تصوير و مونتاج - حسن الحامدي و أميرة صبري: صراخ وعويل وبكاء واستغاثة، كل هذا لم يشفع لأهالي حاجر جبل الترامسة أمام مسؤولي محافظة قنا، بل أعطوا إشارة البدء لتحويل منازل بسيطة تأوي عائلات الى أكوام تراب. عام مر على مأساة الأهالي دون حل، تشرد خلاله نحو 4 آلاف شخص، وهدم أكثر من 750 منزلًا، وذهبت الأوراق ومستندات الربط مع الريح والغبار. الأهالي الذين حولوا التلال في الجبل إلى منازل بسيطة للسكن وسددوا رسومها للدولة، فوجئوا في رمضان الماضي بحملة لإزالة منازلهم بالقوة، دون توجيه أي إنذارات سابقة لأصحابها، بل اقتحمت معدات الهدم المنطقة لتدك بيوتهم، بحسب روايات الأهالي، ومنهم من هدم بيته فوق رأسه، ومنهم من أسرع في الخروج من منزله، مقاومًا رائحة الغاز، بعد إلقاء القنابل المسيلة عليهم. انهيار المنازل يعبر أهالي حاجر الترامسة عن حجم المعاناة، التي تعرضوا لها منذ أن انهارت منازلهم، رغم وجود ما يثبت حقهم القانوني في امتلاك هذه المنازل، ومع ذلك حاول الأهالي جمع الطوب المتناثر لإعادة سور يسترهم، إلا أن مجلس المدينة نظَّم حملة أخرى لهدمها في 15 سبتمبر 2014، متسائلين كيف سيقضون شتاء هذا العام؟ تقنين أوضاع منذ 2005 يقول علاء محمد مصطفى، أحد المتضررين، إن هذه الأراضي كانت تابعه لأملاك الدولة، كما أنها غير مخصصة للمشروعات، لذا قدمت هيئة الأملاك كراسة شروط لتفعيل ما يسمى بالربط بين الأهالي، لتقنين ملكية المنزل الذي سكنت فيه أنا وأسرتي قبل أكثر من 20 عامًا، وبالفعل تقدمنا بجميع الأوراق والمستندات اللازمة لتقنين الأوضاع، وذلك في عهد المحافظ الأسبق عادل لبيب عام 2005، والذي سمح بإقامة منازل على هذه الأراضي الصحراوية، تعاطفًا معهم، بحسب قوله. يضيف مصطفى إن اللواء السابق طالبهم بتعمير هذه الصحراء، وبلغ عدد المنازل بها آنذاك 13 منزلًا بالصحراء، ثم بدأ الأهالي بعد ذلك بالبناء في المنطقة، فمن جانب هم يعمرون الصحراء ومن ناحية أخرى هم يبحثون عن مأوى وسكن، وبلغ قيمة المبلغ المدفوع إلى هيئة أملاك الدولة لتقنين الأوضاع 35 مليون جنيه، ولكن دون جدوى، بحسب مصطفى. تخصيص المنازل ويتابع إن الأهالي حصلوا على إقرار من هيئة أملاك الدولة بالربط، بناءً على تقرير لجنة المتابعة وقرار من المحافظ حينها، ودفع كل شخص 2016 جنيها عام 2007، لمساحة قدرها 240 مترًا فقط، خصصت قانونيًا من مجلس المدينة لهم، بالإضافة إلى استخراج خرائط مختومة لهذا الظهير الصحراوي بعد تعميره. ويوضح مصطفى أن قرار الإزالة صدر بأنه وقع على أساس أسوار لا يوجد بها أي عنصر بشري، دون التأكد من وجود أهالي ورائه، كما أنه عندما يحاول بعض الأهالي بناء مأوى من جديد توقع عليهم إزالة له مرة أخرى، رغم أحقيتهم في بناء هذه المنازل، ما يجعلهم يلجأون إلى الخيام، متسائلًا كيف سيكون حال هؤلاء خاصة في فصل الشتاء؟ إزالات عشوائية ويوضح محمد عرفات شمندي، أحد المتضررين، أن الدولة خصصت له 550 متر له ولأسرته، وإلتزم بتسليم الأوراق المطلوبة، وتسلٌم خريطة لمنزله من مجلس مدينة قنا، مما يبين أحقيته في إمتلاك هذه المساحة قانونياً، وذلك بشهادة سعيد عدنان، رئيس المجلس المحلي بدندرة، بالإضافة إلى تأكده من عدم وجود إسمه ضمن قرارات الإزالة التي نفذتها مجلس المدينة. قنابل مسيلة للدموع هناء عطيتو، إحدى المتضررات، تروى كأن الأحداث مرت عليها أمس، متذكرةً الضرر الذي لحق بها ماديًا ومعنويًا، حينما رأت القنابل المسيلة للدموع في وسط دارها أمامها أثناء الصيام، ومحاولة إخراجها من منزلها عنوة وجرها وبناتها الثلاث خارج المنزل، مشيرة إلى أن منزلها تعرض للإزالة أكثر من 3 مرات على فترات متباعدة. إزالة 4 مرات وتستغيث أم عصام، إحدى المتضررات، بالمسؤولين، لينظروا إليهم بعين الرحمة، مبينةً أن منزلها انهار أمامها أكثر من 4 مرات من قبل مجلس المدينة، كما أنها أخذت تبحث عن بقايا أساس منزلها وسط الحجارة المتناثرة من الانهيار. ويقول جمال محمود، أحد المتضررين، إن أصحاب ال750 منزلًا تقدموا بشكاوى، وتحددت جلسة في المحكمة خلال شهر ديسمبر الحالي. ويروي رجب حسن، متضرر، أن المنازل التي هدمت كان من بينهم منزل أحد المتزوجين حديثًا قبيل حدوث الإزالة بثلاث أيام، يدعى أيمن رمضان، وتسببت الإزالة في انهيار كافة أساس المنزل والأجهزة الكهربائية، يتابع: أصبحت عروسه تركض في الشارع مستغيثة بالأهالي حولها لمساعدتها، ولا تعلم أنها لم تكن وحدها ضحية هذا الإهمال والفساد، على حد وصفه. "كنا في رمضان و صائمين، والهدم بدأ واحنا واقفين، والله ما عرفنا نفطر في اليوم دا، سودوها في وشنا من كل ناحية" هكذا بدأت حديثها أم أحمد ضاحي، السيدة الطاعنة في السن التي ترعى أحفادها، مشيرة إلى أن جميع الأهالي بالقرية لم يتلقوا أي سابق إنذار بصدور قرار إزالة، وإنما حضر رجال مجلس المدينة، بالمعدات والأدوات، في نفس يوم الإزالة دون أن يكون معهم أية أوراق تفيد أن ما يفعلونه أمر قانوني. وتروي زينب عيسى، قصة جارها شحات أبو المجد، وأخيه رمضان أبو المجد، إنهما كانا يعيشان في غرفة صغيرة، مع أفراد أسرتيهما الأربعة، وعندما بدأت عمليات الإزالة فروا، ولا نعلم ما الذي حل بهم حتى الآن، ولا تدري عنهم شيئًا. أما عبد الناصر محمود، متضرر، يروي أن جاره علي أحمد علي، شاهد منزله يهدم أمام عينه، فركب دراجته، ملقيا ابنه الوحيد علي جانب الطريق، ليقف أمام سيارة مارة بسرعة فدهسته، متابعًا: هذا المشهد كان الأكثر تأثيرًا في نفوس الحاضرين، بعد انتحار الرجل أمام أعينهم. تقنين الجميع إلا قنا بينما يقول عبدالرحيم الخولي، مدير عام متقاعد بوزارة المالية، إن جميع المحافظات قننت للأهالي وضع اليد علي الأراضي الزراعية والسكنية إلا محافظة قنا، مع تثمين الأراضي بالمحافظة، وهذه خطوة كان لا بد أن تُتخذ لحل مشكلة دامت عشرات السنين. ويوضح الخولي أن أرض الترامسة هذه كانت محل نزاع منذ البداية بين المحافظة والزراعة، وكل منهما يعتبر أن هذه المنطقة تحت تصرفه، مما مهد لإلحاق الضرر بالأهالي وهدم منازلهم دون أي وجه حق، ولطيبة الأهالي وقلة حيلتهم لن يستطيع أحد الوقوف في وجه الحكومة أو شكوتها، ومع ذلك رفعنا عدة قضايا، ولن ننزل عن حقوقنا أبدًا، بحسب تعبيره. يشار إلى أنه صدر إعلان من وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي "الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية"، ومنشور بجريدة الأهرام بتاريخ 20 يناير 2007، بمناسبة صدور قانون رقم 148 لسنه 2006، بتعديل بعض أحكام قانون المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة1998، وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2041 لسنة 2006، المتضمن فتح باب تلقي طلبات تقنين واضعي اليد على الأراضي ولاية الهيئة الواقعة خارج الزمام بعد مسافة 2 كيلو متر على مستوى جميع محافظات الجمهورية للذين استصلحوها، وزرعوها وتوفر لها مصدر دائم، وتحدد يوم الإثنين الموافق 30 مارس 2009، لقبول طلبات تقنين واضعي اليد على الأراضي ولاية الهيئة. بينما يقول مبارك محمد إسماعيل، مدير هيئة الأملاك السابق، إنه تم تحصيل نحو 70 مليون جنيه من الأهالي بشأن تقنين أوضاع واضعي اليد على تلك الأراضي، التى أخذت مقابل حق الانتفاع، مُضيفًا أن المبالغ المحصلة من الأهالي على مستوى دائرة محافظة قنا تودع كإيرادات لأملاك الدولة كحق انتفاع أو نشاط في البنك الأهلي في صندوق الإسكان الاقتصادي بديوان عام المحافظة بمعرفة أمين خزائن إدارة الأملاك.