها ليس بها مصنع للمواد الخام وتضطر الشركات لاستيراد المواد الخام من الخارج، وتحتاج لتوفير الدولار ومع ارتفاع سعر الدولار يرتفع سعر المادة الخام المستوردة في حين أن تكلفة الصناعة تكون أعلى من سعر بيعها للجمهور. وأضاف شلبي أن بعض الأصناف سعرها أقل من 10 جنيهات، وتكلفة إنتاجها أعلى من سعرها، ويتم استيرادها، وتسبب هذه الأنواع خسارة للشركات، ما يدفع الشركات لإيقاف إنتاجها حتى يتم إعادة تسعيرها وإنتاجها مرة أخرى وفقًا للسعر الجديد، وشدد على أنه لا توجد سوق سوداء للدواء في مصر وأن وجود أدوية غير مسعره معناه أنه تم استيرادها بشكل مخالف وربما تكون أدوية مغشوشة. وأضاف أمين عام نقابة الصيادلة ببني سويف، أن هناك مجهودات مبذولة حاليًا للسيطرة على مسألة المواد الخام وتحكم الدولار فيها، لافتًا إلى أنه يجري حاليًا إنشاء مصنع للمواد الخام حتى يتم تحرير المادة الخام من ارتباطها بصعود أو هبوط الدولار، مناشدًا الدولة بتوفير الدولار لشراء المواد الخام لحين الانتهاء من مصنع المادة الخام.