في أحد أحياء مدينة الإسكندرية تتحرّك سيدة سورية ببطء داخل غرفتها متواضعة الأثاث ممسكة ببعض العقاقير الطبيّة في يدها، تقطع خطوات قليلة حتى تصل لزوجها الجالس على مقعد خشبي في غرفة مجاورة، "زوجي مريض لا يقوى على الحركة ولا العمل بسبب ما تعرّض له في سوريا من تعذيب على يد جنود بشّار الذين صلبوه وأهانوه هو وعدد آخر من رجال الحيّ حيث كنّا نعيش". أم الزهراء، البالغة من العمر حوالي 50 سنة، وصلت الإسكندرية منذ أكثر من ثلاث سنوات برفقة زوجها المسنّ، الذي تقوم على خدمته ورعايته بسبب مرضه وعجزه، وكانا يظنّان أن المكوث في مصر لن يستغرق أكثر من شهر أو اثنين حتى تستقرّ الأوضاع في سوريا ومن ثمّ يعودا إلى وطنهما مرّة أخرى، "جينا من تلات وداخلين في الأربعة سنين عا أساس شهرين وهنرجع، جينا من غير أغراضنا و تيابنا"، لكن المكوث طال والأوضاع في سوريا تدهورت إلى الأسوأ. تشير على أصابعها إلي عدد أبنائها الستة الذين شرّدتهم الحرب وفرّقتهم عنها "شوية في لبنان وشوي في تركيا"، وتدعوا "الله يجمعنا بيهم يارب"، بينما تذرف عيناها الدموع. تعتمد أمّ الزهراء وزوجها على إعانات الجيران من المصريين وما تمنحه لهم مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين من خلال أحد مكاتبها في الإسكندرية، رغم قلّة ما تحصل عليه من مساعدات رسميّة يساهم جيرانها "الطيبون" على حد وصفها في التخفيف من معاناتها، "إيجار السكن 600 جنيه لكن صاحبة السكن لا تطالبنا بدفع استهلاكنا من المياه أو الكهرباء وتتكفّل هي بذلك". يتشارك جيران أم الزهراء الخبز معها بينما يتهكّم عليها آخرون "روحوا جيبوا خبزكم من عند بشار"، لكنّها ترى أن أي بلدٍ تضمّ أناسًا سيئي الخلق كما تضمّ الصالحين "حتى بسوريا". وتتذكّر حال أسرتها في سوريا قبل الحرب "لما كنا بسوريا كان عندنا أرضنا وكنا بنعطف عالفقير بالمصاري وساعات بالليمون والرمان إن شاء الله يارب نرجع سوريا والله يجمعنا بالأولاد". أمنية أمّ الزهراء تتلخّص في العودة لبلادها ولمّ شمل أسرتها من جديد، هي تمنى من الله "يجمعنا بأولادنا ونعود سوريا، حتى أموت بس أعود سوريا واشوف الأولاد وبوسهم، إن شا الله نرجع مثل ما كنّا".